IMLebanon

بين مواجهة «داعش» ومعاقبة لبنان

 

لماذا هذا الإصرار على ادخال لبنان في دوّامة الإرهاب المتبادل والعنف والعنف المضاد والصراعات المذهبية التي هو في غنى عنها؟.

يطرح هذا السؤال نفسه بمزيد من الالحاح بعد سقوط شهيدين من الجيش اللبناني ذبحهما التنظيم الإرهابي المسمّى «داعش». ربّما، يبدو مطلوبا معاقبة لبنان على رفض ابنائه بأكثريتهم الساحقة المشاركة في ذبح الشعب السوري من منطلق مذهبي بحت.

كان لبنان في وضع يسمح له في البقاء بعيدا عن جرائم «داعش» التي ليست سوى تعبير عن أمرين: الأوّل خروج الغرائز المذهبية من القمقم، والثاني التورط في الحرب التي يخوضها النظام السوري الأقلّوي مع شعبه. اختار «حزب الله» بناء على طلب إيراني الدخول في هذه الحرب من زاوية مذهبية ضيّقة لا أكثر. كانت النتيجة ارتداد هذه الحرب على لبنان واللبنانيين وعلى المؤسسات الأمنية اللبنانية.

جاء «حزب الله» بـ»داعش» إلى لبنان بعدما أدّعى أنّه ذهب إلى الداخل السوري لمقاتلتها في عقر دارها. 

كانت حجّته في البداية الدفاع عن قرى شيعية لبنانية داخل الأراضي السورية. تطور تورّط الحزب في الحرب السورية الدائرة بين نظام وشعبه وصار الآن مصير النظام السوري يعتمد عليه قبل أيّ شيء آخر.

ما وصل إليه «داعش» يدفع إلى التساؤل بكلّ بساطة كيف مواجهة هذا التنظيم الإرهابي المتخلّف الذي لا يؤمن سوى بالغاء الآخر؟. هل بمزيد من التورط في الحرب على الشعب السوري؟. هل يكون ذلك بالإنتقام من المواطنين السوريين الأبرياء الذين لجأوا إلى لبنان هربا من نظام لا يمتلك لغة مخاطبة غير الأسلحة الكيميائية والبراميل المتفجّرة؟. 

الأكيد أن مواجهة «داعش» في لبنان لا تكون بإثارة الغرائز المذهبية ولا بالإساءة إلى الموطنين السوريين. كلّ ما فعله «حزب الله» حتى اللحظة يصبّ في هذا الإتجاه. من يضع مساندة النظام القائم في سوريا فوق أي اعتبار آخر، بما في ذلك الحدود المعترف بها بين بلدين مستقلّ كلّ منهما عن الآخر، إنّما يدخل لبنان، عن سابق تصوّر، في لعبة في غاية الخطورة. كيف يمكن لحزب لبناني معروف بأنّه مجرّد ميليشيا مذهبية تابعة لـ«الحرس الثوري» الإيراني دعم نظام مثل النظام السوري من دون اجراء حساب دقيق للنتائج التي يمكن أن تترتّب على ذلك، أقلّه من الزاوية المذهبية؟

الأكيد أيضا أنّ ليس في الإمكان مواجهة «داعش»، خصوصا بعدما مدّ يده إلى لبنان، عن طريق التصرّف بطريقة توحي بأن عرسال قاعدة للإرهاب والإرهابيين. إن عرسال بلدة لبنانية لا يمكن المزايدة على أهلها في وطنيتهم ولا في دعمهم لمؤسسات الدولة اللبنانية، بما في ذلك الجيش الوطني وقوى الأمن الداخلي.

الأكيد أيضا وأيضا، أن ليس في الإمكان مواجهة «داعش» بالسلاح غير الشرعي وبإقامة دولة داخل الدولة اللبنانية ولا بقطع الطرقات من أجل استعادة الجنود الذين تحتجزهم «داعش».

مَن يريد مواجهة «داعش» فعلا لا يتجاهل أنّه مخلوق صنعته الأجهزة السورية على مرحلتين. في مرحلة أولى كان مطلوبا الإستفادة من نواة هذا التنظيم الموجود في العراق من أجل ابتزاز الولايات المتحدة عندما غزت هذا البلد واحتلته في ربيع العام . صار النظام السوري يشجّع «داعش» ويرفده بالعناصر الإرهابية من أجل تنفيذ عمليات في العراق. كان النظام السوري يريد من الأميركيين الإعتراف به كلاعب في العراق وفي كلّ الإقليم.

في مرحلة لاحقة، أي بعد اندلاع الثورة السورية في الحادي عشر من آذار ، صار مطلوبا استخدام «داعش» في المواجهة مع الشعب السوري. بكلام أوضح، صار مطلوبا الإستفادة من «داعش» إلى أبعد حدود كي يسهل القول أن النظام السوري يخوض حربا على «الإرهاب».

ما شهدناه كان لعبة من الألاعيب التي يتقنها النظام السوري الذي سبق له وارسل، في تاريخ لم يمرّ عليه الزمن، «فتح الإسلام» إلى مخيّم البداوي القريب من طرابلس كي يقول إن شمال لبنان صار قاعدة لـ«القاعدة». من يتذكّر كيف تبرّع السيد حسن نصرالله الأمين العام لـ«حزب الله» في الإعلان، وقتذاك، عن أن مخيّم البداوي «خط أحمر»؟. هل مَن لديه ذاكرة كي يتذكّر شاكر العبسي الذي خرج من السجن السوري ليقود عصابة «فتح الإسلام» التي كلّفت الجيش اللبناني عشرات الشهداء؟.

لا يمكن مواجهة «داعش» سوى بالوقوف خلف الحكومة اللبنانية وازالة كلّ العراقيل التي تقف في وجه اطلاق العسكريين اللبنانيين الرهائن بدل عمل كلّ شيء من أجل جعل الأمور تزداد تعقيدا.

لا مفرّ من الإعتراف بأنّ الوضع في البلد حساس إلى أبعد حدود وأن ليس في الإمكان تجاهل الواقع المتمثّل في أن الحكومة، التي على رأسها رجل مسؤول اسمه تمّام صائب سلام، لا يمكن أن تفرّط بأيّ لبناني ولا بهيبة الدولة. لا يمكن المزايدة على تمّام سلام عندما يتعلّق الأمر بهيبة الدولة اللبنانية…أو ما بقي من هذه الهيبة التي يستبيحها «حزب الله» يوميا بالطول والعرض وفي كلّ المجالات والميادين.

نعم، إنّ هيبة الدولة مهمّة جدا. وعندما يتعلّق الأمر بجنود لبنانيين، تختزل المحافظة على حياتهم واستعادتهم هيبة الدولة. من يحبّ لبنان فعلا، يعمل على حماية جنود الجيش وضبّاطه وعلى تعزيز المؤسسة العسكرية بدل المزايدة عليها ودفعها إلى معارك لا طائل منها. من يحبّ الجيش يسلّمه سلاحه لا أكثر ولا أقلّ. من يحبّ الجيش يحبّه في كلّ الأوقات والظروف وليس في المواسم!

في النهاية، من السهل استخدام «داعش» في مرحلة معيّنة خدمة لأغراض معيّنة. ولكن من الصعب استخدام مخلوق من فصيل «داعش» في كل المراحل وفي كلّ الظروف من دون تحسّب للعواقب والإرتدادات. 

لا يشبه «داعش» سوى وحش يقتات من انفلات الغرائز المذهبية. مثل هذا الوحش يصعب التحكّم به ما دامت الغرائز المذهبية خارج السيطرة. هل في استطاعة «حزب الله» استيعاب هذه المعادلة وترك أمور الجنود المحتجزين للحكومة اللبنانية، أم أن لديه مصلحة في ما تقوم به «داعش» نظرا إلى أنّه المستثمر الأوّل من لعبة اثارة الغرائز التي هي، إلى اشعار آخر، اللعبة المفضلة لدى إيران؟…