بين انتعاش حلفاء النظام والجنرالات الإيرانيَين من سيتحمّل مسؤولية الفراغ الرئاسي في لبنان؟
من سيتحمل مسؤولية الوصول الى الفراغ في سدة الرئاسة الاولى؟ في حال التسليم بان اللعبة هي داخلية او انها تترجم تأثير الخارج، هل سيكون رئيس التيار العوني باعتباره طرفا مسيحيا اساسيا يفترض ان يساهم في انتخاب رئيس جديد للجمهورية بدلا من تعطيله الجلسات منعا لحصول الانتخاب ما لم يكن هو الرئيس العتيد؟ ام سيكون “حزب الله” باعتباره رافضا لوصول رئيس يريد منه ان يحمي “المقاومة” كما يقول في الوقت الذي يعتقد انه يستخدم سلاح التعطيل وصولا الى الفراغ سبيلا الى تمرير جملة استحقاقات اقليمية في مقدمها اعادة تأمين بقاء بشار الاسد في موقعه واعادة اثبات صلاحيته من خلال مساهمته في وصول رئيس يناسبه ويؤكد من خلاله “انتصاره” على خصومه وصولا الى لبنان، ام هما الطرفان معا؟
مع انتهاء الجلسة الثالثة المقررة لانتخاب الرئيس العتيد للجمهورية ولو انها لم تكن مفاجئة على الاطلاق، ارتسم الفراغ بمثابة العنوان الوحيد المحتمل الذي يواجه انتخابات الرئاسة الاولى في ظل خيارات صعبة ومستحيلة تفرض على اللبنانيين. اذ على رغم الدينامية التي يتحرك من خلالها بعض الافرقاء وبعض السفراء والاتصالات غير المعلنة، فان لا شيء عمليا فعلا، ولا يبدو واضحا في الافق ما هو المسار المغاير الذي ستسلكه الجلسات المقبلة قبل انتهاء المهلة الدستورية في 25 ايار. وهذا الفراغ المحتمل يلقي بثقله على المرحلة المقبلة من خلال اثارته جملة مخاوف خصوصا لجهة احتمال محاولة افرقاء لَي اذرع الآخرين او الضغط عليهم. والعودة الى تجربة التمديد للرئيس اميل لحود او منعا لانتخاب رئيس جديد بعده تثير المخاوف من العودة الى استخدام الاساليب القسرية نفسها والتي وصلت الى الاغتيالات واكثر من اجل فرض خيارات معينة. والفراغ نفسه قد يكون بالغ الاثر على لبنان اقتصاديا وانمائيا وسياحيا ويخشى ان يطيح بعض الآمال والتوقعات التي احياها تأليف حكومة الرئيس تمام سلام. وهذه المخاوف تجد بعدا جديا لها خصوصا انها تترافق مع جملة مؤشرات ذات مغزى في هذه المرحلة:
إذ حذّر السفير الاميركي ديفيد هيل في مقال كتبه في صحيفة ” النهار” في عددها الصادر في 6 ايار الجاري في اطار مقارنة اجراها بين الوضع في اوكرانيا والوضع في لبنان من ” ان الوجود الروسي التاريخي في اوكرانيا لا يعطيها الحق في ان تملي على اوكرانيا مستقبلها. ولا ينبغي كذلك لاي بلد ان يحاول ان يملي على لبنان مستقبله”
لكن من دون ان يسمي هذا البلد ولو ان المقارنة واضحة وجلية. فيكشف هيل بذلك صراعا او محاولات وضغوطا لا تبدو كلها واضحة للعيان ، ولعلها تترجم عبر الممارسات الداخلية، تعرقل المسعى الى اجراء انتخابات رئاسية وحجم الضغوط الموازية لمنع لبنان من تقرير مستقبله بنفسه. ولم يكن اوضح من دعوته حاضا لبنان على اغتنام فرصة تغلبه على الاحتلال الاجنبي وان ينتخب رئيسا من ضمن المهلة الدستورية من دون السماح لاي دولة اخرى ان تملي عليه النتائج “معلنا ان بلاده تدعم هذه العملية”.
من جهة اخرى لفت، مراقبين سياسيين، انتعاش حلفاء النظام السوري في لبنان على نحو لافت بعد فترة احباط وانكفاء يعتقد انه يترافق مع تأكيد بقاء الرئيس السوري في السلطة واطمئنانهم الى ذلك بعد فترة قلق ساورتهم في ظل تراجع الاسد ومشارفته الانهيار في فترة من الوقت قبل حصوله على المساعدة الايرانية الميدانية المباشرة وغير المباشرة.
من جهة اخرى ثمة فورة لافتة من المواقف تصدر عن الجنرالات الايرانيين من قادة الحرس الثوري سابقا والمتزايدة في الايام الاخيرة والتي يحاول هؤلاء ان يستعيدوا من خلالها ما يعتبرونه مجد الامبراطورية الفارسية ان من خلال اعلان الفريق يحيي صفوي “ان حدود بلاده الحقيقية تنتهي عبر شواطئ البحر المتوسط عبر الجنوب اللبناني” او اعلان الجنرال حسين همداني ان بشار الاسد يقاتل بالنيابة عنا” وان “الايرانيين استطاعوا تكوين “حزب الله” الثاني في سوريا”. ففي التوقيت يفترض بمواقف الجنرالات الايرانيين التي تصب في خانة واحدة ما دام الوصول الى شاطئ المتوسط يعني تجاوز ايران سوريا الى لبنان ان يقلقوا من نتائج تصريحاتهم التي تفيد وتعني ان الاسد يواجه شعبه دفاعا عن مصالح ايران ولمد امبراطوريتها وتنسف كل المنطق الذي استخدمه من اجل استخدام كل الاسلحة ضد الثورة التي انطلقت ضده، هذا لو كانوا يعتقدون فعلا ان هناك انتخابات رئاسية حقيقية في سوريا. هل تخدم المواقف الايرانية “حزب الله” الذي يقول برئيس يحمي “مقاومته” ويتبنى معادلة “الجيش والشعب والمقاومة” في الوقت الذي يعلن الجنرالات الايرانيون انها “مقاومتهم” المعززة للنفوذ الايراني وانها امتدادهم المنتهك لسيادة لبنان؟ او هل تخدم مرشحي الحزب الى الرئاسة الاولى لدى المسيحيين ام تحرجهم؟ اذ ان الاسباب ليست واضحة من فورة التصريحات الايرانية من القادة السابقين للحرس الثوري ومن توقيتها وما اذا كانت في اطار الصراع الداخلي الايراني علما ان الوقائع واضحة ويعرفها الجميع وتنازع ايران العرب على هذا الاساس في المنطقة، لكنها تصريحات بدت مستفزة في مقاصدها، ويقول البعض انها تستدرج اثمانا على حساب الاوراق التي تلعب بها ايران.