كلّ حربٍ بلا أهداف سياسيّة، عبارة عن انتحار جَماعي بلا معنى. هدفُ كلّ حرب في النهاية، تحقيق شروط سياسيّة وقواعد اشتباك جديدة، في ظلّ نزاع طويل. وهذا ما بدأت تُحقّقه المقاومة الفلسطينيّة.
غزّة بدماء أبنائها ودمارها، تقترب من كتابة فصلٍ جديد من فصول النزاع في فلسطين. لن تَنتهي هذه الحرب إلّا والحصار قد رُفِع عن القطاع، وقد نُفّذت غالبية شروط المقاومة.
لا نقاشَ في أنّ الفلسطينيّين انتصَروا في هذه الجولة، وألحقوا بإسرائيل ورئيس حكومتها هزيمةً سياسية، وأخلاقية، وعسكريّة، ستترك أثرَها على كلّ ملفّات الإقليم.
بعد انتهاء حرب تمّوز 2006، وقَف الأمين العام لـ»حزب الله» السيّد حسن نصرالله، وتحدَّث عن نتائج استراتيجيّة للمواجهة التي حصلَت بين المقاومة اللبنانيّة وإسرائيل.
ثمَّة مَن ينظر إلى «المستنقع» الذي غرِقت فيه إسرائيل في غزّة، والخسائر الكبيرة التي تكبَّدها كيان الاحتلال، على أنّه جزء من النتائج الاستراتيجية التي تحدَّث عنها نصرالله. المقاومة الفلسطينية قامت بمحاكاة تجربة «تمّوز اللبنانية»، ونجَحت في الصمود وفرض شروطها، وهي في الطريق لكي تُحرز جلّ ما طالبت به.
الزيارات التي تشهدها المنطقة، والاتصالات السرّية والعلنيّة، تشير إلى بداية حراك سياسي جدّي لوقف العدوان على غزّة. بعض المصادر المتابعة بدأت تتحدَّث عن قرب الاتّفاق على شروط وقف إطلاق النار، على قاعدة المبادرة المصرية لكن بتعديلات جوهريّة تُلامس ما طالب به الفلسطينيون.
والبعض الآخر بدأ يتحدّث عن مرحلة ما بعد الحرب على غزّة، وكيف ستنعكس نتائجها على مجمل علاقات الإقليم وملفّاته. وهناك من يجزم بنتائج استراتيجية لِما يحصل في فلسطين على مجمَل النزاع وبؤَر التوتّر والاشتباك في الإقليم.
وسط هذا الزحام في المشهد، وصدارة الدماء على كلّ الشاشات، والاضطراب الممتدّ والمتمدّد بين معظم العواصم العربية، يتحدّث بعض الأوساط عن أنّ مرحلة ما بعد الحرب على غزّة، ستتفتح تطوّرات إقليمية وانفراجات على أكثر من صعيد.
في الشقّ الفلسطيني سنكون أمام مشهد أفضل، ومحاولات جدّية لإنهاء الخلاف والعمل على إنجاح المصالحة وترتيب البيت الداخلي الفلسطيني، تمهيداً لجولات أخرى في النزاع الطويل مع إسرائيل. هذا المشهد يحتاج لتوافقات إقليمية ودولية قد تؤمَّن في سياق البحث عن حلّ لوقف الحرب
الدائرة الآن.
أمّا عراقياً فمِن الواضح أنّ مسار «ترميم» العملية السياسية قد انطلق، والإشارة الأولى كانت بالتفاهم على انتخاب رئيس للبرلمان، واستكمال ذلك بانتخاب رئيس للجمهورية، وبعدها رئيس الوزراء.
قد يستغرق تكوين السلطة وقتاً ليكتمل، لكن ثمّة مؤشّرات على بداية تفاهم سياسي إقليمي – دولي لمنعِ التقسيم والإبقاء على «الوحدة الفدرالية» الموجودة في الدستور، أي نظام محاصَصة محلّي يُترجم النفوذ الدولي والإقليمي. وفي هذه النقطة كانت لافتةً الضغوط التي مارسَتها واشنطن لثَنيِ الأكراد عن القيام بخطوات إضافية تُفضي إلى إعلان الاستقلال بخلاف رغبة إسرائيل.
قال وزير الخارجية جون كيري في لقاء تلفزيوني اميركي: «إنّ الولايات المتحدة تشبه قاطرة كبيرة وهي تحتاج وقتاً لكي تستدير إستدارة كاملة». هذا الكلام يمكن إسقاطه على موقفها من الأزمة السورية.
فالإدارة الاميركية اقتنعت بأنّ الملف الحيوي والأهمّ بالنسبة الى مصالحها في سوريا والعراق هو ملفّ «مكافحة الإرهاب». لن تُغيّر واشنطن من خطابها وسياساتها المعلنة حيال النظام السوري، لكنّها ستجد نفسَها وقد تقاطعت معه موضوعياً عندما تُقرّر الانخراط جدّياً في مكافحة الإرهاب.
إحتمالات الانفراج بعد الجولة الدامية التي تشهدها فلسطين واردة. ليس أمام المجتمع الدولي والاقليمي خيارات واسعة. البديل عن التسويات والتفاهمات سيكون مزيداً من الفوضى وانعدام الرؤية والحروب.
إذا صحَّت نظرية «حتمية التفاهم» على مستوى المنطقة، سيكون لبنان أمام فرصة انتخاب رئيس للجمهورية، مستفيداً من تلك المناخات. البعض يتحدّث عن تكرار سيناريوهات سابقة، حيث أفضَت التفاهمات الإقليمية – والدولية إلى رئيس «توافقي». المؤكّد عند الجميع أنّ بداية الحديث عن تسوية «انتقالية» للأزمات التي تشهدها المنطقة، هو بداية البحث الجدّي عن شخصية تُمثّل نقطة تقاطع بين جميع اللاعبين.