IMLebanon

بين السلسلة والامتحانات: الكباش الأخير

حتى الربع الساعة الأخير، بقيت سيناريوات الجلسة التشريعية المقررة اليوم لاستكمال إقرار سلسلة الرواتب ضبابية، بغياب التوافق السياسي. وفيما بدا وزير التربية واثقاً من إجراء الامتحانات الرسمية في مواعيدها، تمسكت هيئة التنسيق بمقاطعة أعمالها، مؤكدة استحالة خرق قرارها

فاتن الحاج

لم يفهم من حركة اللقاءات والاتصالات السياسية المتسارعة، أمس، ما إذا كانت الجلسة التشريعية الخاصة بسلسلة الرتب والرواتب ستلتئم اليوم أو لا، ولم يعرف ما إذا كان المفاوضون سيتمكنون من صياغة اتفاق تسووي نهائي، باعتبار أن التفاوض بقي مستمراً في ساعات الليل وحتى الصباح بعيداً عن هيئة التنسيق النقابية. أفكار كثيرة طرحها الأفرقاء السياسيون قد تكون مدخلاً للتسوية وقد لا تكون، ومنها طرح تقدمت به النائبة بهية الحريري، هو إعطاء الأساتذة والمعلمين 6 درجات وتقسيطها مع السلسلة على 3 سنوات.

ومع ذلك، بقيت العقدة الأساسية تكمن في إجراء الامتحانات الرسمية أو عدم إجرائها، الخميس المقبل، وإن بدا وزير التربية الياس بو صعب مصراً على توقيت انطلاقة الاستحقاق، سواء أقرت السلسلة أو لم تقر، وهو ما قرأته هيئة التنسيق بأنّه كلام يشجع مجلس النواب على عدم إعطاء الحقوق، «بما أن الوزير قادر على إنجاز الامتحانات والشهادة مضمونة». هذا هو جوهر موقف الوزير، يقول لـ«الأخبار» رئيس رابطة أساتذة التعليم الثانوي حنا غريب. وردّ رئيس نقابة المعلمين في المدارس الخاصة نعمه محفوض، في مؤتمر صحافي عقده بعد ظهر أمس، على كلام الوزير بأنّ «الامتحانات لا تحصل إلا بموافقة هيئة التنسيق»، مستغرباً التغير الحاصل في موقف بو صعب «من اللهاث وراء الكتل السياسية لإقرار حقوق المعلمين إلى طمأنتها بأن الامتحانات ستجري لا محالة وكيفما كان».

في هذه الأثناء، برزت ثلاثة مؤشرات يجدر التوقف عندها:

ـ المؤشر الأول: بدت قواعد هيئة التنسيق النقابية من المعلمين والموظفين أقل تماسكاً من ذي قبل نتيجة الضغوط التي مارستها عليهم دوائر وزارة التربية من مديرية الإرشاد والتوجيه والمديرية العامة للتربية ومديرية التعليم الثانوي من جهة والأحزاب السياسية من جهة ثانية. وفي هذا المجال، أبدى ناشطون وناشطات في تحركات الهيئة استياءهم/هن من طريقة تفاعل قيادة هيئة التنسيق مع هذه الضغوط، إذ بقيت التحركات الميدانية قاصرة عن مواجهتها. وطرح سؤال بالمناسبة عن السبب الذي جعل الهيئة تنسحب من ساحة رياض الصلح المقابلة للمجلس النيابي إلى وزارة التربية في يوم الجلسة التشريعية، وما إذا كانت قد فوّضت إلى بعض القوى السياسية التفاوض عنها.

ـ المؤشر الثاني: الاستخدام السافر للمواقع الإدارية في وجه هيئة التنسيق، ومنها دعوة المفتشة العامة التربوية فاتن جمعة (التفتيش التربوي يتبع لرئاسة مجلس الوزراء) الهيئة الإدارية والتعليمية في المدارس والثانويات الرسمية إلى «القيام بواجبهم الوطني والوظيفي المتعلق بالامتحانات الرسمية تحت طائلة الملاحقة القانونية».

تدخل سافرللتفتيش التربوي في وجه هيئة التنسيق

هذه الدعوة المتضمنة تهويلاً وترهيباً استدعت رداً سريعاً من هيئة التنسيق، فاستنكرت ما ورد على لسان جمعة «في وقت كان فيه المفتشون التربويون في طليعة المطالبين بحقوقهم، ونفذوا أكثر من اعتصام أمام مقر هيئة التفتيش المركزي». وأكدت الهيئة تمسكها بالحريات النقابية «التي خاضت أكثر من معركة لحمايتها، وأنّ هذه الدعوة لن تؤثر في قرار وموقف الأساتذة والمعلمين والموظفين وستزيدهم صلابة وتمسكاً بحقوقهم»، مشيرة إلى أنّ «هذه اللغة باتت من الماضي ودفنت منذ مطلع سبعينيات القرن الماضي».

ـ المؤشر الثالث: الدور الذي يقوم به التيار الوطني الحر لجهة انقلابه من موقع التأييد لسلسلة الرواتب إلى موقع الضغط على قواعده لخرق قرار هيئة التنسيق، أو هذا ما برز في بعض المناطق، ولا سيما في الشمال. إلّا أن ميشال الدويهي، مقرر فرع جبل لبنان في رابطة أساتذة التعليم الثانوي الرسمي ومدير ثانوية غوسطا الرسمية في كسروان أكد لـ«الأخبار» بصفته منتمياً إلى التيار، أنّه ملتزم القرار النقابي من دون أن ينفي تلقيه اتصالاً من وزارة التربية تدعوه إلى المشاركة في الامتحانات. وقال إن «من حق الوزير أن يجري الامتحانات، ومن حقي أن أقاطعها لأنني ببساطة لا أستطيع أن أكون مع الهيئات الاقتصادية والبنك الدولي في خندق واحد، وهذا رأي معظم زملائنا ومحازبينا، ومن يردنا أن نكون شماعة فليخيط بغير مسلة».

البارز في نهار أمس كان إقفال أبواب دائرة الامتحانات الرسمية في وجه كل المعاملات (ما عدا تسيير الأمور اللوجستية المتعلقة بالامتحانات)، التزاماً بالإضراب العام الذي دعت إليه هيئة التنسيق أمس واليوم في الإدارات العامة والوزارات. وكان لافتاً أن يحضر رئيس رابطة موظفي الإدارة العامة محمود حيدر ومندوبة الوزارة في الرابطة رئيسة الدائرة الإدارية المشتركة سلام يونس وبعض أعضاء الرابطة لدعوة رئيسة دائرة الامتحانات جمال بغدادي وفريق الدائرة إلى المشاركة في الاعتصام الذي نفذته الهيئة، أمس، أمام وزارة التربية وهكذا صار.

وفي الاعتصام، أكد غريب أنّ وحدة هيئة التنسيق «كالصخرة لا تتفتت». وقال: «كلنا سوياً مع المقاطعة حتى إقرار كامل الحقوق نسبة واحدة للزيادة لكل القطاعات الوظيفية ومع الوظيفة العامة ضد التعاقد الوظيفي». وردّد المعتصمون: «مقاطعين، مقاطعين».

وأعلن غريب أن يوم غد (اليوم) هو يوم التضامن التربوي والإداري والنقابي، يوم للأهل والتلامذة لإقرار السلسلة والحفاظ على الشهادة الرسمية. وتوجه إلى وزير التربية، داعياً اياه إلى «الوقوف معنا والضغط على من يعرقل حقوقنا لا علينا».

وفي وقت لاحق من يوم أمس، عقد اجتماع مشترك بين رؤساء مراكز الامتحانات الرسمية والمراقبين، وبعد التداول بشأن ما آلت إليه السلسلة، أكد المجتمعون أنّ «الامتحانات الرسمية هي من اختصاص المعلمين والأساتذة في التعليم الرسمي وحدهم، ولا تصح إلا بمشاركتهم من ألفها إلى يائها. وكل عمل آخر يصيب الامتحانات الرسمية وقضية التربية والتعليم في لبنان إصابة قاتلة، لا نعتقد أنّ مسؤولاً يتحمل مسؤولية ذلك».

من جهتهم، رفع مقررو اللجان الفاحصة المكلفة وضع أسئلة الامتحانات الرسمية للشهادتين المتوسطة والثانوية الغطاء التربوي والأكاديمي عن الإجراءات الإدارية التي تقوم بها وزارة التربية حالياً في ما يتعلق بالامتحانات، وخصوصاً لجهة تهريب الأسئلة وإمرارها خارج إشراف اللجان الفاحصة المختصة لكل مادة من المواد. ورأت اللجان الفاحصة أن «لا شرعية أو صدقية لأي مسابقة لا تشرف عليها اللجان الفاحصة، واعتبار أي تدبير خارج إطارها تهديداً وتلاعباً بمصير الشهادة الرسمية وصدقيتها لبنانياً ودولياً».

وعقدت نقابة المعلمين في المدارس الخاصة مؤتمراً صحافياً ردّ فيه محفوض على ما قيل بأن بعض معلمي الخاص سيشاركون في «الخطة غير المسبوقة»، وما تردد عن أن بعض المؤسسات الخاصة عرضت المساعدة لذلك. وقال إن الامتحانات ليست عملاً تقنياً بحتاً، بل هي عمل تربوي بامتياز، له مقوماته لجهة إشراف اللجان الفاحصة على الأسئلة والمراقبة والتصحيح.