اتسمت المعالجة اللبنانية الرسمية لقضية العسكريين المخطوفين غداة الجلسة الاخيرة لمجلس الوزراء بتطور واضح على المستويين السياسي والعسكري ضمن معادلة التشدد في رفض المقايضة واظهار التصميم على احباط محاولات التنظيمات الارهابية لاستغلال أي نقاط ضعف داخلية يمكن ان تعتري المواجهة من جهة، والافساح لأطراف اقليميين أو دوليين في التفاوض لاسترداد المخطوفين سالمين من جهة اخرى. ولعل هذه المعادلة برزت في الساعات الاخيرة بملامح المسح الامني الوقائي الواسع الذي يقوم به الجيش في كل المناطق، والذي يشمل خصوصا مراكز تجمعات اللاجئين السوريين، بما يعكس التشدد في مراقبة الجبهة الامنية الداخلية اسوة باجراءات تعزيز انتشاره في محيط عرسال. وهي خطوات تتزامن مع مواكبة حكومية يومية لمسار الاتصالات السرية التي برزت على خطه في اليومين الاخيرين وساطة قطرية بدا انها نجحت امس في الاتصال بالجهة الخاطفة وفتح باب التفاوض معها.
وفي هذا السياق، رأس رئيس مجلس الوزراء تمام سلام امس اجتماعا لخلية الازمة المكلفة متابعة ملف العسكريين المخطوفين والمفقودين. وعلمت “النهار” من مصادر وزارية أن لبنان أبلغ الجهات المعنية أن أي أذى يلحق بالمخطوفين هو “خط أحمر” وسيرد عليه لبنان بالشكل المناسب. وأوضحت هذه المصادر المستويات التي تتم على أساسها اتصالات الخلية وهي ثلاثة:
الاول، التأكد من أعداد المخطوفين بعدما تبيّن ان رقم الـ 28 مخطوفا الذي أبلغ لمجلس الوزراء أول من أمس هو الادنى في حين ان هناك عنصرين لم يتضح مصيرهما بعد، كما يجري التأكد من مكان وجود المخطوفين وكيفية توزعهم.
الثاني، الحفاظ على سلامة المخطوفين.
الثالث، تحيّن الفرص لإعادة المخطوفين سالمين.
وأضافت ان هذه الاتصالات لم تؤد الى جلاء أي من هذه المستويات الثلاثة في ما عدا كون المخطوفين أحياء ووجودهم متنقلا. وأشارت الى ان الحكومة أبلغت الجهات المعنية بالتفاوض أن في يد الدولة اللبنانية أوراقا لعدم التعرض للمخطوفين منها تنفيذ الاحكام القضائية في حق المحكوم عليهم الذين يطالب الخاطفون بهم، كما أن هناك خلايا لـ”داعش” و”جبهة النصرة” في لبنان تحت رقابة الاجهزة الامنية وسيكون أفرادها في خطر في حال التعرض للمخطوفين.
وذكرت ان غياب وزير المال علي حسن خليل عن اجتماع خلية الازمة امس قد أستبقه الوزير خليل بابلاغ مجلس الوزراء انه مضطر الى السفر ولن يكون حاضرا في الاجتماع الاول للخلية الذي انعقد امس.
من جهة أخرى، قالت المصادر لـ”النهار” ان وفدين فرنسيين وزاريا ونيابيا سيزوران لبنان تباعا الاسبوع المقبل.
التحرك القطري
ونفى وزير الداخلية والبلديات نهاد المشنوق لـ”النهار” ردا على سؤال علمه بوجود أي موفد رسمي أو أمني قطري على الاراضي اللبنانية، مشيرا الى ان المعلومات المتداولة تقول ان هناك موفدا غير قطري ومن المرجح أنه حصل على ضمانات لعدم إلحاق أي أذى بأي من المخطوفين من تنظيم “داعش” و”جبهة النصرة”.
ووصف اجتماع خلية الازمة الذي رأسه الرئيس سلام امس في السرايا بأنه كان “ممتازا” ووضعت خلاله خطة تحرّك شاملة وخصوصا في اتجاه أهالي المخطوفين والجيش والقوى الامنية. وسيكون الاجتماع التالي للخلية الاسبوع المقبل.
ومن المقرر أن يزور الوزير المشنوق قطر بعد غد الاثنين يرافقه المدير العام للامن العام اللواء عباس إبرهيم لحضور اجتماع الامانة العامة لوزراء الداخلية العرب. وستكون الزيارة فرصة لإجراء مشاورات مع الجانب القطري في شأن تطورات قضية المخطوفين. وقال المشنوق في هذا الصدد إن دولة قطر “لا يأتي من مساعيها إلا الخير على لبنان”.
في غضون ذلك، عكست المعلومات التي ترددت عن الوساطة القطرية طبيعة التعقيدات التي تواجهها مع تنظيمي “جبهة النصرة” و”داعش” مع ان تحرك هذه الوساطة بذاته عد تطوراً ايجابياً. ولكن قبيل الـتأكد من انطلاق هذا التحرك بادرت “النصرة” الى بث شريط فيديو وزعت عبره رسائلها التهديدية في اتجاهات مختلفة محذرة “اهل السنة” كما “الشيعة” كما سائر الطوائف اللبنانية من “نصرة حزب ايران”، كما ضمنت الشريط تسجيلاً لتسعة من العسكريين اللبنانيين المحتجزين لديها يتحدثون عن رفضهم دفع ثمن تدخل “حزب الله” في سوريا.
وأفادت معلومات اعلامية ان موفداً قطرياً توجه الى منطقة القلمون السورية حيث التقى المسؤول عن “النصرة ” أبو مالك، التلي فيما تحدثت معلومات أخرى عن ايفاد الجانب القطري شخصية سورية للقاء التلي . وتعثر لقاء الشخصية السورية مع “داعش ” أول الامر، لكن المعلومات التي ترددت مساءً افادت ان اللقاء تمّ وان الشخصية السورية تبلغت من التنظيم رغبته في رؤية الموفد الاساسي شخصياً وانه يطالب بالمقايضة بين المخطوفين العسكريين والسجناء الاسلاميين في سجن رومية.
جعجع
على صعيد آخر، علمت “النهار” أن رئيس حزب “القوات اللبنانية” سمير جعجع سيتناول بالتفصيل أحداث عرسال وتداعياتها في كلمته لدى إحياء ذكرى “شهداء المقاومة اللبنانية” في معراب اليوم، وسيسأل لماذا يرفض فريق 8 آذار سيطرة لبنان على حدوده باستخدام ما يتيحه القرار الدولي 1701، وسيحيي الكلام عن “الربيع العربي” الذي “لا بد أن ينتصر ويرسي قيم الحرية والديموقراطية والتعددية واحترام الإنسان”، على رغم كل ما يمرّ به من صعاب اليوم. ويعرض أيضاً نظرته إلى “داعش” باعتباره ظاهرة مشبوهة ولا يمت بصلة إلى الإسلام والعروبة، مقارناً وحشية هذا التنظيم الإرهابي في القتل علناً ووحشية من قتلوا قادة قوى 14 آذار في الخفاء، ومؤكداً أن “الأخيرين هم الأشد خطراً على لبنان، وأن النظام السوري هو أيضاً لا يقل إجراماً عن داعش”.
وسيشدد جعجع على رفضه الدعوات إلى “الأمن الذاتي” والتمسك بدعم الجيش اللبناني والأجهزة والمؤسسات الرسمية، مطمئناً المسيحيين إلى دورهم وحضورهم في لبنان. كما سيحذر من محاولات بعض الجهات العبث بالدستور وتغيير مفاهيم الدولة الحديثة والمكرسة في الدستور اللبناني من خلال الأمن والسياسة والاقتصاد والمجتمع، معتبراً أن “هذا البعض يسعى إلى قطع رأس الجمهورية وأخذ لبنان رهينة”. وسيصف عملية فرض الفراغ في رئاسة الجمهورية التي يتولاها مسيحي بأنها “جريمة موصوفة”، مندداً بـ”الشخصانية القاتلة” و”رفض التعاون”.