IMLebanon

ترامب يحول «الحركة» الشعبية إلى حزب جديد

عندما دخل الرئيس الأميركي السابق بيل كلينتون إلى البيت الأبيض (1993) ترافقه السيدة الأولى هيلاري، سأله الصحافيون ما إذا كان يتوقع في المستقبل فوز امرأة بهذا المنصب المميز!

عندها نظر كلينتون الى زوجته، وأجاب عن السؤال بالقول: إذا كان لا بد من دخول سيدة الى هذا المبنى، فأنا أتمنى أن تكون هيلاري أول مَنْ يدشن عملية الاختراق السياسي.

الأسبوع الماضي أعادت القنوات المحلية بث تلك اللقطة، على أمل أن تصدق توقعات زوجها وتكون هيلاري أول امرأة أميركية تدخل الى البيت الأبيض.

صباح الأربعاء الماضي، خيَّب المرشح الجمهوري دونالد ترامب أمل زوجها، مثلما خيّب أمل الرئيس باراك أوباما وزوجته ميشيل، اللذين خالفا الأصول المرعية، وشاركا في حملات تأييد مرشحة الحزب الديموقراطي.

وكان أداؤهما أمام الجماهير في اريزونا ونيفادا وكارولينا الشمالية وفلوريدا ملفتاً للحشود التي تجمعت للاستماع عن مرشح عنصري قضى حياته ينتقد النساء، ويحتقرهن.

وحذرت ميشيل أوباما في خطبها من مرشح يهين أكثر من نصف الشعب، ويفتقر الى المواصفات اللازمة لكي يكون رئيساً. كذلك حضّ زوجها الأميركيين الأفارقة على التصويت للمرشحة هيلاري، خصوصاً بعدما تبنت حركة «كو كلوكس كلان» العنصرية ترشيح ترامب، معلنة عزمها حشد النازيين الجدد والبيض في الولايات المتحدة.

واتهم روبرت موك، مدير حملة هيلاري، رئيس مكتب التحقيقات الفيديرالي (اف بي آي) بعدم الإنصاف، كونه نشر تحقيقاً حول البريد الإلكتروني للسيدة كلينتون، في حين لاذ بالصمت حيال مزاعم تتهم ترامب بأنه يغازل الرئيس الروسي فلاديمير بوتين. وقد وصفه بالحاكم المقتدر بعكس أوباما، الضعيف والمتخاذل.

وكان واضحاً من تركيز ترامب على انتقاد الرئيس أوباما أنه يريد إحراج هيلاري، التي تعهدت بمواصلة سياسة الرئيس الديموقراطي والدفاع عن إنجازاته الداخلية والخارجية.

وعلى امتداد سنة تقريباً، واصلت وسائل الإعلام الأميركية – المكتوبة والمرئية والمسموعة – حملتها الضارية ضد ترامب وزوجته ميلانيا ذات الأصول السلوفينية.

كما ركزت صحف روبرت مردوخ – وخصوصاً جريدة «وول ستريت جورنال» على الترويج لاحتمالات سقوط رجل الأعمال، قطب العقارات، مرشح الحزب الجمهوري دونالد ترامب. وكذلك فعلت قناة «سي إن إن» وصحيفة «نيويورك بوست» التي استعاضت عن ذكر اسمه باستخدام كلمة «الكارثة» كبديل عن ذلك.

ويبدو أن حملة التجريح التي شنتها جريدة «نيويورك تايمز» كان لها أبلغ الأثر على سمعة ترامب ونشاطه الانتخابي، بدليل أنه هاجم منقذها من الإفلاس، البليونير المكسيكي اللبناني الأصل كارلوس سليم.

خلال الأشهر الستة الأخيرة، لم يعد ترامب يعبأ بالحملات الإعلامية التي اعتبرها امتداداً طبيعياً للقوى السياسية الساخطة على دوره. أي القوى التي ترى فيه ظاهرة جديدة تقوم على مخاطبة مواطن الضعف التي يعانيها شطر عريض من السكان البيض. وهذا الشطر يجمع بين الهشاشة الاقتصادية والعزلة الإقليمية، ولهذا يرى في ترامب القدوة والمرشد.

وتفيد استطلاعات الرأي بأن كراهية المهاجرين، لا فرق أكانوا من المكسيك أم من العالم الإسلامي، هي العامل الأول في بروز ترامب والتيار الذي يناصره. ويرى هذا الفريق من الناخبين أن الحزبَيْن الرئيسيَيْن، إضافة الى الأحزاب الصغيرة الأخرى، لا تتوجه اليه، ولا يشغلها ضمّه اليها، ولا دعوتها الى الانخراط في حركته. وربما كان هذا هو السبب الذي دفع كاتب خطاب ميلانيا ترامب على استخدام كلمة «حركة» للتعبير عن حملة زوجها، وإظهارها بمظهر وسيلة تواصل جديدة ربما تنتهي بإعلان حزب ثالث يستقطب هذه الشريحة الكبيرة من المواطنين المنتشرين في خمسين ولاية.

وهناك مَنْ يذهب، في هذا السياق، الى أبعد من هذا الحل، ليؤكد أن مستشاري ترامب شجعوه على اختطاف الحزب الجمهوري عقب الانقسامات التي شهدتها القيادة مع الناخبين. وقد اشتدت وطأة تلك الانقسامات بعد نهاية ولاية جورج دبليو بوش الثانية.

يومها سعى بوش الى تعديل قوانين الهجرة بهدف منح اللاجئين غير الشرعيين فرصة الحصول على الجنسية الأميركية. وقد ساعده على تنفيذ هذا المسعى الاضطراب الاقتصادي العميق الذي تزامن حدوثه مع انهيار المؤسسات المالية الكبرى سنة 2008.

الصحف في حينه أبرزت الشرخ الاقتصادي القائم، إضافة الى تداعياته وتأثيره في السكان البيض الذين يؤلفون ما نسبته ثمانون في المئة من نواة الحزب الجمهوري. وكان من نتائج المعاناة الطويلة حرمان هذه الطبقة من فرص النجاح بحيث ارتفعت نسبة المدمنين والمنتحرين والمهمشين.

ويقول روبرت دي بوتنام، المحاضر في جامعة هارفرد: إن خطب ترامب شكلت مادة قابلة للاشتعال في هذا الهشيم الاجتماعي اليابس!

واستناداً الى هذا الواقع المظلم، ذكر ترامب في خطبة الفوز عبارة قصيرة تشير الى اهتمامه بإعادة ترميم الحزب الجمهوري المفكك، إذ قال: لن يكون بعد اليوم مواطن واحد غير مرغوب فيه… بيننا.

وفي المناظرة التي شهدت رفض الاتفاق النووي المبرم مع ايران، هدد دونالد ترامب باحتمال خوضه معركة الرئاسة مستقلاً، في حال امتنع الحزب عن ترشيحه. والثابت أن القيادة خشيت من تمرد القاعدة… ومن تأثير شعبية المرشح الجديد على وحدة الحزب وتماسكه!

ردود فعل شخصيات الحزب الجمهوري لم تكن مشجعة إطلاقاً، خصوصاً لدى العائلات التي تؤمن بالقيم التقليدية. وهي ترى في الصور العارية التي نشرتها المجلات الأميركية والبريطانية لميلانيا، عارضة الأزياء السابقة، خروجاً على الخط الذي عرفته المرشحات لنيل لقب السيدة الأميركية الأولى.

ابنته المفضلة ايفانكا، المتزوجة من شاب يهودي، كانت «الدينامو» المنظم للحملة الانتخابية. ومع أنها صوتت لوالدها، إلا أنها تبرأت من الانتماء للحزب الذي يمثله، معلنة استقلالها عن سلوك العائلات المحافظة.

قبل اجتماعه بالرئيس أوباما يوم الخميس الماضي، اطلع ترامب على تفاصيل الحوادث التي استهدفت مؤسساته في نيويورك وشيكاغو وواشنطن ولوس انجليس وسياتل ومدن كاليفورنيا ودالاس وفرجينيا. كذلك عمّت تظاهرات الاستياء شوارع المدن الأميركية، مرددة هتافات بسقوط الفاشي… النازي. ونشرت الصحف تفاصيل التعبئة المرتجلة التي قام بها الكتـّاب وطلاب الجامعات والفنانون وممثلو المسارح والسينما، إضافة الى جاليات مختلفة الانتماءات.

ولمحت تعليقات الصحف الى الاتهامات الصامتة التي حملها ترامب في صدره ضد الرئيس الذي كان له الدور الأول، مع زوجته ميشيل، في التحريض ضده. ولكن نتائج الانتخاب تقضي باحترام إرادة الجماهير التي أعطت مرشح الحزب الجمهوري فوزاً لم يعرفه أي رئيس آخر قبله. وقد وصفه أحد المعلقين بـ «الملك المنتَخَب» لأنه يعتمد على دعم الكونغرس ومجلس النواب، الأمر الذي لم يتوافر لأي رئيس آخر.

ولكن هذا النجاح المنقطع النظير لم يسلـَم من الشكوك التي رافقت نتائج انتخابات ربحها ترامب بطرق ملتوية. ذلك أنه أشاد بالديكتاتوريين وفتح مجال التأويل لأمور غامضة وملتبسة. لذلك امتدحه الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، وتوقع إعادة العلاقات الكاملة مع واشنطن في عهده.

وقد رأى مرشد النظام الايراني علي خامنئي في انفتاح دونالد ترامب على بوتين نقلة نوعية يمكن أن تحافظ على الاتفاق النووي، وتخرج النفوذ الأميركي من العراق، وتثبت النظام الجديد في لبنان بعد انتخاب ميشال عون.

المراقبون في عواصم العالم لم يأخذوا خطبه أثناء الحملة الانتخابية على محمل الجد، لأنه ألغى كل الاتفاقيات السياسية التي عقدها الحزبان على امتداد خمسين سنة. والأمثلة على ذلك أنه أشاد بصدام حسين، وطالب بتغيير سياسة عزل كوريا الشمالية.

وجاءت إشادته بصدام بعد وصفه له بالشخص السيئ، الذي عرف كيف يقتل الإرهابيين بطريقة جيدة. أما بالنسبة لخطر الزعيم الكوري الشمالي كيم جونغ أون، فقد أحاله على الصين كقوة ضاغطة يمكنها تدجينه وردعه.

الدول العربية على العموم ليست مطمئنة الى السياسة الخارجية التي سينتهجها ترامب، بالرغم من التطمينات التي قدمها مستشاره للشؤون الخارجية وليد فارس، وصديقه في شراء العقارات الزحلاوي توم باراك.

وتنظر الدول العربية الى ترامب نظرة مشوبة بالحذر منذ إلقاء خطابه المعادي للمسلمين، الأمر الذي أثار المخاوف والتحفظات.

وذكرت الصحف المحلية في الولايات المتحدة أن هناك أكثر من مليون ناخب مسلم قد سجلوا للمشاركة في عملية الاقتراع. علماً أن عدد المسلمين يتجاوز الـ3.3 مليون، أي ما يمثل حوالى واحد في المئة من عدد السكان. وهم في غالبيتهم موزعون داخل ولايات ميتشيغان وفلوريدا وبنسلفانيا وفرجينيا. وكان تصويتهم في السابق منصباً على دعم مرشح الحزب الجمهوري، الى أن جاءت عملية غزو العراق، الأمر الذي دفعهم الى الانكفاء على الذات، والتلهي بمراقبة صور الحروب المندلعة في ليبيا واليمن وسورية والعراق!