تباشير التسويات تلوح في المنطقة
بين الحريري وقهوجي.. “قواسم مشتركة”
تقر اوساط نخبوية في “تيار المستقبل” انها قد تكون بالغت في كيفية التعاطي مع موضوع اللجوء السوري الى لبنان. لا يزال الإقرار في الحلقات الضيقة، لكنه يزداد اتساعا. في المقابل يُسمع هذا الكلام ايضا في الاوساط الشعبية السنية، خصوصا التي على تماس مباشر في يومياتها مع نتائج ذلك النزوح، لا سيما في المناطق الاكثر فقرا وتهميشا وحرمانا.
لكن اذا كانت تلك المناطق تحديدا، بسبب فقرها وما يستتبعه من تراجع في مستويات التعليم والانماء، هي الاكثر قابلية للتعصب المذهبي او للتعاطف الديني الغرائزي، فأي مبرر لتصريحات ولأنماط من السلوك ولتوجهات بعض من يُفترض انهم “اهل اعتدال” في الاوساط السنية؟
قيل الكثير، وسيقال اكثر، عمّا قبل معركة عرسال، وما جرى في خلالها وما تلاها. إلّا انه في كل القراءات لا يمكن الا التوقف عند نقطتين اساسيتين محوريتين: طريقة مواجهة الجيش لهذا الامتحان العسير، وعودة سعد الحريري الاختيارية، ولو جاءت بحكم القسرية. وبين النقطتين قواسم مشتركة ومصالح مشتركة.. وكيمياء.
يُنقل عن كل من التقى قائد الجيش العماد جان قهوجي في الايام الماضية تأكيده على بطولات الجيش والدور المفصلي الذي قام به في الحفاظ على كل لبنان عبر بوابة عرسال. يجزم انه “لولا صمود الجيش في آخر موقعين في عرسال صمودا بطوليا في انتظار المدد الذي وصل بسرعة نسبية، لما كان احد اليوم قادرا على التنظير ونسج السيناريوهات التي تحاك وتُروى. صمود الجيش وبسالة جنوده وحكمته في المعركة جنبت البلد فتنة لم يكن بالامكان لملمتها”.
صدمة عرسال وصمودها في وجه الارهاب حملتا الحريري على جناح حماية الاعتدال الى لبنان. وفي وقت كانت بعص اصوات نواب “المستقبل” تنتقد علنا او بصوت خافت أداء الجيش وسلوكه، وفي حين كان حتى رئيس الحكومة تمام سلام يحرص على تمسك الجيش بوقف اطلاق النار وضبط النفس، ولو تعرضت مراكزه وجنوده للنيران، كان سعد الحريري على تواصل دائم مع قيادة الجيش، مبديا كل دعم ومؤازرة، مؤكدا على ثقته بالمؤسسة العسكرية. وينقل مقربون من الحريري وقهوجي ان “الكيمياء تسري بين الرجلين. هما يتحدثان من دون قفازات، ويلتقيان على العديد من الامور، على عكس الحال مع كثر آخرين في تيار المستقبل”.
هذا التلاقي بين الرجلين وما يمثلان، سهّل لملمة مأساة عرسال بأقل أضرار ممكنة، وهي للمناسبة ليست قليلة ابدا.
لكن هل طويت الأخطار؟ هل تنتهي فصول مأساة عرسال إذا ما تم الإفراج عن الجنود الاسرى المخطوفين؟.
قيادة الجيش تقر ان “الاخطار موجودة. وان في لبنان خلايا ارهابية نائمة. لكن الجيش ساهر ويرصدها وهو مستعد دائما للقيام بواجبه في الحفاظ على استقرار لبنان وامنه واهله. والمطلوب تضافر كل الجهود، فلا ينفع الحزم والحسم من دون ان يقوم كل فريق بواجباته، سواء الامنية ام السياسية ام الانمائية، اضافة الى عدم الشحن والتحريض”.
يتوافق هذا الكلام مع ما يُنقل عن مجالس الحريري الضيقة ورغبته بـ”إعلاء صوت الاعتدال فعلا وممارسة”. ويقول احد المقربين ان “السبب الابرز لعودة الحريري يندرج في اطار تسوية شاملة بدأت تباشيرها تطل من افغانستان مع توافق المرشحين للرئاسة عبدالله عبدالله واشرف علي في محاولة تجنيب البلاد حربا اهلية، كما تظهر في إبعاد المالكي في العراق، وعلى الارجح ستنسحب على اتفاق يطال غزة يجري التحضير له، ولبنان يدخل تحت مظلة هذه التسويات التي يبقى سقفها التفاوض المقبل في جنيف حول الملف النووي الايراني”. لكنه يشدد على ان “السبب الابرز والاشد اولوية يبقى تحصين الساحة السنية المعتدلة ومداواة جراحها. وقد بدأت ترجمات هذا الهدف تظهر من بوابة دار الفتوى. وستتواصل على مستويات عديدة. فكل خسارة قابلة للتعديل ولتحويلها ربحا، الا خسارة القيم التي قام عليها لبنان وترسخت على اساسها صيغته الفريدة. هذه لا تُعوض وحجر الزاوية فيها الاعتدال السني.. وهو ما يحمل الحريري لواءه”.