IMLebanon

تأجيل الرئاسة من أيام إلى أسابيع إلى .. إشعار آخر

 

عقد اللبنانيون آمالهم منذ ما قبل نهاية ولاية الرئيس العماد ميشال سليمان على أن تسير عملية انتخاب رئيس جديد للجمهورية بسلاسة ومن دون تعقيدات، خصوصاً أنهم كانوا اختبروا معنى الشغور قبلاً في العامين 1988 و2007 وما رافق هذا الشغور من ذكريات أمنية سيئة. غير أن الرياح لم تسر كما اشتهت سفنهم، فدخلت البلاد في فراغ منذ 25 أيار الماضي، على الرغم من أنهم وجدوا في الدعوات «الأسبوعية» التي كان يوجهها رئيس مجلس النواب نبيه بري لانتخاب رئيس عتيد، بصيص نور من دون أن يزيلوا من حساباتهم احتمال وقوع توتر أمني ما، قد يجعل التاريخ يعيد نفسه.

لكن إرجاء بري الجلسة «العاشرة» لانتخاب رئيس للجمهورية ثلاثة أسابيع إضافية بعدما كان أرجأ الجلسة التاسعة لفترة مماثلة، بدّدت آمال اللبنانيين بعض الشيء، خصوصاً انهم يتابعون على قدر كبير من الدقة «الخلافات» التي تحول دون أن يصير لهم رئيس جديد، ويتوجّسون من إطالة الفترة الفاصلة بين الدعوات، علماً أن الدستور ينص على أن المجلس يعتبر في حالة انعقاد دائمة لانتخاب الرئيس قبل عشرة أيام من موعد انتهاء ولاية الرئيس شاغل الكرسي في بعبدا.

كانت كل الأجواء الداخلية «الملبّدة» تشي بأن معضلة الانتخابات الرئاسية ستكون الشغل الشاغل لجميع المعنيين، وفي مقدّمهم بري وقد كان توجهه للنواب في الجلسة الأولى للانتخابات «سبحان مين جمع شملكم» خير تعبير عن الصعوبات التي كانت تباشيرها بدأت تلوح بشبه استحالة تأمين النصاب اللازم للانتخابات.

بعد تلك الجلسة المكتملة النصاب «اليتيمة» وبغض النظر عن الجدل الدستوري حول النصاب الواجب اعتماده في الجلسات الانتخابية، إلا أن توافقاً نيابياً جامعاً حول تفسير بري للدستور، ألزم جميع النواب بضرورة تأمين ثلثي عدد النواب من أجل «دستورية» جلسات الاقتراع، وعلى هذا الأساس أصبح من شبه المستحيل التئام المجلس قانونياً ودستورياً لانتخاب الرئيس العتيد كون الفريقين المتنافسين لا يستطيعان كلّ بمفرده تأمين النصاب حتى لو شاركه فريق النواب «الوسطيين»، فبدأت المعضلة التي لن تنتهي إلا بالتوافق على اسم وشخصية الرئيس المقبل.

البطريرك الماروني الكاردينال مار بشارة بطرس الراعي لا يوفّر مناسبة إلا ويبدي شعوراً بالمرارة إزاء «تعطيل» فريق من النواب «بعينه» للعملية الدستورية، وهو يوجّه لومه بشكل مباشر وصريح إلى نواب تكتل «التغيير والاصلاح» كونهم المعنيين أولاً وأخيراً بضرورة ممارسة واجبهم في ملء الشغور الذي وصلت إليه كرسي الرئاسة الأولى «المارونية»، وإن كان يصيب بلومه مجمل الفريق التعطيلي.

ويعتبر عضو كتلة «المستقبل» النائب سمير الجسر أن فترة التأجيل الأخيرة التي أعلنها بري مردّها إلى عيد الفطر، ولا تحتمل تأويلات إضافية سوى أنه يفسح المجال أمام الاتصالات البعيدة عن الأضواء من أجل التوصل إلى تسوية في الموضوع الرئاسي.

وقال الجسر لـ«المستقبل» إن التوافق على «نصاب الثلثين جعل من شبه المستحيل تأمينه طالما أن التسوية بعيدة المنال. فلا يوجد أي مرشّح معلن أو ضمني من الفريقين قادر على تأمين النصاب ليصار إلى انتخابه بالنصف زائداً واحداً، وبالتالي فمهما كانت الدعوات أسبوعية أو يومية أو أكثر، طالما أنه لا يوجد توافق فلا نتيجة مرجوة من هذه الدعوات»، مؤكّدا أن هذه هي «العقدة الوحيدة وهي المتعلّقة بالنصاب».

لكن عضو كتلة «القوات اللبنانية» النائب أنطوان زهرا أبدى أسفه عبر «المستقبل» لـ«براعة اللبنانيين في تضييع الفرص» وعدم استغلال الظروف الملائمة، لـ«لبننة» الاستحقاق الرئاسي، على اعتبار أن انشغال المجتمع الدولي بملاحقة التطورات السريعة الجارية في المنطقة و«النأي» عن لبنان باستثناء العمل لإبقائه بعيداً عن أتون النيران الاقليمية المشتعلة، أتاح للنواب للمرة الأولى إمكانية انتخاب رئيس «صنع في لبنان».

وقال زهرا: «على الرغم من ضياع هذه الفرصة إلا أن هناك إمكانية لاستعادة الارادة الوطنية التي هي بيد المجلس النيابي مجتمعاً ولبننة الاستحقاق، لكن لا يبدو أن حزب الله إلى جانب التغطية التي يوفرها له النائب ميشال عون لديه النية لذلك ولا يزال يراهن على تطورات إقليمية تصب في مصلحته، أو على الأقل الانصياع للأوامر التي تأتيه من ولي أمره في إيران».

وبرّر زهرا في المقابل لبري تأخير فترة الدعوات للجلسات على اعتبار «ربما يريد إفساح المجال أمام الاتصالات لكي يصار إلى التوافق على رئيس للجمهورية، وفي هذه الفترة تحديداً التي يصادف فيها عيد الفطر السعيد، ربما كان هناك عدد من النواب الذين يرغبون في قضاء إجازة بعيداً عن البلاد».

أضاف: «لكن الرئيس بري شدّد على أنه عندما تتوافر أي معطيات جدّية بشأن الرئاسة فإنه سيدعو مجلس النواب الى الانعقاد فوراً، وربما كانت هذه الفترات المتباعدة تصب في هذه الخانة».

من جهته، اعتبر عضو تكتل «التغيير والاصلاح» النائب آلان عون أن الدعوات لانتخاب رئيس للجمهورية تسير وفقاً لوتيرة الاتصالات السياسية التي كانت قبل الشغور مرتفعة لكن من الواضح «أنها خفّت الآن بسبب الخلافات المستحكمة في مواقف الأفرقاء من شخص الرئيس العتيد».

وقال عون لـ«المستقبل» إن تباعد الدعوات التي يوجهها الرئيس بري تعكس المراوحة التي تلفّ المواقف السياسية من موضوع انتخاب الرئيس، علماً أن بري قال إنه ما إن يلمس تحركاً إيجابياً في هذا الملف، فهو على استعداد لدعوة مجلس النواب إلى الانعقاد فوراً».

موضوع الرئاسة على ما يبدو ليس «أولوية» على جدول الاتصالات السياسية، علماً أن الرئيس سعد الحريري والنائب وليد جنبلاط طالبا باعتبار «المدخل» إلى أي حل سياسي هو في أولوية انتخاب رئيس جديد للجمهورية، وأنه يجب تقديم هذه العملية على أي اعتبار آخر.

ومع استمرار التجاذبات السياسية في الموضوع الرئاسي، لم يعد «تأخير» موعد انعقاد جلسات الانتخاب الرئاسية مفاجئاً، لا بل يمكن توقّع أن يتّسع هذا التأخير بعد الجلسة المقبلة ما لم تتغيّر المعطيات السياسية والأمنية التي قد تدفع باتجاه التوافق على الرئيس العتيد وبالتالي يدعو بري إلى جلسة في «ليلة ما فيها ضو قمر».