ليست هيّنة قصّة نوري المالكي العراقية لا في بداياتها ولا في خلاصاتها. بل هي في حبكتها المثلى تكاد تكون تكراراً هزلياً مريراً وكئيباً، لتلك التي كان صدام حسين عنوانها الوحيد، والتي أوصلت العراق إلى حدود الاندثار التام.
ميني ديكتاتور السيد المالكي. ولو أمكنه لوَضَعَ سيرة صدام كلها في الزاوية وأخذ باقي مساحة العبث والفتك من دون ترك فراغ في متر واحد.. ولجعل العراقيين يتندّرون على الأيام الصدّامية التي مضت إلى غير رجعة.
صنو بشار الأسد، في معادلة جدلية تبدو مؤبدة: «البعث» في دمشق ما كان ليمتد ويحكم ويتحكّم من دون «البعث» في بغداد. والطاغية في الأولى ما كان ليستمر لولا رديفه و«ضدّه» في الثانية! بل انّ حبل السرّة الواصل بين العاصمتين ما انقطع منذ البدايات الأولى للإسلام نفسه. وكان من طبائع الأمور أن تُلغي الأولى الأموية دور الثانية الأقرب إلى الآخرين، ثم أن تعود الثانية العبّاسية لتلعب الدور ذاته بالمقلوب. ثم أن يتساويا في الضنى كما في العزّ! حتى وإن بدا راهناً، أنّ الفاصل الزمني قارب العقد وأكثر، بين الانهيار الصدّامي في بغداد والانهيار الأسدي في دمشق! قبل أن يتبيّن أنّ البدائل العراقية اختلفت في هويتها لكنها نهلت وتنهل من المعين الاستبدادي ذاته: المالكي بعثي في أدائه مثلما أنّ الأسد دعوي و«داعشي» في بعثيته!
بهذا المعنى المركّب، كان المالكي يشكو من إرهاب الأسد أيام الوجود الأميركي.. لكنه بالأمس دخل معه عبر «داعش» في اللعبة ذاتها ولغاية واحدة: تصنيع وفبركة وتفعيل وتقوية ذلك الأداء التكفيري الإرهابي وتقديمه للعالم على أنّه البديل الوحيد المتوفّر عن السلطتين الغاشمتين في البلدين!
كاد الفيلم أن يركب لولا أنّ حدود العبث تخطّت سرديات «البعث» وآدابه وطرقه ودمويته! ولولا أنّ ذلك الوحش الذي أنشأته فبركة الأسد المالكي قرّر أن يوسّع خياراته ويستقلّ في بعضها، وأن يعتمد بدوره على ناصية الخبث التي يقف عليها صنّاعه المتذاكون ثم المتفرجون الدوليون. قبل أن يحرجهم فيخرجهم!
حدود الإحراج الغربي (الأميركي أساساً) ما عادت لتُحتمل. لكن شروط التفلّت منها وضعت صنّاعها على لائحة الشطب: الانقضاض على «داعش» يتطلّب الانقضاض على سلطة المالكي واستبدالها بواحدة أقل شططاً وعنفاً وفساداً وعبثاً وتطرّفاً ومذهبية!
تبعاً لتلك العلاقة الجدلية بين العاصمتين، فإنّ مصير بشّار لا يمكن أن يختلف في دمشق عن مصير صنوه في بغداد، وإن طال الزمن.. ولن يطول!