لا تخلو دولة في العالم من انقسامات سياسية وحزبية. تعدد الاتجاهات السياسية والفكرية كان دوما مصدر غنى في الديموقراطيات.وفي منطقتنا حيث كبت الحزب الواحد والمُلك المطلق والرئيس الازلي أنفاس الشعوب حتى انفجرت، كان لبنان الصغير دوما استثناء.ولكن تدريجاً راح يتبين أن هذه الواحة السياسية في المنطقة الجرداء ليست الا “فكرة” جميلة لبلد لم يكتمل. تبلغ اخفاقات حكومتنا دركاً لم يعرفه تاريخ الدول. الرهانات المتضاربة لمكوناتها تضرب كل أسس الدولة. وسعي كل فريق الى تسجيل نقاط في معركته مع الفريق الاخر على حساب الوطن ينفي صفة المسؤولين عن هؤلاء المتربعين على مناصبهم باسمنا. صمّ الآذان عن أوجاع أمهات العسكريين المخطوفين ليس من شيم الحكام. الارتباك في التعامل مع الملفات الحساسة عيب وعار. الحرب السورية عرّت دولتنا. نارها قسمت الفريقين الرئيسيين في البلد، على كل شيء، بما فيه الملف الامني الاهم الذي تحرص دول العالم على ان تنأى به عن التجاذبات. ألسنتها حولت امن لبنان الهش أصلاً ، مجرد ورقة سياسية. وبدل أن يسعى الفريقان الى تعزيز الجيش وتأكيد دوره ضمانا للوحدة بين شعب منقسم فريقين، حوله السياسيون الحلقة الاضعف يضحون به فيذبح العسكريون المخطوفون على أيدي “الدولة الاسلامية” و”جبهة النصرة” واحدا تلو الآخر.كل ذلك كي لا يتنازل فريق للآخر فينتصر واحدهما على الآخر.
وحتى الخاطفون أنفسهم يتجاوزون الحكومة. يتلاعبون بأهالي المخطوفين المتلهفين لاستعادة أبنائهم. يتصلون مباشرة بأمهات العسكريين ويسمعونهن أصوات أبنائهن ويضغطون عليهن بشتى الوسائل لدفعهن الى النزول الى الشارع واقفاله والضغط على دولة مربكة لا حول لها ولا قوة. أية هيبة لحكومة يفاوض حزب مشارك فيها المسلحين ويقايضهم لتحرير أسير له ، بعدما منعها من التفاوض لاطلاق عسكرييها؟ أية صدقية لدولة يقول أحد أركانها ان تنفيذ حكم الاعدام في حق بعض الموقوفين المحكوم عليهم بالاعدام أصلا “غير وارد”، لان الحكم صوري أصلا وتنفيذه يتطلب قرارا سياسيا غير متوافر؟.أي وطن هذا يقول أحد وزرائه إن توقيف زوجة أنس جركس القائد المنشق عن “النصرة” الى صفوف “داعش” والزوجة السابقة لأبو بكر البغدادي، خطأ كبير، وقت لا يزال هذا التنظيم وذاك يحتجزان عسكريينا ويهددان بذبحهم اذا لم نفرج عن أسراهم؟
… مبروك لبيروت. لأكثر من سبب وسبب تستحق المدينة المتعالية على الجروح الانضمام الى قائمة عجائب الدنيا السبع الجديدة. حبها للحياة وقدرتها على استيلاد الفرح من رحم الالم يجعلانها في عيون أبنائها المهاجرين خصوصاً والذين صوتوا لها، من أجمل مدن العالم. وفي عيون المقيمين ثمة سبب اضافي لهذا اللقب: مدينة تؤوي حكومة تسترخص دماء أبنائها وجنودها بهذا الشكل، هي حقا من عجائب الدنيا السبع الجديدة.