IMLebanon

تجاوز وزير التربية لصلاحياته عطّل ملفّي العمداء وتفرّغ الأساتذة

تجاوز وزير التربية لصلاحياته عطّل ملفّي العمداء وتفرّغ الأساتذة

الإستنسابية وقلّة الكفاءة مؤشران سلبيان على انحدار مستوى التعليم في الجامعة اللبنانية

خطوة تعيين رئيس الجامعة كمكافأة على انضمامه لحملة «الممانعة» افسحت في المجال أمام التدخلات السياسية والاستباحات في كل المجالات

من يراقب ويتابع مسار معالجة ملف الجامعة اللبنانية يوماً بيوم، إن كان بالنسبة لما آل إليه وضع الجامعة ككل، أو في ما يتعلق بتعيين العمداء أو تثبيت الأساتذة المتفرغين، لأيقن ما بلغه سوء الأداء الوزاري والسياسي لهذا الملف المهم والحساس ولاحظ كيف تنهار مؤسسات الدولة الواحدة تلو الأخرى، باعتبار الجامعة كصرح أكاديمي يحضّر الجيل الطالع لتحمّل مسؤولياته في النهوض بالوطن نحو الأفضل، يوازي سائر مؤسسات الدولة الاساسية أو يضاهيها في أحيان كثيرة.

البداية كانت من خلال تعيين الوزير السابق عدنان السيّد حسين، الوزير «الملك» في حكومة الوحدة الوطنية السابقة برئاسة سعد الحريري كمكافأة له لانحيازه الى صفوف حلف «الممانعة» المليشيوي لإسقاط حكومة الوحدة تحت شعارات مزيفة يومها، ولأنه تخلى عن حياديته بعدم الانحياز الى هذا الطرف أو ذاك في حال نشوب الخلاف بينهما على أي شأن من الشؤون، ولأنه نكث بوعوده لرئيس الجمهورية ميشال سليمان الضامن لتوزيره تحت هذه الصفة أيضاً، وأخيراً لأنه طاع طاعة عمياء من كان يجازف بمصير لبنان من خلال إسقاط حكومة الوحدة الوطنية التي كانت بمثابة مظلة أمان للبنانيين في زمن التبدلات التاريخية المزلزلة التي عصفت بالمنطقة منذ ذلك التاريخ وما تزال مستمرة حتى يومنا هذا.

ومن ذلك التاريخ تزايدت بشكل ملحوظ تدخلات حلف الممانعة في شؤون الجامعة ومسارها بعد أن كانت محدودة نوعاً ما وبالواسطة، وتم اجتياح الصرح بالشعارات والأعلام الحزبية بشكل مكشوف واستفزازي ومحاولة فرض واقع مليشيوي لمصادرة تنوعها وتعدديتها التي تميز المجتمع اللبناني وخصوصيته والسعي بكل الوسائل الترهيبية الممكنة للهيمنة على كل مرافقها ووصولاً الى الترهيب المنظّم لكل من يخرج عن طاعتها من الجسم الأكاديمي.

وهكذا بدأ مسار الجامعة بالانحدار السريع، أداءً وفي مستوى التعليم ككل، ولم تنفع الدعوات والمناشدات العديدة في وقف هذا التدهور، لأن خطوة تعيين رئيس الجامعة كمكافأة له على انضمامه لحلف «الممانعة»، وليس على أساس حياديته وكفاءته، أفسحت في المجال أمام التدخلات السياسية والاستباحات المتعددة في كل المجالات، بأساليب ممجوجة وغريبة عن وضعية الجامعة وعاداتها منذ نشأتها، إن كان في تجاوز القوانين والأنظمة أو السعي الحثيث لتبديل هويتها الوطنية ودورها الأكاديمي ومكانتها المعروفة، الى أن أتى ملف تعيين العمداء ليكشف ضعف الإدارة في مقاربة هذا الملف وهزالة التعاطي التي أفسحت في المجال أمام المداخلات السياسية وسطوة المليشيات الممانعة لاخراجه من واقعه الأكاديمي الطبيعي والقانوني وتحويله باتجاه الاستنسابية والتبعية السياسية على حساب الكفاءة ومستوى المؤهلات الأكاديمية الرفيعة، فأضحى الملف كلّه في مهب التجاذبات والمحاصصة السياسية ونتيجته المحتومة تردي مستوى الأداء الجامعي والتعليمي على حدّ سواء. وليس أدل على ما بلغه سوء التعاطي الوزاري في ملف الجامعة كيفية تعامل وزير التربية مع ملف العمداء على النحو الحاصل، لأن معالجة هذا الملف ليس من صلاحياته اصلاً باعتباره وزيراً للوصاية ويتعارض هذا التعاطي مع صلاحيات مجلس الجامعة، في حين أن عرض لائحة الأساتذة المرشحين للتفرغ على الأحزاب والوزراء المعنيين من قبل الوزير عينه لا يقل سوءاً عن التعاطي مع ملف العمداء، كون ملف الأساتذة المذكورين هو من صلاحيات رئيس الجامعة حصراً، فكيف يسمح وزير التربية لنفسه بالتعامل مع الملفين المذكورين من هذه الزاوية وعلى هذا المستوى، بينما تتطلب المسألة إبقاء البحث في لائحة الأساتذة المذكورين ضمن اطارها الضيّق والقانوني، ولا يسمح لأي كان بتجاوزه ومخالفة القانون بخصوصه، لا سيما بعد ان تضاعف عدد الأساتذة المرشحين للتفرغ اكثر من الضعف استرضاء لمداخلات ومحاصصة لهذا الطرف او ذاك تحت شعارات التوازن الطائفي أو المذهبي، بالرغم من سيل التساؤلات والشكوك التي تثار حول حشر عشرات الأسماء غير المؤهلة اكاديمياً للتفرغ وممارسة التعليم في سلك الجامعة.

ولا شك أن فشل معالجة ملف تعيين العمداء وبت ملف الأساتذة المتفرغين في الجامعة، يكشف بوضوح فشل وزير التربية في التعاطي مع هذين الملفين لتجاوزه القوانين التي ترعى البت فيهما ولفتح الأبواب على مصراعيها امام تقديم المصالح السياسية والحزبية والاستنسابية في انجازهما، في حين كان مطلوباً أن يترك الأمر للمعنيين بهذا الأمر قانونياً.

في غمرة ما يحصل، يخشى المواطنون أن يؤدي سوء التعاطي الوزاري مع ملفي الجامعة على هذا النحو إلى مزيد من التدهور في مستوى أداء الجامعة ككل، وأن يكون هناك ما يحضر كي يهبط مستوى التعليم المعهود وهو ما ينعكس سلباً على الاجيال الطالعة التي ترتاد الجامعة اللبنانية كي تتعلم وهي بأعداد كبيرة في كل لبنان.