IMLebanon

بين موقف فابيوس وطيّ صفحة الابرهيمي أمر واقع جديد يزيد إرباك الغرب؟

ليس بسيطا ان يعلن وزير الخارجية الفرنسي لوران فابيوس من واشنطن على اثر لقائه نظيره الاميركي جون كيري اسفه لعدم مضي الادارة الاميركية في توجيه ضربة عسكرية للنظام السوري على اثر تخطي هذا الاخير الخط الاحمر الذي كان رسمه الرئيس باراك اوباما لجهة استخدام السلاح الكيميائي، معتبرا ان ذلك لو حصل لكان ساهم في تغيير الكثير من الامور على رغم ان رئيس الديبلوماسية الفرنسية كان استبق زيارته لواشنطن بحديث مهّد فيه لهذا الموقف بوضوح. فهذا الموقف الفرنسي ومن واشنطن بالذات يدحض المنطق الذي يسوقه اوباما دفاعا عن تراجعه عن توجيه الضربة العسكرية لجهة انه نجح في انتزاع اتفاق يلغي وجود الاسلحة الكيميائية لدى النظام. اذ اعلن فابيوس في الوقت نفسه ان النظام السوري استخدم منذ تشرين الاول الماضي اي بعد دخول الاتفاق على نزع سلاح الكيميائي حيز التنفيذ. وفيما شارف تسليم كل المعلن من اسلحته الكيميائية 14 مرة من خلال اللجوء الى غاز الكلورين الذي يحظره الاتفاق حول نزع السلاح الكيماوي في قصفه المدن والبلدات السورية، على رغم ان فابيوس اشار الى ان هناك تحقيقات تحصل من اجل التثبت من ذلك. وهو امر لا يعبر عن الضيق الاوروبي والفرنسي تحديدا من السياسة الاميركية وانكفائها والثمن الذي ترتب على ذلك فحسب بل يطعن بقوة بالمبررات التي يبديها اوباما دفاعا عن لاسياسته في الشأن السوري الذي يرفع التحدي مجددا في وجهه في حال صح استخدام النظام غاز الكلورين مما يوفر دعما غير مباشر لخصومه ومنتقديه الكثر في واشنطن لغياب السياسة الخارجية الاميركية وتراجعها في المنطقة في وقت بدأت الاستعدادات السياسية للانتخابات النصفية للكونغرس الاميركي في الخريف المقبل في ظل الاحتمال المتعاظم ان يفقد اوباما سيطرته الكاملة على الكونغرس.

يكتسب هذا الموقف دلالاته في عز تطورات تخشى مصادر ديبلوماسية مراقبة ان تعبر اكثر فاكثرعن عجز الدول الغربية عن تقديم المزيد في الموضوع السوري مع ما لذلك من انعكاسات متعددة الاتجاهات والمستويات عليها مباشرة وعلى سياساتها الخارجية وصدقيتها نظرا الى ان سوريا هي الموضوع الاخر غير اوكرانيا الذي اصاب صدقية الغرب وتسبب بأذى كبير لها نتيجة عجزها عن التصدي بقوة لروسيا ان في اوروبا او في موضوع سوريا لجهة دفعها او حملها على التعاطي بايجابية في كلا الازمتين. اذ تزامن هذا الموقف اولا مع اعلان الامين العام للامم المتحدة بان كي مون رسميا استقالة المبعوث الاممي الى سوريا الاخضر الابرهيمي علما انها استقالة معروفة منذ بعض الوقت وكان ينتظر اعلانها فقط. والتعثر في اختيار البديل من الابرهيمي لا يتصل كليا بمن يمكن ان يرشح او يقبل هذا المنصب بل لان الابرهيمي هو الموفد الاممي الثاني الى سوريا الذي يعتذر بسبب الفشل في احراز اي تقدم نتيجة عدم تجاوب الدول المعنية ومساعدته كما عدم مساعدته من النظام السوري ومعارضيه، مما يجعل السؤال بديهيا عن السبب في تعيين او تكليف شخص اخر ما لم تتوافر له ظروف مختلفة كليا اللهم باستثناء ان يظهر المجتمع الدولي انه مهتم ويخفف شعوره بالذنب ازاء تقاعسه عن القيام بأي امر من اجل ايجاد حل للحرب السورية ومن اجل ان ترفع دول مجلس الامن عن نفسها مسؤولية انها لا تقوم بما يلزم بما يفترضه عليها موقعها ومقعدها الدائم التي تحتفظ به في مجلس الامن. وثمة سؤال اخر هو هل تطوى مع الابرهيمي صفحة بيان جنيف 1 حول الحكومة الانتقالية وتفتح صفحة بيان جنيف آخر مع اشارة الابرهيمي نفسه الى النقاط الايرانية الاربع لحل الازمة السورية مع تكريس ايران استمرار الاسد في السلطة كورقة تعزز موقعها التفاوضي من اجل المساعدة في ايجاد حل في سوريا لاحقا وفرضها شروطا تناسبها في تعزيز نفوذها او الابقاء عليه بعدما بات ضخما وكبيرا جدا في سوريا وبحيث يتعين على اي خلف للابرهيمي ان يبلور خطة عمل او حل بناء على المعطيات المستجدة؟
كما يأتي هذا الموقف عشية اجتماع جديد لمجموعة الدول من اصدقاء سوريا في لندن في حضور وزراء الخارجية للدول المعنية وعلى نار استقبال واشنطن وفد الائتلاف السوري المعارض في رسالة سياسية ورمزية مهمة تتماشى مع دحض واشنطن شرعية الانتخابات التي يرغب الرئيس السوري ان تمدد وجوده في السلطة، وهو يستبق من حيث توقيته وحوافزه المتمثلة في استعدادات الرئيس بشار الاسد لتأمين ولاية جديدة له بعد اقل من ثلاثة اسابيع. اذ نقل عن اللقاء الذي عقده كيري مع رئيس الائتلاف الوطني السوري المعارض احمد الجربا ان عاما كاملا تم تضييعه في عدم التنسيق بين الدول المعارضة للاسد مما يثير اسئلة من نوع اذا كانت مراجعة السياسة الاميركية او الغربية في هذا الشأن ستؤدي الى مقاربة مختلفة علما ان ما كشفه كيري دحض انطباعات ومعطيات عن جهود وتنسيق دائم في الشأن السوري بين دول اصدقاء سوريا بحيث يتبين لاحقا انه لم يكن على مستوى هذه الانطباعات. مما يثير أسئلة كذلك اذا كان ثمة ما يمكن تقديمه فعلا بناء على كل هذا التقويم وفق المواقف المعلنة او ان الامر قد لا يتعدى اطار رد الفعل الاستباقي على امر واقع لا يجد الغرب القدرة العملانية للتصدي له او منعه سوى التأكيد مجددا بعدم شرعيته وعدم الاعتراف به.