IMLebanon

بُرَك الدم!

تبحث المواجهات الدامية في محيط عرسال عن هويّة سياسيّة لها، الأجوبة الإفتراضيّة كثيرة، إلّا أنّ الدول «الراعية والداعمة» لِما يجري، تعرف من أين انطلقت الريح، والى أين تتجه. قد يكون الغرض إنضاج طبخة الرئاسة، ولكن هل قدر اللبنانيّين أن ينجز الإستحقاق دائماً على ضفاف بُرَك الدم، هكذا كان في أيار 2008، هكذا هو اليوم.

ثمّة جملة اعتراضيّة تفيد أنّ الأهداف ربما تكون أبعد من استحقاق رئاسي، وأخطر من مواجهات محصورة في نطاق جغرافي ضيّق، لأنّ الجيش يخوض معارك عدّة على جبهة مكافحة الإرهاب.

معركة وحدة لبنان، والحرص على السلم الأهلي، والتصدّي للحروب الأهليّة ما بين السنّة والشيعة. ويخوض معركة وحدة المؤسسة العسكريّة في وجه مخطط يستهدفها، واضح الأهداف والأبعاد، ويستمدّ عافيته من الخطاب التحريضي، والتأجيج المذهبي والطائفي، والأخبار المسمومة التي يُروَّج لها وعلى نطاق واسع.

تعرف الولايات المتحدة، ومعها الدول الكبرى، وتحديداً المجموعة الدوليّة لدعم الجيش ولبنان، من أين تأتي الريح، وإلى أين تذهب. إنها قادرة على الصدّ، وقادرة على وقف المؤامرة، وتحييد كأس «الداعشيّة» عن شفاه لبنان، إنها تعرف حقيقة ما يجري، ولأنها تعرف، يزداد منسوب القلق والشك عند اللبنانيّين حيال تصرفاتها. هناك ازدواجيّة مريبة ما بين الأقوال والأفعال.

تستمع الى البيانات الصادرة عن عواصم دول القرار، فيغمرك شعور من الاطمئنان والفرح، كلّ شيء خطّ أحمر، الإستقرار خطّ أحمر، السلم الأهلي كذلك، الحرص على المؤسسة العسكريّة أيضاً وأيضاً، لكن تبرز في المقابل لائحة من الأسئلة الملتبسة، منها على سبيل الذكر لا الحصر: من أين جاءت هذه الجحافل المسلحة؟

وكيف سُمِح لها بأن تتغلغل في الثغور الوعرة على المشارف اللبنانية؟ وهل تمّ ذلك بغفلة عن استخبارات هذه الدول، وأقمارها الإصطناعيّة، وتقنياتها الحديثة للرصد والمراقبة؟ أم أنها تعرف، وتتغاضى.

إنها تعرف كل المعرفة من يدير هذه المنظمات الإرهابيّة، من يموّلها، ويَمون عليها، ولأنها تعرف كان في استطاعتها أن تمارس الضغوط لتحييد الساحة، والحؤول دون حصول ما حصل ويحصل، لو كانت تريد فعلاً أن يبقى الإستقرار في لبنان خطّاً أحمر.

إنّ المجموعة الدولية لدعم لبنان تعرف أن الجيش يتعرّض، ومنذ فترة، لأبشع مؤامرة تستهدف وحدته ومنعته، ومع ذلك نسمع ونقرأ كثيراً من البيانات الصادرة عن مرجعياتها الرسميّة، تجدد الحرص على وحدة الجيش وتماسكه ودعمه، فكيف يكون هذا؟ وأين يُصرف هذا الشك؟ ولماذا لم تُمنَع المؤامرة بدلاً من إدانتها؟ ويطول حبل التساؤل، وتبقى العبرة في الداخل، حيث لا يزال التكاذب سِمة المرحلة.

صحيح أنّ الجيش يواجه تنظيم «داعش»، وأخواته في جرود عرسال، وعدد من المناطق، لكنّ الصحيح أيضاً أن هناك نهجاً «داعشيّاً» في الداخل لا يمكن التنكّر له، هناك بيئات حاضنة. هناك جهات تحرّض وتساهم في استهداف المؤسسة العسكريّة، ووحدتها وتماسكها. وهناك وجوه ومرجعيات تطلّ من وراء الشاشات بوجوه صفراء، وخطاب تحريضي مسموم.

لا أحد ينكر أنّ المواجهة القائمة، إنما هي جزء من نزاع المحاور الملتهِب في المنطقة، نزاع المحور الروسي ـ الإيراني ـ السوري ومَن معه، مقابل المحور الأميركي – الخليجي ومَن معه، ولكن في المقابل هناك مصير وطن إذا انهار سقفه فسيكون على رؤوس الجميع، وتدعيمه يحتاج الى سواعد أهله متضافرة متعاونة قبل أن يكونوا «في حاجة الى صديق».

إنها مرحلة بالغة الدقة والحساسيّة، كل الأوراق على الطاولة، كل الخطط والمخططات، وأيضاً الحسابات. وأخطر ما يواجهه اللبنانيون أنّ المجموعة الدوليّة لدعم لبنان تعرف من أين تأتي الريح، وإلى أين تذهب، وحتى الآن لم تحرّك ساكناً. إنها مواجهة في وجوه مختلفة، وأغراض متنوعة، عسى ألّا تصبّ لمصلحة «إمارة داعشيّة» في لبنان.