يوم طويل من المواجهة بين وزير التربية و«التنسيق» أنتج تسوية متكافئة :
تأجيل البروفيه 24 ساعة ومشاركة المعلمين بالمراقبة مقابل مقاطعة التصحيح وإعلان النتائج
التعطيل يتمدّد من الرئاسة الى السلطتين التشريعية والتنفيذية وبري : النظام في خطر
«تسوية آخر الليل» أفضت الى معادلة «لا غالب ولا مغلوب» بين وزير التربية الياس بو صعب وهيئة التنسيق النقابية، برعاية الرؤساء نبيه بري وتمام سلام والعماد ميشال عون، وانتجت تأجيلا لامتحانات البروفيه 24 ساعة، من يوم الخميس الى يوم الجمعة ومشاركة المعلمين بمراقبة الامتحانات، مع احتفاظ هيئة التنسيق بمقاطعة التصحيح، على ان تبقى مواعيد باقي الامتحانات النهائية والمهنية في مواعيدها.
فيما اعلن رئيس هيئة التنسيق حنا غريب «ان الاتفاق مع الوزير قضى بعدم وضع اسس التصحيح والتصحيح واعلان النتائج حتى اقرار سلسلة الرتب والرواتب». واضاف «ان صمود الاساتذة فرض تأجيل الامتحانات الرسمية».
فيما دعا وزير التربية الطلاب، الى عدم التفكير بالمشكلات التي عانوها والاهم التحضير للامتحانات، «وقد طلبت من المدير العام للوزارة العمل على مراعاة الظروف والحفاظ على مستوى الشهادة الرسمية».
اما هيئة التنسيق، فقد «فكّت» اعتصامها من داخل وزارة التربية وابقت على باقي تحركاتها بالاضراب الشامل والاعتصامات حتى 19 حزيران موعد الجلسة التشريعية لاقرار سلسلة الرتب والرواتب.
وكان مكتب وزير التربية قد شهد ليلة طويلة من المفاوضات الصعبة بين وزير التربية وهيئة التنسيق، بحضور النائب علي بزي موفدا من الرئيس نبيه بري ورافقتها من الخارج اتصالات سياسية على اعلى المستويات، وسادت الاتصالات لقاءات ثنائية وثلاثية من اجل التوصل الى مخرج، حيث طرحت صيغ عدة لجهة تأجيل الامتحانات لـ48 ساعة او 24 ساعة او اعطاء افادات، او اجراء الامتحانات ومقاطعة التصحيح.
وقد شارك الطلاب في تحركات امس، داعمين هيئة التنسيق النقابية ومصرين على اجراء الامتحانات مع حفظ مطالب هيئة التنسيق واشراف المعلمين على الامتحانات والمراقبة واعمال التصحيح، وقد التقوا وزير التربية ووعدهم خيرا ونقل لهم معاناته وخياراته.
علما ان 99% من المعلمين رفضوا استلام اضبارات المراقبة مؤكدين وقوفهم مع هيئة التنسيق.
على صعيد آخر، وضع رئيس مجلس النواب نبيه بري الاصبع على الجرح عندما وصف ما جرى بالخطر على النظام، مؤكدا ان المسألة ليست مسألة سلسلة رتب ورواتب او امتحانات، بل هي تعطيل للنظام والمؤسسات الدستورية.
التطورات المتلاحقة امس، كشفت عن «هوة عميقة» في البلاد وحلها لن يكون الا سياسيا، كما قال الوزير الياس بو صعب بعد ان بدأ «التعطيل» يتمدد ليطال السلطتين التشريعية والتنفيذية بعد الفراغ في الرئاسة الاولى.
ما حصل امس كشف أن معركة الرئاسة الاولى تتحكم بالمواقف الصلبة للعديد من القوى، والطلاب هم الضحايا. ومن المتوقع ان تمتد المواجهة الى جلسة الحكومة غدا حول آلية عمل مجلس الوزراء في ظل الشغور الرئاسي وتمسك الوزراء المسيحيين بموقفهم لحصر عمل الحكومة في الاطار الضيق، ورد سلام بأنه سيكون له موقف اذا اصر البعض على التعطيل وليتحمل الجميع المسؤولية.
المواجهة بين وزير التربية وهيئة التنسيق استمرت طوال نهار امس وحملت تهديدات متبادلة، الى ان افضت الى تسوية منتصف الليل، فيما شهد الاجتماع المسائي بينهما في وزارة التربية، تهديدات متبادلة وتحديات، وصراخا، وكان عاصفا جدا، اذ تمسك كل فريق بوجهة نظره وانتهى الى الفشل. وطلب الوزير بو صعب في بداية الاجتماع اعتذارا علنيا من نعمه محفوض على كلامه بأن الوزير «بالوجه مراية وبالقفا شخص آخر»، فأكد محفوض انه لم يقل هذا الكلام، وانه تحدث عن مماطلة الوزير وتبدل مواقفه، وهذا رأي هيئة التنسيق. وقال محفوض «ان هيئة التنسيق لم تخطئ في اي مكان لتعتذر، واوضح ان هيئة التنسيق موحدة وسنأخذ السلسلة، بينما دعا حنا غريب بعد الاجتماع الى الاعتصام اليوم امام المناطق التربوية في المحافظات من اجل تنفيذ خطوة مقاطعة الامتحانات. وقد انتقد بو صعب النقابي نعمه محفوض غامزا من قناة ميوله السياسية «القوات اللبنانية» وهذا ما رفضه محفوض.
بري: الازمة ابعد من سلسلة
ونقل الزوار عن الرئيس نبيه بري امس، ان ما حصل في شأن السلسلة «المقاطعة»، هو اقرب الى الانقلاب على ما جرى من اتفاق حصل عشية الجلسة خلال الاجتماع الذي عقد مع سلام والسنيورة وبهية الحريري، وانه لا يرتبط فقط بالسلسلة بل ان موقف تيار المستقبل كان يندرج في اطار السير مع حلفائها في 14 اذار ضد حق المجلس في التشريع، مع العلم ان السنيورة نفسه اعترف بهذا الحق، وعلما ان كتلة المستقبل لم تقل في بيانها انها ضد انعقاد الجلسة.
واضاف بري امام زواره «ان ما حصل يشكل خطرا على النظام، فالمسألة ليست مسألة سلسلة رواتب وامتحانات بل هي تعطيل للنظام والمؤسسات الدستورية».
واشار رئيس المجلس الى «انه في شأن السلسلة وقبل الخلاصة التي انتهى الىها الاجتماع طرح السنيورة زيادة الـT.V.A 1% على كل شيء، لكنني رفضت ذلك واقترحت زيادة هذه الضريبة من 10 الى 15% على الكماليات التي لا تطاول الفقراء والمواطنين، لانه ليس المطلوب اعطاء الموظفين بيد والاخذ منهم باليد الاخرى».
واشار الى ان المخرج كان بحسم 10% من كل السلسلة مشددا مرة اخرى على الحرص على التوازن بين النفقات والايرادات، وكذلك على المساواة بين الموظفين، مشيرا الى ان هناك 850 مليار ليرة محسوبة في العجز من قيمة السلسلة سلفا لانها اعطيت بسلفات خزينة سابقا بغلاء المعيشة.
ولفت الزوار اشادة بري بالرئيس تمام سلام وحضوره الى المجلس امس، وموقفه الذي ليس ضد التشريع، وتخوف بري من ان يصل التعطيل الى الحكومة ايضا، مشيرا الى ان من حق سلام الدعوات الى اجتماعات مجلس الوزراء ووضع جدول الاعمال وان ينظر بالتحفظ على اي بند في هذا الجدول.
تعطيل الجلسة التشريعية؟
وكانت المواجهة قد بدأت منذ الصباح مع تعطيل الجلسة التشريعية لاقرار سلسلة الرتب والرواتب، فتمسكت قوى 14 اذار برفضها للسلسلة المطروحة واصرت على «رفض تمرير سلسلة غير واقعية تؤدي الى خراب البلد»، وقاد حملة المواجهة الرئيس فؤاد السنيورة الذي اتهمه نواب 8 اذار برمي «الحرم» على سلسلة الرتب والرواتب، وضغط باتجاه مقاطعة 14 اذار، رغم ان رئيسة لجنة التربية والتعليم النائبة بهية الحريري تدخلت لايجاد تسوية لحل الازمة، وحضرت الى المجلس النيابي امس واجتمعت مع الرئيسين بري وسلام، لكن اتصالاتها لم تؤد الى نتيجة. اما النائب وليد جنبلاط، فقد اوفد الى الجلسة 4 من نواب كتلته «نص بنص» فيما غاب رئيس الحكومة السابق نجيب ميقاتي مع زميله النائب احمد كرامي وكذلك غاب رؤساء الكتل النيابية العماد ميشال عون، سليمان فرنجية وطلال ارسلان، وكذلك النائبان محمد الصفدي وعصام صوايا، ولفت حضور النائب روبير غانم الى جانب بهية الحريري، وبالتالي وصل «سكور» الحضور الى 55 نائبا وعندما رفع الرئيس بري الجلسة الى 19 حزيران، ألقى كلمة اكد فيها انه لا يجوز تعطيل المؤسسات وهدفنا جميعا انتخاب رئيس للجمهورية، لكن هذا لا يمر على جثث المؤسسات الاخرى. وتوجه بري الى الوزير الياس بو صعب بالقول: «لا يجوز اجراء الامتحانات بهذه الطريقة، وانتبهوا ايضا، لا تستطيعون ان تجروا امتحانات بهذا الشكل وانتبهوا ايضا رجاء الا نخرب البلد ونوصله الى نقطة اللارجوع».
واللافت ايضا، انه بعد تحذير الرئيس نبيه بري من اجراء الامتحانات على الشكل الذي يتبعه بو صعب، اصر وزير التربية مدعوما بنواب من التيار الوطني الحر بالتأكيد على موعدها غدا مع الحرص على التواصل والحوار في الوقت المستقطع على الجبهات كافة. واكد بو صعب ان قرار اجراء الامتحانات يعود لوزارة التربية، مشيرا الى ان «الحل بالسياسة ووسائل الضغط لا تؤثر بالقرار».
موقف الوزير بو صعب رفع سقف المواجهة بينه وبين هيئة التنسيق النقابية التي اعتصم افرادها داخل وزارة التربية الوطنية مصرين على استمرار الاعتصام المفتوح حتى تحقيق المطالب، واعلن رئيس رابطة اساتذة التعليم الثانوي حنا غريب «الشهادة مقابل السلسلة».
واللافت ايضا، ان نواب 14 اذار والنواب الاربعة من جبهة النضال الوطني كانوا داعمين لموقف الوزير بو صعب بإجراء الامتحانات وانتقدوا مواقف هيئة التنسيق.
توقف حركة الملاحة الجوية لساعتين
على صعيد آخر، توقفت حركة الملاحة الجوية في مطار رفيق الحريري الدولي لمدة ساعتين، من الساعة الحادية عشرة حتى الاولى بعد الظهر، وقد تأثرت بذلك 7 رحلات جوية بالوصول و8 رحلات في الاقلاع، واعلن المراقبون الجويون ان اضرابهم جاء دعما لمواقف هيئة التنسيق النقابية باقرار السلسلة.
حكومة تصريف اعمال
اما على صعيد جلسة مجلس الوزراء غدا، فان الصورة لن تتغير في ظل اصرار الوزراء المسيحيين في مختلف ميولهم على حصر العمل الحكومي بالاطار الضيق جدا، في ظل الشغور الرئاسي وتمسكهم بتوقيع الوزراء الـ14 على المراسيم، وكذلك التوافق على توجيه الدعوات وجدول الاعمال مسبقا وان هذه الحقوق ليست لرئيس الحكومة وحده في ظل الشغور الرئاسي وانه لا تراجع عن هذه المواقف وبالتالي تحويل الحكومة الى حكومة تصريف اعمال.
وعلم ان البطريرك الماروني مار بشارة بطرس الراعي يقود هذه المواجهة وهذه الخيارات وعنوان المواجهة «لا تشريع ولا سلطة تنفيذية، في ظل الشغور الرئاسي».
ومن المتوقع ان تشهد جلسة مجلس لوزراء «سخونة» حادة في ظل تأكيد الرئيس تمام سلام انه سيصارح اللبنانيين بالحقائق وبشكل شفاف وسيكشف الامور بأسمائها، وسيحدد المعرقلين، وليتحمل الجميع مسؤولياتهم وبالتالي فان جلسة مجلس الوزراء ستشهد كباشا و«سيناريو» مشابها للجلسات السابقة.