هكذا اقترب الانتحاريان من أسوار بري
تأهب أمني من رومية إلى.. الحدود
لبنان بلا رئيس للجمهورية، لليوم الثالث والعشرين على التوالي.
.. ولأن الفراغ مخالف لقانون الطبيعة، فإن الخشية تزداد لدى المراجع الأمنية والسياسية من احتمال أن تملأ «داعش» وأخواتها، هذا الفراغ، على طريقتها، لا سيما أن تداعيات أحداث العراق من النوع العابر لحدود معظم دول المنطقة.
وفيما تستمر العين الأمنية مفتوحة على الداخل اللبناني وصولا الى الحدود مع سوريا، لاحتواء أي هزات ارتدادية قد تترتب على «الزلزال العراقي»، تزدحم رزنامة الاسبوع الحالي بمواعيد بارزة، بدءاً من المؤتمر الدولي حول سبل تسليح الجيش في روما غداً، مروراً بـ«الجلسة النظرية» لانتخاب رئيس الجمهورية الاربعاء، وصولا الى جلسة سلسلة الرتب والرواتب الخميس والتي تتسم بطابع مصيري، خصوصاً أن «هيئة التنسيق النقابية» ربطت تصحيح الامتحانات الرسمية والإعلان عن النتائج بإقرار السلسلة في هذه الجلسة.
وقال الرئيس نبيه بري لـ«السفير» إن التعاون بين السلطات لا يعني انه إذا تعطلت سلطة لسبب ما، تتعطل السلطات الاخرى، متسائلا عما إذا كان البعض بصدد اعتماد تعريف جديد لمفهوم «التعاون»، ومحذراً من المخاطر المترتبة «على هذا النهج غير المسؤول».
واعتبر بري ان الصيغة التي طرحها لإقرار سلسلة الرتب والرتب على الرئيس فؤاد السنيورة (زيادة الضريبة على القيمة المضافة من 10الى 15 في المئة للكماليات حصراً وتخفيض الكلفة الاجمالية للسلسلة 10 في المئة) إنما هي واقعية وتحقق التوازن بين النفقات والإيرادات، وبالتالي لم يعد هناك مبرر للاستمرار في تأجيل إقرارها، آملا ان تتحمل كل القوى مسؤولياتها في الجلسة النيابية المقررة في 19 حزيران، والمخصصة لبت السلسلة.
في هذه الأثناء، تقدم الهاجس الأمني قائمة الاولويات من جديد، تخوفاً من انعكاسات سلبية لغزوات «داعش» على الداخل اللبناني، وهو الأمر الذي حذر منه مرجع سياسي بارز بقوله لـ«السفير» إنه يُخشى من ان تكون خلايا إرهابية نائمة قد استيقظت او انتعشت بعد تطورات العراق، لافتاً الانتباه الى احتمال وجود خلايا من هذا النوع في بعض المخيمات والنقاط الشمالية والبقاعية، ما يستوجب يقظة أمنية عالية.
وعلى هذه القاعدة، علمت «السفير» ان الجيش اكتشف نفقاً يمتد لمسافة طويلة تحت الارض، من داخل أحد المخيمات الفلسطينية الى خارجه. وقد نفذت قوة عسكرية من الجيش، أمس، عملية مداهمة وتمشيط لهذا النفق الذي وضع تحت مراقبة أمنية ومخابراتية مشددة.
هكذا تمت مراقبة بري
وبينما جرى رفع منسوب التدابير الأمنية الاحترازية في العديد من المناطق وفي محيط مقرات بعض الشخصيات السياسية، في ضوء معطيات أمنية، أظهرت التحقيقات التي أجريت في محاولة اغتيال الرئيس نبيه بري في نهاية شباط الماضي، ان المخططين كانوا قد وصلوا الى مرحلة متقدمة من المراقبة والاختبارات، قبل أن تُكشف خيوط المحاولة.
وبيّنت التحقيقات ان أحد الاشخاص الذين كلفوا بمراقبة مداخل مقر رئيس المجلس النيابي في عين التنية، لتحديد نقاط الضعف في إجراءات الأمن والحماية، تمكن من الوصول سيراً على الأقدام الى نقطة قريبة جداً من المقر، مستفيداً من قرار كان بري قد أبلغه الى فريقه الأمني بضرورة عدم التضييق على حركة أي شخص من أهالي المنطقة يريد الدخول راجلا الى المحيط السكني لمقر عين التينة، تجنباً لإثارة أي حساسيات او تململ في صفوف الجيران المقيمين في الأبنية المجاورة (وهو قرار تمت إعادة النظر فيه لاحقاً).
ولاحقاً، وفي سياق خطة الاستطلاع التي وضعها المخططون، استطاع شخص آخر يقود دراجة نارية تحت ستار الـ«دليفري» تجاوز الحواجز الأمنية والوصول أيضاً الى محيط مقر بري في عين التنية، في إطار استطلاع المدى الجغرافي الذي يمكن أن تبلغه الدراجة النارية إذا تقرر استخدام مثل هذه الوسيلة لاقتحام المكان.
وكشفت المعلومات أن المخططين كانوا قد أعدّوا للهجوم الانتحاري، استناداً الى سيناريو من اثنين: الاول، يقضي بتفجير سيارتين مفخختين، الواحدة تلو الأخرى، لتحطيم «خط الدفاع» عن مقر إقامة بري، ومن ثم تمهيد الطريق امام تقدم سيارة ثالثة مفخخة كان ينوي سائقها تفجيرها في باحة المقر مباشرة.
أما السيناريو الآخر، فكان يعتمد على هجوم تمهيدي بواسطة قرابة سبع دراجات نارية يقودها انتحاريون مزنرون بأحزمة ناسفة لتدمير الحواجز والعوائق المنتشرة في محيط المكان، وبالتالي فتح الطريق امام سيارتين مفخختين أولى تقتحم أسوار المقر، وثانية تلحق بها وتنفجر بسائقها في الباحة الداخلية.
ولاحقاً، التقطت كاميرات المراقبة في محيط عين التينة صورتي الشخص الراجل وسائق الدراجة النارية، وتم تسليم الأشرطة الى فرع المعلومات في قوى الأمن الداخلي.
المشنوق: العبث بالأمن ممنوع
وفي الإطار ذاته، أبدى وزير الداخلية نهاد المشنوق قلقه من حالات غير مطمئنة في بعض المخيمات الفلسطينية، وقال لـ«السفير»: بصراحة، أنا لست مرتاحاً. وكشف انه سيوجه اليوم، خلال احتفال بوضع الحجر الأساس لمبنى جديد في سجن رومية، رسالة الى من يهمه الامر، داخل السجن وخارجه، فحواها ان «اللعب بالامن ممنوع، وسنتعامل بحزم وقسوة مع كل من يحاول العبث به».
وأكد ان قراره منذ اللحظة الاولى لاستلامه وزارة الداخلية هو مواجهة الارهاب، «وأنا مستعد للذهاب الى ابعد مدى ممكن على هذا الصعيد».
ودعا المشنوق رئيس الحكومة تمام سلام الى المبادرة لدعوة مجلس الدفاع الاعلى الى الانعقاد العاجل، بمعزل عن أية حسابات سياسية او طائفية تتصل بالشغور في موقع الرئاسة الاولى، «لانه لا يمكننا ان نكتفي بالتفرج على ما يجري في العراق، من دون ان نتخذ تدابير احترازية تتناسب وحجم الخطر الداهم».
واعتبر انه في حال تعذر عقد جلسة لمجلس الدفاع، ينبغي الاسراع في تشكيل خلية أزمة، تضم ممثلين عن كل الاطراف المنضوية في الحكومة، تتولى رفع اقتراحات محددة الى مجلس الوزراء، تماما كما شُكلت خلية أزمة لمتابعة ملف النازحين السوريين، مشددا على ان حماية الاستقرار العام وأمن اللبنانيين أهم من أي نقاش في شأن الصلاحيات.
تسليح الجيش في روما
وفي سياق متصل بتعزيز القدرات العسكرية والامنية للدولة اللبنانية، يعقد غداً في روما مؤتمر دولي وزاري لدعم الجيش، من المقرر ان يحضره وزراء خارجية ودفاع 40 دولة، فيما يتمثل لبنان بوزيري الخارجية جبران باسيل والدفاع سمير مقبل.
وقبيل سفره الى روما للمشاركة في المؤتمر، قال الممثل الخاص للأمين العام للأمم المتحدة ديريك بلامبلي لـ«السفير» إنّ «المؤتمر سيشكّل فرصة لتكريس الخطوات التي نفذت لغاية اليوم ولتكثيف الأفكار حول ماهية الاحتياجات الإضافيّة للجيش في ظلّ الخطّة الخمسية التي كانت قد وضعتها قيادته».
وأشار الى إن من مندرجات القرار 1701 نقل بعض صلاحيات «اليونيفيل» الى الجيش، عبر تمكينه تدريجياً من القيام بالمهام التي تقوم بها القوات الدولية، ولغاية اليوم لم تأت مساعدات للجيش تصبّ في خدمة هذا الهدف. ورأى أن الدعم للجيش اللبناني لم يتأثر بعد بعدم انتخاب رئيس للجمهورية، لكنه أبدى خشيته من ان يؤثر الشغور الرئاسي على الثقة بلبنان، داعياً الى الاستعجال في إتمام الاستحقاق الرئاسي بأسرع وقت ممكن .
الحريري وجنبلاط الى باريس
سياسياً، اتفق الرئيس سعد الحريري والنائب وليد جنبلاط على عقد لقاء في نهاية الأسبوع الحالي في العاصمة الفرنسية، وذلك من أجل مناقشة الخيارات المتعلقة بالاستحقاق الرئاسي. وعلم أن جنبلاط أبلغ الحريري عن طريق موفده الوزير وائل ابو فاعور أنه متمسك حتى الآن بترشيح عضو «اللقاء الديموقراطي» النائب هنري حلو، وأنه يرفض الإتيان بأي مرشح تحد من الفريقين الآذارييْن.
وفي المقابل، أبلغ الحريري جنبلاط أن «فريق 14 آذار» ماض بترشيح رئيس حزب «القوات» سمير جعجع لرئاسة الجمهورية، وأن الحوار بين «المستقبل» و«التيار الوطني الحر» لن يتوقف، وهو يتجاوز العنوان الرئاسي ليشمل ملفات عدة.
وفي السياق نفسه، ابلغ مسؤولون سعوديون أكثر من جهة لبنانية راجعتهم أنهم اتخذوا قراراً بعدم دعم أي مرشح رئاسي على حساب باقي المرشحين الرئاسيين وهم يتركون للقادة اللبنانيين أن يتوافقوا على الرئيس المقبل وأن ينجزوا انتخاباتهم الرئاسية بأسرع وقت ممكن.