لماذا الدهشة من وجود احتراب بين السنة والشيعة في بلاد الشام والعراق، وتوتر أمني بسببها في بعض دول الخليج؟ لماذا الدهشة وكأننا للتو نعرف هذا النوع من المواجهات، وكنا من قبل في عيش رغيد وحال سعيد؟!
ثنائية الحرب السنية الشيعية تعتبر مدخلا من أهم المداخل لقراءة التاريخ السياسي والاجتماعي، بل حتى الأدبي، والعسكري طبعا، لمنطقة تمتد من بلاد الهند والأفغان شرقا، وتنتهي عند شواطئ المتوسط غربا، ومن ضفاف البوسفور شمالا إلى مضيق هرمز جنوبا.
من القرن الثالث الهجري إلى يومنا ونحن نمشي في صفحات كتاب الحروب السنية الشيعية. في هذا الحيز الزماني والمكاني، نجد حروب القرامطة من بلاد البحرين، وتعني في العرف الجغرافي القديم غرب ساحل الخليج العربي من جنوب الكويت إلى صحراء الربع الخالي، ونجد حروب الحشاشين الفرس، ونجد حروب الأمويين والحجاج بن يوسف والعباسيين، خصوصا المنصور والمتوكل والمعتضد. نجد حروب السلاجقة الأتراك السنة، والبويهيين الفرس الشيعة.
ذروة هذه الحروب البشعة كانت بين الصفويين والعثمانيين، وهي سلسلة حروب هائلة وقعت بين القرنين السادس عشر والتاسع عشر. بدايتها الصاعقة كانت في معركة «جالديران» الشهيرة في أغسطس (آب) 1514 بين قوات الدولة العثمانية بقيادة السلطان سليم الأول ضد قوات الدولة الصفوية بقيادة إسماعيل الأول. انتصر فيها العثمانيون نصرا أثر على الطموح الصفوي قرنا من الزمان.
كان العراق، بمقدساته الشيعية، وتراثه السني المديد، مسرح صراع بين شاهات العجم وسلاطين الترك، بحجة الانتصار للسنة أو الشيعة.
هذه الحروب أدت في النهاية إلى إنهاك الدولة العثمانية وانهيار الدولة الصفوية، بعد حملة صاعقة قام بها الملك السني الأفغاني محمود شاه، ليولد لإيران ملك، تجلّه إيران وترمّزه حتى اليوم، وهو نادر شاه، الذي قضى على الدولة الصفوية الضعيفة، وتولى بث الحماسة في العروق الإيرانية، وقدم نفسه حامي حمى الأمة والطائفة، وحقق انتصارات ساحقة، وكان يتمتع بموهبة عسكرية فذة، ولكنه في نهاية الأمر، ورغم كل هذه الإنجازات، وصل إلى خلاصة مثيرة، هي أنه لكي يحكم المسلمين بصفة مقبولة، وهو صاحب الطموح الرفيع، لا بد له من الخروج من أسر الانتماء الطائفي، ولا بد من كسر العزلة المذهبية عن الشيعة، من خلال «تهذيب» المذهب الشيعي، وإلقاء اللائمة على غلو الصفويين، ومن خلال ملاطفة السنة وتسمية المذهب الشيعي بالجعفري وإدراجه ضمن المذاهب السنية.
نادر شاه (اغتيل 1747م) دعا لتحقيق هذا الغرض لمؤتمر النجف (1743م) الذي حضره جمع غفير من علماء الشيعة والسنة، ومنهم الشيخ عبد الله السويدي، وفي مدينة النجف جرت مناظرات عقيمة ترأسها الشاه نفسه. وكتب الشيخ السويدي لاحقا كتابا عن هذا المؤتمر.
ها نحن، حيث كنا من تلك العصور، ثار الخميني 1979 وصدر ثورته باسم الحسين، وله دولة وحرس وأتباع بلبنان والعراق، ها نحن مع مأساة سوريا، وبشاعات «داعش»، وخطابات التكفير المتبادلة بين السنة والشيعة.
لا جديد..