IMLebanon

بين “الصفقة” والفراغ!

لقد حصل ما كان متوقَّعاً ومقدَّراً. ليس انفراط الجلسة الأخيرة في المهلة الدستورية مفاجأة أو مفاجعة لم تكن لتخطر على بال أحد. فكثيرون هم الذين كانوا يتوقَّعون الانزلاق إلى الفراغ الرئاسي.

إلا أن ذلك لا ينأى بكبار القوم وكبار المسؤولين والناس العاديين عن ضرب الأخماس بالأسداس والتخوُّف من الأعظم، خصوصاً ان العالم العربي لا يزال يتخبَّط في ذيول إعصار “الربيع” الذي قَلَب دنيا العرب رأساً على عقب.
كما من البديهي جداً أن يتبدّى الوضع اللبناني “الجديد” للوهلة الأولى كأنه من صنع قوى لبنانيَّة ذات تأثير سياسي وغير سياسي، ولأسباب “خارجية” تتصل بما بات يحمل صفة “الصفقة” بين الولايات المتحدة الأميركيَّة و”الإمبراطوريّة” الإيرانيَّة التي وسَّعت نفوذها في المنطقة ورسَّخت وجودها العسكري وحضورها السياسي، سواء في دول كبرى كالعراق وسوريا، أم صغرى كلبنان والبحرين وسواهما.
من هذه الزاوية يتراءى لبعض اللبنانييّن أن دور “حزب الله” والجنرال ميشال عون في تعطيل الجلسات الانتخابيَّة يحجب دوافع شتَّى، تتعدّى الرغبة القديمة الدائمة المستجدَّة لرئيس “تكتّل التغيير والإصلاح” في الوصول إلى قصر بعبدا والجلوس على كرسي الرئاسة.
ومن هنا أيضاً كان الإصرار على الأوراق البيض، أو التغيّب، أو الانسحاب السريع إذا ما دعت الحاجة. إنما ليس من أمس الذي عَبَر. ولا منذ جلسة الأوراق البيض الأولى. ولا بعد انفراط الجلسة الأخيرة. بل من زمان، ومنذ أشهر، وقبل أن يدخل لبنان المهلة الدستوريَّة ويخرج منها وهو يلوّح بيديه الفارغتين.
وما ذلك إلا بتأثر المحلِّلين والمسؤولين بما كان ولا يزال يتردَّد عن “الصفقة” إيّاها، وعن الاتصالات المكثَّفة على أكثر من صعيد لتحقيق “المصالحة” التاريخيَّة بين طهران والرياض… وتالياً دول الخليج. وما إلى ذلك من انعكاسات إيجابيَّة على لبنان والمنطقة بأسرها.
تُرى، هل هذه هي “العلاجات” المطلوبة لتتم أعجوبة العالم العربي الجديد وتكتمل المفاجأة التي لا تختلف حتى الآن عن أحلام ليالي الصيف؟
الانتظار سيِّد الأحكام. ومن الزاوية اللبنانيَّة أولاً بأوَّل، لا بدَّ من تسجيل قول الرئيس نبيه بري أمس “إن تحصين لبنان سياسيّاً يبدأ بإنجاز الاستحقاق الرئاسي، ويستدعي رفع مستوى المسؤوليَّة الوطنيَّة لإنجاز الانتخاب”.
في الوقت ذاته يرى مسؤولون ومخَضرمون أن التعطيل الانتخابي مقصود. والفراغ الرئاسي كذلك. ولا نجاح لأية محاولات جديدة على الأسس القديمة ما لم تتبلور الملامح الأساسيَّة لما يُسمّى “الصفقة”. وهذا أمر ليس في اليد حيلة إزاءه، كما ليس في مقدور أية فئة التفرُّد أو التمرُّد… ما لم يُعزَف “نشيد” الاتفاق أو الصفقة.
المهم، والمهم جداً، إبقاء الحكومة الوفاقيَّة بمنأى عن الكباشات الداخلية كما الخارجيّة.