نصائح غربية بالتزام المواعيد الدستورية
تحذير أوروبي من «فراغ مؤقت وقصير»
تتبّع الديبلوماسيون الغربيون والعرب أمس باهتمام تفاصيل الدورة الأولى لانتخاب رئيس للجمهورية، مركزين على “الشكل الدستوري”، وخصوصاً اكتمال النصاب وطريقة التصويت واحتساب الأوراق واحترام الدستور اللبناني، انطلاقا من فكرة رئيسية ركز عليها الجسم الديبلوماسي وهي الحرص على الحفاظ على الديموقراطية في العملية الانتخابية التي تعني الكثير لهذه الدول، وخصوصاً الأوروبية منها.
بإيجابية قرأت الأوساط الديبلوماسية مشهد أمس في المجلس النيابي، حيث بانت نظرتها مختلفة عن نظرة اللبنانيين، إذ رفضت الحديث عن “فولكلور لبناني” أو “تصويت شكلي”، بل جلّ ما لفت اهتمامها هو سير الأمور في “الطريق الدستوري القويم بما يبعد شبح الفراغ الرئاسي”.
باختصار، فإن جلسة مكتملة النصاب النيابي ولو من دون توصلها لانتخاب رئيس هي “نقطة انطلاق لمفاوضات جدية بين اللاعبين السياسيين اللبنانيين للتفاهم حول مرشح رئاسي مقبول من الجميع”، بحسب تعبير هذه الأوساط.
وإذا كان شبح الفراغ ماثلاً لدى بعض الأوساط الديبلوماسية الأوروبية التي تقول بصراحة إن هذا “الفراغ حتمي، ولكن ليس لأكثر من شهرين أو ثلاثة أشهر الى حين اكتمال صورة التسوية الاميركية الإيرانية حول الملف النووي، والتي من شأنها أن ترتّب بيوتاً عدّة في الشرق الأوسط ومنها البيت اللبناني، خصوصاً أن تلك التسوية ستنسحب أيضاً اتفاقاً سعودياً ـ إيرانياً حول لبنان”، فإن أوساطاً أوروبية غربية تفضل الاستبعاد الكلي لأيّ شبح فراغ محتمل.
تتوجّس هذه الأوساط الديبلوماسية من “الفراغ المؤقت والقصير”، وتفضل التطلع بعين إيجابية لكيفية تشكيل الحكومة برئاسة تمام سلام، وتعتبر الأمر “إنجازاً لبنانياً حقيقياً جمع المكونات السياسية المتناقضة، ما يقوي سيناريو التدعيم الدولي للبنان”.
وتعتبر هذه الأوساط أن الاتفاق الدولي الذي جرى حول الحكومة الحالية سيتكرر حتماً حول الاستحقاق الرئاسي، انطلاقاً من فكرة محورية قوامها إرادة دولية راسخة بتحييد لبنان عن الحرب السورية التي يبدو أنها ستمتدّ زمنيا بفعل فشل مفاوضات جنيف. فالدول الغربية و”مجموعة الدعم الدولية للبنان” مصرة على وضع لبنان خارج الحسابات السورية “حفاظاً على استقراره الأمني ومنعاً لامتداد الحرب السورية الى الجوار”. وتقرأ هذه الأوساط أن “الترويج لفكرة فراغ مؤقت وقصير موجودة لدى أقلية صغيرة جداً، فالرئيس اللبناني من وجهة النظر الدولية يلعب دور الحَكَم، وهذا أمر مهم جداً، وبالتالي فإن أي فراغ رئاسي لن يُسهم أبداً في تهدئة الأمور”. العامل الثاني المحتّم للانتخابات الرئاسية هو عدم وجود موعد بديل لانتهاء المهلة الدستورية في 25 أيار المقبل، وبالتالي فإنّ أي فراغ لن يكون مضبوطاً بموعد محدد في الرزنامة الدستورية اللبنانية، وهذا ما سيُضاعف المخاطر على لبنان، سواء أمنياً أو سياسياً، لذا تقف الدوائر الديبلوماسية برمتها ضدّ أي فراغ محتمل قد يمتد لفترة زمنية طويلة”.
جلّ ما يريده المجتمع الدولي هو تجنّب الفراغ وحصول الانتخابات في موعدها “بحسب الرزنامة الدستورية”، وقبل انتهاء ولاية الرئيس ميشال سليمان، “لأن لبنان يجتاز أزمة أمنية واقتصادية واجتماعية جراء الأزمة السورية التي ستستمر طويلا، ما يحتّم التمسك باستقرار لبنان”.
وعن مواصفات الرئيس المحتمل واحتمال وضع “فيتو” على أسماء معينة، تشير الأوساط الديبلوماسية الى أن “المجتمع الدولي لن يضيف فيتوات الى تلك التي يضعها اللبنانيون أنفسهم، وهو أمر واضح وجليّ ولا يحتاج الى رأي خارجي، فإذا كان من رفض لبناني لإسم معيّن، فهذا سيتظهر لبنانياً ولا ضرورة لكي يقحم اللاعبون الدوليون أنفسهم في هذه اللعبة”.
تكتفي الدوائر الديبلوماسية في لبنان في ترداد اللازمة نفسها: “اللبنانيون هم من يختارون رئيسهم وهم من يقررون من سيحكمهم”.
لا تعوّل الدوائر الديبلوماسية العاملة في لبنان أهمية كبرى على لقاءات ثنائية مثل تلك التي جمعت العماد ميشال عون والرئيس سعد الحريري، ولا تعطي أهمية لترشح شخصية معينة من دون أخرى. لكن هذه الدوائر تتوقف باهتمام عند تهنئة البطريرك الماروني الكاردينال بشارة الراعي لرئيس حزب “القوات اللبنانية” سمير جعجع على برنامجه الانتخابي الذي حمل عنوان “الجمهورية القوية” ومرتكزاته تقوية الدولة والجيش اللبناني، وهذا يعني أن الكنيسة التي تعبّر عن مزاج مسيحي معين وتتطلع أبعد من الأشخاص، والأمر سيان للمجتمع الدولي الذي لن يقول كلمته مباشرة بل مواربة عبر الأطراف اللبنانيين.
من جهة ثانية، فإن أجواء ديبلوماسية عربية عاملة في لبنان تشير الى أن الدول “غير مستعجلة” للإعلان عن إسم الرئيس اللبناني العتيد بعد، ويتّفق أكثر من ديبلوماسي عربي على القول بأن “الوقت لا يزال مبكراً”.
هذا القول غريب بالنسبة الى اللبنانيين، وخصوصاً أن المهلة الدستورية المحددة في الدستور اللبناني لانتخاب رئيس جديد تنتهي في 25 أيار المقبل، لكنّ هذه الأوساط الديبلوماسية العربية تعقب قائلة: “يلعب الأطراف اللبنانيون حالياً لعبة حرق الأسماء في انتظار تبلور موقف دولي مقبول داخلياً حول الرئيس اللبناني المقبل، والوقت لا يزال مبكراً لذلك، وأية تسوية رئاسية ستشبه الى حدّ بعيد التسوية الحكومية التي هبطت على رؤوس اللبنانيين فجأة، ومن دون سابق إنذار.. والسيناريو ذاته سيتكرر في الاستحقاق الرئاسي العتيد”.