IMLebanon

تدهور صورة فرنسا

لم يكد العالم ينسى صورة الرئيس الفرنسي الاشتراكي فرانسوا هولاند على الدراجة النارية مع القبعة (التي ساعدت في شهرة شركة صانعيها) وهو خارج من منزل عشيقته الجديدة إلا وسمع عن الرئيس الفرنسي السابق نيكولا ساركوزي الذي تم استدعاؤه من القضاء للتحقيق في قضايا مرتبطة بفساد بطريقة غير لائقة بالجمهورية الفرنسية. ورواية ساركوزي لطريقة استدعائه في ساعة متأخرة من الليل (الساعة الثانية فجراً) من قبل قاضيتين للتحقيق للمثول امامهن خلال ١٥ ساعة هي رواية مذهلة وتعكس بشاعة صورة الرئاسة.

صحيح ان القضاء في الانظمة الديموقراطية مستقل انما طريقة استدعاء ساركوزي كانت مذلة لصورة الرئاسة. كما كانت صورة هولاند على دراجته النارية وهو يخرج كالمراهق من مكان لقاء عشيقته سلبية لصورة الرئاسة في فرنسا. فالرئيس الاشتراكي الراحل فرانسوا ميتران رغم انه خلف رئيساً يمينياً من العائلات النبيلة هو فاليري جيسكار ديستان أعطى للعالم ولفرنسا صورة ملكية عن الجمهورية خلال عهده. فرغم حياته الخاصة وصديقته السرية التي انجبت له ابنته مازارين التي اعترف بها قبل وفاته فقد تمكن بقيادته ان يغطي على هذه الامور وان كانت الرئاسة انتكست خلال عهده ببعض الفضائح ولكن صورته في العالم كان لها بريق بين كبار السياسيين. ويقول وزير الخارجية الفرنسي السابق هوبير فيدرين عن ميتران انه كان بمثابة مدرسة له. ولكن فرنسا تغيرت. فقد زالت صورة فرنسا ديغول في العالم مع مشاهد هولاند على الدراجة النارية وساركوزي في مركز الشرطة يخضع للتحقيق بطريقة مذلة في استجواب ليلي كان يمكن ان يتم بطريقة قضائية بحتة ولا يظهر وكأنه انتقام سياسي من اعداء رئيس الجمهورية السابق.

صورة الرئاسة الفرنسية منذ نهاية عهد الرئيس السابق جاك شيراك بدأت تتدهور. فساركوزي خسر الرئاسة لأن الشعب الفرنسي لم يحبذ اسلوبه ولا طريقة تعامله مع الناس وتوتره الدائم عندما يفقد اعصابه مع محيطه. والفرنسيون لم يحبذوا ايضاً عرض ساركوزي قضاياه الشخصية من مشاكله مع زوجته السابقة سيسيليا ثم طلاقهما ثم حكاية غرامه في الصحف مع المغنية الجميلة كارلا بروني التي أصبحت زوجته. فكثيرون من مؤيدي اليمين الفرنسي صوتوا لهولاند ضد ساركوزي لأنهم تعبوا منه. وجاء هولاند يعدهم بأنه سيتبع اسلوب الرئيس العادي. ولكنه سرعان ما خيب أمل من صوتوا له وتبين ذلك من استطلاعات الرأي التي اظهرت نسبة متدنية غير مسبوقة لشعبية الرئيس الفرنسي بعد سنتين من ولايته. فحياته الشخصية اساءت جداً لصورته. كما أن قلة التنظيم في ادارته للحكم وفي محيطه زادت تدهور شعبيته. اضافة الى ازمة اقتصادية متفاقمة عالجها بالمزيد من الضرائب على جميع الطبقات. ثم وعد بالتراجع بتخفيض الضرائب على الشركات مقابل خلقها فرص عمل. ولكن ارباب العمل تذمروا من بطء تنفيذ القرار. وبنتيجة الازمة الاقتصادية أعطيت الاولوية في ادارة شؤون الرئاسة للتوفير على جميع الأصعدة. فالطباخ في القصر الرئاسي مثلاً عليه ان يبحث عن الاقتصاد في سعر السلع التي يقدمها للضيوف قبل ان يهتم بنوعية الطعام. فمظاهر الرئاسة الفرنسية العريقة الفخمة التاريخية التي تبهر الزائر الاجنبي بجمال قصورها تدهورت مع تدهور أسلوب القيادات فيها والازمة الاقتصادية المتفاقمة. وتقلص دور فرنسا وتأثيرها في العالم نتيجة ذلك.

على رغم ان للرئيس هولاند مواقف جيدة من عدد من الملفات الدولية في لبنان وسورية والعراق وإيران لم يعد لفرنسا الثقل الذي كان لها في الماضي عندما أخرج ميتران ياسر عرفات من لبنان او عندما عارض جاك شيراك الولايات المتحدة في حربها في العراق او عندما كان يزوره عرفات ويصفه بـ «الدكتور شيراك» ويطلب منه النصائح. انتهى هذا العهد. ضعفت فرنسا وقيادتها ومعها صورة الجمهورية التي بلغت ذروة التدهور في طريقة توقيف الرئيس السابق نيكولا ساركوزي. وهناك من يتوقع ان يصوت الفرنسيون بعد ثلاث سنوات لليمين المتطرف بزعامة مارين لوبن، ولكن تدهور القيادة الفرنسية قد يوقظ الناخبين ويجعلهم يتجنبون اختيار لوبن التي ليس لديها اي خبرة في الحكم والتي تريد المجازفة بالخروج من اليورو وغيرها من الافكار المتطرفة. والرهان هو ان الشعب الفرنسي في عام ٢٠١٧ سيبحث عن رجل دولة له خبرة يعيد الى فرنسا رونق الرئاسة الذي فقدته. ولا تزال هناك شخصيات يمكن ان تشغل المنصب بأسلوب افضل مما نشهده الآن.