يترجّل وزير الدفاع سمير مقبل بحماسة ونشاط من سيارته. يبادر الى إعطاء مرافقه من أمن الدولة نظارتيه قبل أن يهمّ بالدخول الى قاعة مجلس النواب ليداوم، كالعادة، لدقائق قليلة على مسرح النصاب المفقود، ثم يعود أدراجه الى الوزارة.
هذه المرّة الحماسة تكاد تكون مصطنعة. فالرئيس ميشال سليمان يغادر القصر الجمهوري تاركا خلفه «يَتيمين» ووزيرا سينتقل من المربع الوسطي الى بيئة حاضنة أكثر دفئا.
وزير الدولة لشؤون البيئة في عهد الياس الهراوي كان يشعر بفائض من الارتياح في حكومة رفيق الحريري الحديدية، وتنفّس الاوكسجين الوسطي بانتظام منذ تعيينه نائبا لرئيس الوزراء عام 2011 في حكومة نجيب ميقاتي وصولا الى حكومة تمام سلام. لكن نهاية عهد «فخامة الحيادي» ستُشعر سمير مقبل بكثير من الغربة.
هكذا يُفترض. لكن بوجود النائب وليد جنبلاط، الوسطي العنيد، يمكن توقّع المزيد من عروض التوهّج لأبطال الفيلق المحايد في حكومة فتحت لها أبواب قدر استلام صلاحيات الرئاسة الأولى بعد أن كاد رئيسها، في محطات التأليف السلحفاتي، أن يخلع بزّة التكليف أكثر من مرّة صارخا «استسلمت».
لا يجدر إذًا بسمير مقبل أن يشعر بهذا الكمّ من اليتم. الى جانبه باقة من الوسطيين الذين قد يخفّفون عنه ثقل الافتراق عن صديقه الرئيس. أولهم وزيرة شؤون المهجرين. أليس شبطيني التي وجدت نفسها، بين ليلة وضحاها، في «حكومة العجائب» بقرار شخصي من رئيس الجمهورية نكاية بميشال عون.
الى جانب أليس شبطيني هناك وزير الشباب والرياضة العميد السابق عبد المطلب حناوي. هؤلاء شكّلوا «ثلاثية» سليمان في حكومة «توافقات المتعة». تؤازرهم قوة جنبلاط «الضاربة»: وائل أبو فاعور وأكرم شهيب. وعلى رأس الهرم الوسطي تمام سلام، ومعه الوزير محمد المشنوق.
حتى الساعة لا يمكن أصلا توقّع مصير الحكومة نفسها، وليس فقط مصير «التركة» السليمانية. «العونيون» يلوّحون… ولا يلوّحون بعظائم الأمور. القرار بمقاطعة جلسات التشريع واضح، لكن الاعتكاف عن حضور جلسات مجلس الوزراء لا يزال في طور الدرس والنقاش. الاثنين مبدئيا هو يوم الحسم.
سيكون مفهوما تغيير قواعد اللعبة بعد 25 أيار. فما كان متاحا قبل هذا التاريخ قد لا يصحّ بعده. صحيح أن المحور المسيحي – السني – الشيعي صَنَع ما كان يعدّ من المعجزات في حكومة نجيب ميقاتي بفعل غياب المناخ التوافقي الاقليمي آنذاك بحدّه الأدنى، إلا أن لمسات «البيك» الدرزي كانت طاغية في أكثر من مكان بتنسيق، كتفا على الكتف، مع نبيه بري.
اليوم، ثمّة علامات استفهام ترتسم في أجواء «عشّاق» الوسطية. المرحلة جدّ رمادية الى حدّ الضياع بين سيناريوهات من «هبّ ودبّ»، لكن «الغانديين» الخارجين من تحت عباءة الاصطفافات تتملّكهم هواجس حقيقية: ما مصيرنا في مرحلة الشغور الرئاسي، وما بعده؟
وليد جنبلاط هو وليد جنبلاط. حالة قائمة ومسيطرة ومؤثّرة حتى إشعار آخر. اليوم هو وسطي. غدا قد يلتحق باجتماعات بيت الوسط، أو يقفز الى الضاحية لإلقاء التحية على «السيّد». تمام سلام مواظب على وسطيته. لكن ماذا عن أليس شبطيني؟
المرشّحة السابقة من قبل رئيس الجمهورية الى منصب رئيس مجلس القضاء الأعلى، لا تزال تثير الحيرة. ما الذي يمكن أن يدفع ميشال سليمان الى إنهاء عهده بوجه «فريد من نوعه» مثل أليس شبطيني؟
الكفاءة في القضاء (مع العلم أنها تعرّضت لحملة سابقا بسبب تصديقها على قرارات بإخلاء سبيل عدد من المتهمين بالتعامل مع اسرائيل) لا تعني بالضرورة شطارة في السياسة. الأمثلة كثيرة. حين قرّر سليمان تلوين عهده بوجه أنثوي اختارها من دون تردّد.
للأمانة، هي الوحيدة التي اقترحت حلّا إنقاذيا، إبّان الصراع على بند المقاومة في مداولات تأليف الحكومة، باستبدال كلمة مقاومة بـ «حزب الله»! ممثّلة فريق الرئيس سليمان في الحكومة تقول: «إن المقاومة أعلى من البيان الوزاري وستبقى موجودة مهما حصل»ّ!
تصرّ على أن كل ما يصدر عنها من مواقف يأتي في سياق رأيها الشخصي ومواقفها لا تلزم أحدا على الاطلاق. فهل هو «سولو» وزاري؟.
للأمانة أيضا ثمّة من يردّد بأنها كدّت واجتهدت لكي تبرز بصماتها، واستطرادا بصمات الرئيس، على إنجاز بريح. واقع لا يخفي الأساس. جنبلاط أراد، فكانت العودة. هدية ثمينة، وعربون تقدير حجبه طويلا عن ميشال عون، ثم قدّمه لفخامته على أبواب نهاية العهد.
على الأرجح سنتوقّع لجوءاَ أنثويا من شبطيني الى المقلب الجنبلاطي حيث «الأمان والانسجام». قد تشعر حتى بالوحدة مع فريق «البيك» وسط تفاهمات فوقية كاتمة للصوت يُراد لها أن تنتزع «بيضة التوازن» من يد الزعيم الدرزي.
لكن غياب الرأس، على ما يبدو، لن يفقد وزيرة الرئيس مرجعيتها بشكل كامل. ستبقى على تنسيق مع وليّ النعمة الحكومية في الشاردة والواردة. هذا محتّم. والتصويت لن يكون سوى انعكاس لصوت فخامته. ينطبق الأمر على الصديق سمير مقبل.
مع عبد المطلب حناوي تختلف الصورة. صحيح أن المستشار العسكري السابق لميشال سليمان سعى بكل قواه للتمديد قناعة منه بضرورة استمرارية الرئاسة الأولى، الا أن نهاية العهد لن تشعره تماما بغياب السند.
الضابط السابق على علاقة جيدة مع «حزب الله» والرئيس نبيه بري. زيت العهد، الذي أتى به وزيرا في أشهره الأخيرة، «نشّف» قبل أن يتسنى له أن يبرز عضلاته التوفيقية بين بعبدا والضاحية. دورٌ أراده شبيها نوعا ما بذاك الذي لعبه عديله مصطفى ناصر في ملف العلاقة بين الرئيس رفيق الحريري والسيّد حسن نصرالله.
حناوي الوسطي لن يجد صعوبة في التأقلم مع توازنات المرحلة ومتطلّباتها. سيجد نفسه، لا شعوريا، وعند الضرورة، ومن دون أن يقطع الجسور مع رفيق السلاح، في حضن الثنائي الشيعي، ليس كوزير ملك، بل بحكم حسابات الأرض.
لا غبار على كونه سيبقى صوت الرئيس في السرايا، لكن حين تكون الأمرة لرأسيّ الطائفة، وفارق الصوت الواحد يحسب له الحساب، فما على وزير الشباب والرياضة سوى السير مع القافلة.