يتابع اللبنانيون مباريات كأس العالم في البرازيل ويترقبون في الوقت نفسه “مونديال” تنظيم “داعش” وفتوحاته في الاراضي العراقية وامتدادات عناصره على الجزء الاكبر من المحافظات والتجمعات السنية، ووصلها بالاماكن التي تسيطر عليها جماعات المعارضة في سوريا. ولم يكتف هؤلاء بذلك، بل أصبحت وحداتهم على تخوم الاردن.
الهجوم “المضاد” الذي ينفذه “الداعشيون” جاء بعد الفشل الذي منيت به المعارضة على الاراضي السورية جراء تشتت أفرقائها وانقساماتهم في الداخل والخارج.
ونجح هذا التنظيم حتى الآن في تحقيق أول اهدافه في العراق ورفع شعار “المظلومية السنية”، وان تكن تسانده بالطبع مجموعات من حزب البعث والنقشبدنيين وابناء العشائر السنية التي لم يحسن النظام في بغداد استرضاءها والتعاون معها.
أما لبنانياً، فإن ثمة ارتياحاً لدى بعض جمهور في 14 آذار، وان يكن لا يلتقي في الاساس مع افكار هذه الجماعة ومدرستها التي تقوم على تكفير الآخر وليس ابناء الطائفة الشيعية فحسب.
وينبع مصدر هذه “النشوة” من العداء المستحكم مع “حزب الله” وعدم تقبل مشروعه وسياساته التي زاد عليها ارسال مقاتلين الى سوريا ساهموا في مد نظام الرئيس بشار الاسد بدعم عسكري لافت، وهذا ما أثبتته وقائع المواجهات والمعارك على الارض في أكثر من مرة. ولو كان لسان حال قيادة الحزب ان ما قام به هو من أجل حماية لبنان من التكفيريين ومنع وصولهم الى بيروت.
ويدرس الحزب بعناية تطورات المشهد العراقي الاخير، ويؤكد مقربون منه ان عامل الوقت يصبّ في مصلحته، وهو الذي يعمل على سياسة “النفس الطويل” وفق خطين:
الاول، المساهمة – ليس عبر تدخل عسكري – في وقف انهيار الجيش العراقي وفرقه والحد من هذا الامر، والثاني، هو البدء بمبادرات سياسية يقوم بها العراقيون انفسهم، والسعي المتواصل لجمع اركان البيت الشيعي العراقي الداخلي. ورغم كل ما يحصل فإن التنازلات غير واردة الآن، في اشارة الى عدم التخلي عن رئيس الوزراء نوري المالكي.
وثمة من ينصح في صفوف قوى 8 آذار منافسيهم على المسرح المحلي بعدم “تسييل” انتصارات “داعش” الاخيرة في لبنان وإسقاطها على الملفات اللبنانية من خلال الاستفادة من المناخات الاقليمية في المنطقة، واذا اراد البعض النوم على حرير “داعش” فلن يجني في النهاية سوى الخيبات والخسارات وانعكاس هذا التصرف على استحقاق رئاسة الجمهورية.
من هنا يرى مرجع لبناني متابع للفصول العراقية الاخيرة ان ما يحصل في خريطة المنطقة لم يشهده اللبنانيون والعرب منذ نحو مئة سنة، عندما انهارت الدولة العثمانية، ويدعو الى التدقيق في مشهد الحدود وكيف تُجرف بين العراق وسوريا على أيدي “داعش”، وترسيم لحدود الدم بين هذين البلدين، وثمة من يعمل بقوة على تكريسها في خريطة جديدة ترسم للمنطقة.
وما يتوقف عنده ايضاً هو السعي المستمر والناشط على أكثر من جبهة لاقامة مجموعة من الدويلات في العراق وسوريا، لكل واحدة منها مواردها المالية والنفطية. ويدعو الى تركيز الملاحظة على استفادة الاكراد مما حصل وسيطرتهم على “قدس الاقداس” في عقيدتهم السياسية، وهي كركوك التي دخلتها “البشمركة” وسيطرت عليها. وهم ينتظرون هذه الفرصة السانحة منذ زمن بغية تعزيز حدود دولتهم.
وتقيم “داعش” دولة الموصل التي تمتد الى دير الزور في سوريا، وهي تصدر البترول الى الخارج بدعم من شركات تركية، وان الفرنسيين وبلداناً اوروبية اخرى تدعم “داعش” لتبقى قادرة على اقامة مشروعها وتمويله. وللشيعة دولتهم ايضاً في البصرة والمحافظات الشيعية الأخرى، والتي تملك بدورها مخزوناً كبيراً من النفط.
ويتخوف المرجع من هذه “المؤامرة الكبيرة” في المنطقة والتي تهدد في رأيه حدود المملكة الاردنية ايضاً، علماً ان ثمة جهات عربية واجنبية تدعم “داعش” والا لما استطاعت في هذه السرعة في الايام الاخيرة من السيطرة على هذا الجزء من الخريطة العراقية بدءاً من الانبار. وثمة آلة سياسية واعلامية لا تنفك عن التركيز على شعور ابناء الطائفة السنّية بالغبن في العراق وابرازه وسط وجود بيئة مساعدة على تحقيق مثل هذه الأمور.
وامام هذا الجدار المسدود بين القوى السياسية في العراق، لم يبق لدى هذا المرجع سوى دعوة العراقيين وتطبيق ما يعمل عليه المرجع السيد علي السيستاني للحفاظ على وحدة تراب العراق مجتمعاً وتركيزه على الأخوّة بين ابناء الطائفتين، وهو صادق في ما يقوله، وهذا ما تمثّل في دعوته المتطوعين للانضواء الى صفوف الجيش ووحداته النظامية ورفضه المظاهر الميليشيوية والتي ظهرت بعض صورها وتجلياتها في بغداد، اضافة الى مصادقة المحكمة الدستورية الاتحادية على نتائج الانتخابات النيابية الاخيرة وتأليف حكومة وحدة وطنية تضم كل مكونات العراقيين، والعمل على تلافي أخطاء الماضي.
في غضون ذلك ثمة اتصالات مفتوحة بين القيادات الشيعية السياسية والدينية في العراق وقيادتي حركة “امل” و”حزب الله”، وهما يقدمان لها نصائح نابعة من التجربة اللبنانية، وخصوصا انه جرت محاولات لاقامة دويلات طائفية في لبنان ولم تنجح لأسباب عدة، وفي مقدمها في رأي هذا المرجع “المقاومة التي تصدت لاسرائيل ولا تزال”.
ويدعو المؤيدين لـ”داعش” ولا سيما اذا كانوا من اللبنانيين الى قراءة سيناريو أعدته الاستخبارات الاسرائيلية عام 1982، تناول تقسيم البلدان العربية الى دويلات بحسب الهويات المذهبية لمناطقها. ومن يقرأه يظن ان سطوره كتبت قبل ايام، ومع ذلك فإن لبنانيين وعرباً لم يتعلموا الى اليوم، وهم يغرقون اكثر في وحول المذهبية والتقسيم.