بيان كتلة المستقبل «لزوم ما لا يلزم» في المرحلة الأمنية الخطرة التيار الأزرق لا يمكن ان يكرر تجربة «عبرا» بتداعياتها السلبية عليه صراع التيارين المعتدل والمتعصب
والحريري يحسمه لصالح الاعتدال
كان من الصعب بالنسبة الى الكثيرين القراءة ما بين سطور بيان «كتلة المستقبل» وفهم مكنوناته وما يطالب به المستقبليون في ملف الموقوفين في سجن رومية بعدما قرر المجتمعون في الكتلة بأن التوقيفات في حق اسلاميين حصلت من جراء التحقيقات تحت ضغط التعذيب وبعدما طالبت بالضغط على المؤسسات العسكرية والأمنية لثنيها عن مواصلة الاجراءات التي تنفذ في بعض المناطق وخاصة في طرابلس. فالبيان الغريب والمفاجىء في التوقيت والمضمون تقول مصادر في 8 آذار كان من الممكن تفسيره واستيعابه لولا ان الظرف الحالي لا يمر بمرحلة تهديدات «داعش» واخواتها وتغريدات أمراء الارهاب على «تويتر» ومواقع التواصل الاجتماعي التي تهدد وتتوعد اللبنانيين بمصير يشبه ما حصل في العراق وسوريا، وبالتفجيرات واقتحام السجون لتحرير الموقوفين فيها. والبيان ايضاً كان يمكن تمريره وعدم التوقف عنده لولا ان وزراء العدل والداخلية لا ينتمون الى تيار المستقبل ولا يحسبون في فلكه.
لهذا فان بيان كتلة المستقبل فاجأ المتابعين في مضمونه وتوقيته تضيف المصادر بحيث جاء لزوم ما لا يلزم في حمأة استنفار أجهزة الدولة ومؤسساتها العسكرية والأمنية لمواجهة خطر الارهاب القادم على لبنان بعدما وقعت مجموعة من الأحداث والتفجيرات وبعدما اظهرت التحقيقات مع المشتبه بهم ما يتم تحضيره من اعمال خطيرة على الساحة اللبنانية. وما يعطيه صفة البيان الفاشل تقول المصادر ان وزير الداخلية نهاد المشنوق اعطى اشارة الانطلاق منذ تسلمه وزارة الداخلية لمحاربة الارهاب وقمعه في مهده من اية جهة اتت، وبعدما أعلن زعيم المستقبل سعد الحريري اثر تفجيري ضهر البيدر والضاحية انه لن يقبل بجعل السنة البيئة الحاضنة للارهاب. ولهذا السبب ايضاً فان موقف «المستقبل» لم تفهم خلفياته وماهيته والى ماذا يرمي في الوقت الذي يشهد لبنان حالة استنفار غير مسبوقة بانتظار حدث ارهابي اذا صحت تهديدات داعش وأمرائها، وبعدما أعلن وزراء «المستقبل» الحرب على الارهاب والتطرف، وصدر أمر اليوم الباريسي من اعلى الهرم بنبذ الارهاب وقطع دابره وعدم منحه البيئة الحاضنة. فالبيان اذا امكن فهمه يعني ان القبول بالشيء ونقيضه في آن واحد، وسألت المصادر كيف سيكون موقف وزيري العدل والداخلية وتعاطيهما مع تطور الأحداث وفيما لا سمح الله وقع عمل ارهابي، وكيف يمكن حينها القبول بمبدأ الدفاع عن ظلامية بعض الموقوفين بتهم اراهابية واحداث معينة؟
تجيب مصادر في «تيار المستقبل» على التساؤلات بأن التيار الأزرق لا يمكن ان يكون بالمطلق داعماً للإرهاب، القرار بمواجهة الأحداث الآتية الى لبنان قرار جريء اتخذه سعد الحريري عندما قرر من على باب محكمة لاهاي وضع الخلافات السياسية جانباً ومحاكمة المتهمين بقتل والده والانخراط في الحكومة والدخول اليها الى جانب حزب الله وفريق 8 آذار، فيومها الحريري لم يكن يسعى الى المكاسب السياسية والأرباح، بل قرر الا يشكل حجر عثرة لمشروع انقاذ الجمهورية في ظل الفراغ الذي كان سيفرض نفسه ويطول أكثر في السراي وبعدما وقع مسلسل طويل من التفجيرات والأحداث الدموية. تيار المستقبل نفسه لا يريد كما يقول المدافعون عنه ان ينغمس مجدداً بما ارتكبه في احداث عبرا وبعض المحطات الأخرى بغض النظر او الوقوف طرفاً الى جانب الفريق السني الذي قاتل المؤسسة العسكرية، فحتى الساعة لم يتم تلميع صورة المستقبل من احداث عبرا رغم كل الانفتاح المستقبلي على المؤسسة العسكرية، وفي الوقت نفسه فان المستقبل لم ينجح في حماية او الدفاع عن بعض المتورطين بتلك الأحداث او المقربين منهم وهذا ما يفسر الحملة الشرسة التي يطلقها دائماً الشيخ الارهابي الهارب احمد الأسير او المقربين منه.
على ان الغوص في تفاصيل المستقبل يظهر ان داخل «التيار» ثمة وجهتا نظر مختلفتان او تياران، ألأول ينادي بالاعتدال ويقوده سعد الحريري وفريقه الشخصي وهذا الفريق يعتبر الأمن خط أحمر لا يمكن المساس به مهما كثرت الاختلافات ويدعو الى نبذ الاقتتال والتطرف، وتيار متعصب يخلط بين السياسة والأمن وهذا الفريق يحمّل حزب الله مسؤولية كل ما يجري على الساحة على خلفية مشاركته في الحرب السورية، وهو يتماهى مع احداث سوريا والعراق ويتوجه الى القاعدة السنية الشعبية ولا حاجة هنا للتذكير بالدور الذي يلعبه خالد الضاهر ومحمد كباره في هذا المجال.
ولكن ورغم كل ذلك وتصارع وجهتا النظر فان خطورة الوضع تقتضي وفق المصادر في 8 آذار الا ينغمس التيار الأزرق في وحول اللعبة الداخلية التزاماً بما قرره سعد الحريري عند دخوله الحكومة، وحتى لا يحرق اصابعه بنار الأحداث الأمنية الخطيرة التي تبشر بها «داعش» ومجموعاتها.