ما يجري في كواليس العلاقة بين البطريرك الماروني والرئيس العماد ميشال عون ليس جديداً في تاريخ بكركي والمارونية السياسية. انه (إذا صح التعبير) تقليد سجله المؤرخون جميعاً الذين أرّخوا لبكركي خصوصاً في عصرها الحديث. وبالذات منذ القرن التاسع عشر حتى القرن الحادي والعشرين الجاري.
وحكاية المثلث الرحمات البطريرك بولس مسعد مع الزعيم الوطني المرحوم يوسف بك كرم، الذي عرف بلقب «بطل لبنان»، هي حكاية معروفة من كثيرين. فقد كان الإختلاف بين الرجلين كبيراً لدرجة انّ المؤرخ سمعان خازن جزم بأنّ البطريرك هو الذي ضغط على فرنسا والڤاتيكان للدفع بيوسف بك الى المنفى الذي راوح بين مصر وفرنسا قبل أن يستقر في إيطاليا حيث مات هناك. وعبثاً حاول المطران يوسف الدبس مؤسس مدرسة الحكمة (إبن منطقة زغرتا – من «كفرزينا») أن يرمم العلاقات بين الطرفين تمهيداً لعودة كرم من منفاه، منيت مساعيه بالفشل الذريع لتشبث البطريرك بموقفه بقوة.
وفي منتصف القرن العشرين الماضي نشب خلاف حاد جداً بين المثلث الرحمة البطريرك بولس المعوشي والزعيم الماروني الأول يومذاك الرئيس المرحوم كميل شمعون… فلقد وقف البطريرك الى جانب المعارضة داعماً اخصام شمعون (وهو في سدة الرئاسة) بل إنه دعم اعداءه ايضاً. وبلغ به الخصام معه أنه بينما كان يستقبل وفداً من منطقة زغرتا دلف عليه أحد الكهنة حاملاً رسالة من مغتربي أميركا اللاتينية والجنوبية تحث على المصالحة مع الرئيس «البرزيدانتي»، فداس الرسالة، عند كلمة الرئيس، بحذائه!
والمعوشي ذاته (وكان بطريركاً عملاقاً ليس فقط في القامة الجسدية بل في الفكر والسياسة والعلاقات الدولية والمواقف الصلبة) عاد فاختلف مع خليفة شمعون الرئيس الراحل فؤاد شهاب… وتلك قصة كبيرة.
والبطريرك السابق مار نصرالله بطرس صفير أمدّ اللّه في عمره تميّزت ولايته بخلاف مشهود مع العماد عون قبل المنفى وبعد عودته منه. وروى على مسمعي أحد الأساقفة المخضرمين انه في خلال إحتدام المعارك بين الجيش اللبناني والقوات اللبنانية كانت العلاقة السيئة بين عون والبطريرك صفير تزداد سوءاً. فتطوّع المطران المشار اليه للقيام بوساطة بينهما، فقصد عون في قصر بعبدا وقال له: يا دولة الرئيس إن خلافك مع غبطة أبينا البطريرك يسيء الى الطائفة كثيراً وبالتالي الى لبنان. وأنا «تطوّعت» محاولاً رأب الصدع بينك وبينه.
فما هو مطلبك من غبطته؟ فأجابه عون: لا شيء… فقط عندما يتحدث غبطته عن الأحداث فليتوقف عن القول «المسلحون من الطرفين»… واضاف عون: يا سيدنا فليقل غبطته «الجيش والقوات» وليسبغ على القوات أعظم الألقاب، لا مشكلة عندي. أما أن يقول «المسلحون من الطرفين» فهذا ما لا أقبله.
ومضى المطران المخضرم يخبرني قائلاً: عندئذ تنفّست الصعداء وتبين لي أن حل المشكلة متيسّر جداً. لذلك عدت من القصر الى الصرح وتوجهت الى غبطته وقلت له: أذنت لنفسي يا صاحب الغبطة أن أقوم بوساطة بين غبطتكم والرئيس العماد ميشال عون، فاكتشفت ان لا سبب جوهرياً للخلاف. وعون طلب مني أمراً واحداً وهو أن تفرقوا غبطتكم بين الجيش والقوات خلال كلامكم عن الأحداث الأمنية بين الطرفين، فلا يستمر قولكم «المسلحون من الطرفين».
وختم المطران قائلاً: كانت الساعة نحو الثالثة من بعد ظهر ذلك اليوم، وعلى غير عادته استدعى غبطته الإعلاميين المعتمدين في الصرح البطريركي الى مقابلة صحافية »طارئة»… ولما إكتمل جمعهم بدأ حديثه معهم بقوله: «إن المسلحين من الطرفين….» (؟!)