IMLebanon

بين أردوغان ـ 1 وأردوغان ـ 2

 

يقول أحد المؤرّخين السياسيين «إنّ الرجال ظروف، وأفضل الرجال تحبِطه ظروف سيئة، وأضعف الرجال تدفعه إلى الواجهة ظروف جيّدة». وهذا القول ينطبق اليوم على كثير من القادة الذين ترفعهم الظروف إلى القمّة أو تدفعهم إلى الهاوية.

وفي هذا الإطار يجري نقاش في دوائر سياسية وبحثية حول سياسة الرئيس التركي المنتخب رجب طيب اردوغان بعد تحقيق حلمه بانتخابه رئيساً لتركيا خلفاً لعبدالله غول، ومن المرحلة الانتخابية الأولى.

بعض السياسيين يعتقد أنّ اردوغان ماضٍ في سياساته الداخلية والخارجية وقد بات رئيساً لتركيا يسعى الى تحويل النظام السياسي فيها نظاماً رئاسياً على غرار نظام الولايات المتحدة الأميركية، وإلى حدّ ما فرنسا ودوَل أُخرى. ويعتقد هؤلاء السياسيّون أنّ عدد الأصوات التي نالها أردوغان، وهي تفوق الخمسين في المئة، ستغذّي لديه الإحساس بالقوّة والاقتناع بـ»سلامة» الخطّ الذي انتهجَه في السنوات التي أمضاها في رئاسة الحكومة. ومن هنا يتوقّعون أن يمضي في سياسة قمع معارضيه في الداخل ومواجهة خصومه في الإقليم.

بعض آخر من السياسيين يعتقدون أنّ أردوغان هو أكثر الاشخاص معرفة بالظروف التي تعيشها تركيا، سواءٌ على الصعيد السياسي، أو الاقتصادي أو الاجتماعي أو الأمني أو حتّى الخارجي.

فالرجل وخبَراؤه الاقتصاديّون بدأوا يتحسّسون عوامل الضعف التي تتسلّل إلى الاقتصاد التركي، وقد كان نموُّه السريع أحدَ مصادر القوّة الرئيسية لأردوغان وحزبه «العدالة والتنمية». كما أنّ أردوغان ومستشاريه يتلمّسون بدايات ارتجاجات داخل صفوف حزبه، حيث يتزايد صوت المعترضين على شخصَنةِ الحزب والدولة واختزالها بأردوغان نفسه.

فعبدالله غول الذي يتمتّع برصيد غير قليل في حزب «العدالة والتنمية» يشعر وكأنّ أردوغان قد خدعَه حين صوّرَ له أنّهما سيكرّران في علاقتهما بعضهما ببعض معادلة بوتين- ميدفيديف، حيث تناوبا على الرئاسة الأولى وعلى رئاسة الحكومة في الاتّحاد الروسي بدرجةٍ عالية من الانسجام.

فيما تشير كلّ المعلومات الى أنّ أردوغان قد أدارَ ظهرَه لغول على الرغم من أنّ هذا الرجل كان شريكاً له ورفيقاً في مسيرتهما السياسية منذ أن خرجا من تحت عباءَة مؤسّس الحركة الإسلامية الدكتور نجم الدين أربكان الذي كان معروفاً بتشدّده، فيما كان الثنائي غول ـ أردوغان يقدّمان نفسيهما سياسيَّين منفتحَين معتدلين في الداخل والخارج.

ويقول المحيطون بغول إنّ أردوغان قد نسيَ ما فعله غول من أجله حين حفظَ له رئاسة الوزراء، بعدما طعنَت المحكمة العليا بممارسته العمل السياسي، فأمسكَ غول برئاسة الحكومة الى أن أُعيدَ الاعتبار لأردوغان فسلّمَه إيّاها. واليوم يتحدّث المقرّبون من أردوغان عن أنّه سيسلّم رئاسة الوزراء لوزير الخارجية الحالي أحمد داود أوغلو، وهو ما يُعتبر طعنةً ثانية لعبدالله غول ولشريحة واسعة في الحزب الحاكم في تركيا.

كذلك يدرك أردوغان أنّ نسبة الأصوات التي نالها منافساه وأوّلهما الدكتور إكمال الدين إحسان أوغلو هي نسبة لافتة، وتشير إلى أنّ نصف الأتراك تقريباً معارضون لأردوغان، وهي نسبة مرشّحة للزيادة مع كلّ خطوة ناقصة يخطوها.

على أنّ علاقة أردوغان بالأكراد لم تتحسّن رغم كلّ سنوات حكمِه، ورغم الوعود التي قطعها لهم، ومن المنتظر أن يصبحَ الوضع أكثر تأزّماً مع دخول «داعش» على خطّ النزاع مع أكراد سوريا والعراق، فإذا لم يتّخذ أردوغان إجراءات رادعة لتمدّد «داعش» فستصبح المناطق الكردية في تركيا وسوريا والعراق جبهة واحدة تحارب «داعش» وتضغط على الحكومة التركية.

وإذا عمدَت أنقرة الى التضييق على «داعش» إرضاءً للأكراد، وتنفيذاً لقرار مجلس الأمن الدولي الأخير القاضي بتطبيق الفصل السابع على كلّ من يدعم «داعش» و»النصرة» فإنّ أردوغان سيواجه «خطراً «وجودياً» مصدرُه «داعش» وأخواتها، حسب تعبير الأمين العام لحزب الله السيّد حسن نصرالله.

وعلى الصعيد الإقليمي فإنّ تركيا في مواجهة مع محورَين كبيرين وخطيرين: أوّلهما المحور المصري – السعودي – الخليجي بثقلِ القاهرة وإمكانات الرياض. وثانيهما المحور السوري – الإيراني ذو الامتداد اللبناني. ولا يستطيع أردوغان أن يعتمد على قطر وحدَها التي تشير التطوّرات الى قرب انضوائها تحت المظلّة السعودية. كذلك لا يستطيع أن يعتمد كثيراً على تحالفه مع حركة «حماس»، لأنّ الأخيرة بسبب الجغرافيا السياسية مضطرّة إلى التعامل مع القاهرة التي ما زالت علاقاتها بأنقرة متوتّرة.

وفي الوقت نفسه فإنّ التباين بين تركيا وإيران حول الموضوع السوري، خصوصاً بعد امتداد تداعياته الى العراق سيزيد من الضغط الإيراني لتليين الموقف التركي من الأزمة السورية.

وإذا أضفنا إلى الضغط الإيراني الضغط الروسي والصيني ودوَل «البريكس» فإنّ أردوغان مضطرّ إلى مراجعة حساباته، خصوصاً مع تزايد الاستشعار الدولي لخطر الجماعات الإرهابية المسلحة، وهو خطر دفعَ برئيس وزراء بريطانيا الى الحديث عن إمكانية «التعاون مع إيران حتى لا تصل هذه المنظمات الى شوارعنا».

ويستطرد هؤلاء السياسيون في تحليلهم فيوردون معطيات عدّة تشير إلى أنّ الظروف التي جاءت بأردوغان ـ1 ليست ذاتها الظروف التي جاءت بأردوغان ـ2، ولا يستبعدون أن يُجري الرجل، كونه سياسياً براغماتياً، مراجعة لسياساته في الداخل والخارج، ويخرج إلى الاتراك مثلما خرج يوماً رئيس وزراء مصر مصطفى النحّاس باشا إلى المصريين حين ألغى معاهدة مع بريطانيا كان قد وقّعها بنفسه، وقال لهم يومَها: «من أجل مصر وقّعتُ هذه المعاهدة ومن أجل مصر أُلغي اليوم هذه المعاهدة».

فهل سيقف اردوغان بعد انتخابه رئيساً لتركيا ويقول للأتراك: «من أجلكم انتهجتُ تلك السياسات في الداخل والخارج ومن أجلكم سأراجعها». وربّما يتذكّر في هذا الإطار رسالة وجّهها له سياسيّ عربي حين بدأ تورّطه يظهر في الأزمة السورية وقال له فيها: «إذا تصرّفتَ كرئيس حزب سيخسر حزبك وتخسر تركيا. أمّا إذا تصرّفت كرئيس لتركيا فستربح تركيا ويربح حزبك».