IMLebanon

تشدُّد أمني جنوباً وترقّب شمالاً… والرواتب تنتظر التشريع

الحرب الإسرائيلية الجديدة على غزّة فاقمَت المخاوف الأمنية في لبنان من محاولات نقل الأصوليين معركتَهم إلى جنوبي الليطاني بخلفية مزدوجة: نصرة «حماس» والمزايدة على «حزب الله» في مواجهة إسرائيل، وما بين الخلفيتين استجلاب الحرب الإسرائيلية بعد السوريّة إلى لبنان. فقدَرُ هذا البلد أن يكون ما بين نارَين، نار إسرائيلية على الأخوة الفلسطينيين في غزّة ألهبَت مشاعر المسلمين وأحيَت المخاوف من تمدُّدها إلى لبنان، وحرب سوريّة متواصلة منذ آذار 2011 تمدّدت جزئياً عبر التفجيرات والتوتّرات الأمنية، وكادت أن توحّد الساحتين لولا تأليف حكومة الرئيس تمّام سلام وقيام مظلّة وطنية جامعة. وفي هذا الوقت انشغلَت الأجهزة الرسمية الديبلوماسية والأمنية في تكثيف الاتصالات السياسية والإجراءات الميدانية لقطع الطريق على أيّ محاولة استخدامية للأرض الجنوبية. وفي موازاة التماس مع الوضعين السوري والإسرائيلي قالت مصادر وزارية وأمنية لـ»الجمهورية» إنّ الوضع في طرابلس تحت السيطرة، وإنّ المعالجات تتمّ على مستويَين سياسي وأمني، وذلك عبر تنفيس الاحتقانات وضبط الوضع الأمني.

تزامُناً مع العدوان على قطاع غزّة الذي تواصلَ لليوم الثاني وسط تهديد إسرائيلي باجتياحه برّاً إذا لم توقِف حركة «حماس» والتنظيمات الفلسطينية إطلاقَ صواريخها التي طاولت أمس وللمرّة الأولى عمقَ الكيان الاسرائيلي، ارتفعَت نسبة التوتر على الحدود الشمالية لإسرائيل التي رفعَت من جهوزية قوّاتها على الحدود الشمالية من طرف واحد. كذلك سُجّلت حركة دوريات كثيفة على طول الخطوط بين مستعمرة مسكافعام ووادي العسل مروراً بمرتفعات الوزاني والغجر المحتلة.

ونفَت مصادر القوات الدولية «اليونيفيل» والجيش اللبناني لـ»الجمهورية» وجود أيّ تحرّكات في منطقة الجنوب، مشيرةً إلى أنّ أيّ حديث عن تحرّكات لمجموعات مسلّحة لبنانية أو غير لبنانية أمرٌ لا أساس له إطلاقاً، وأنّ الجيش والقوات الدولية يرصدان التحرّكات الإسرائيلية التي وإنْ خرجَت عن إطارها الروتيني اليومي فهي لا توحي بأنّ هناك ما يهدّد السلام والهدوء السائدين في الجنوب وعلى طول الحدود.

وقالت المصادر إنّ القلق موجود من احتمال قيام مجموعات تستخدم ما يجري في قطاع غزّة «شمّاعة» لإطلاق صواريخ من الجنوب واستثمار الأجواء الأمنية المتردّية. وأكّدت المصادر وجود تعاون دولي ـ لبناني ـ شعبي لمنع أيّ خروقات من هذا النوع، فأيّ خَرق لا يمكن التساهل بشأنه، على رغم القناعة القائمة بعدم وجود أيّ قرار بفتح جبهة جديدة في الجنوب، لانشغال من يمكنه القيام بها في جبهات أخرى.

الحريري

وطالبَ رئيس تيار المستقبل سعد الحريري المجتمع الدولي «بوقف كلّ ما تقوم به إسرائيل ضد القطاع وأبناء الشعب الفلسطيني»، وحذّر من «أنّ استمرار الصمت شبه المطبَق على هذا العدوان لا يشجّع على مواصلته فقط، وإنّما سيعطي المزيد من الذرائع لإحلال الفوضى وردود الفعل المتطرّفة والمتفلّتة».

جنبلاط

إلى ذلك، أكّد رئيس «اللقاء الديموقراطي» النائب وليد جنبلاط في حديث تلفزيوني، أنّ «المنطقة ذاهبة إلى فوضى، وعندما انتخبنا الرئيس ميشال سليمان كان هناك تفاهم إقليمي، ولكن اليوم لا يفكّر أحدٌ في لبنان»، مشيراً إلى أنّ «تدخّل أطراف لبنانية في الحرب السورية جلبَ لنا السيارات المفخّخة». وطالب «حزب الله» وغيرَه بالخروج من سوريا».

كما لفتَ قائلاً: «هناك فريقان في لبنان، كلّ منهما يراهن على مرشّح للرئاسة، ويَعلمان بأنّ كِلا المرشّحين هو مرشّح تحَدٍّ، وهما يتحمّلان مسؤولية إضعاف الموقع الرئاسي، أي موقع المسيحيين الذي نحن بحاجة إلى تقويتِه».

وأكّد من جهة ثانية أنّ «الرئيس السوري بشّار الأسد يلعب لعبة خبيثة، ويُخيّر الجميع بينه وبين «داعش»، بعدما خذل العالم الشعب السوري».

توتّر في طرابلس

أمّا شمالاً، فشهدت مدينة طرابلس توتّراً استمرّ حتى ساعات الليل، تخلّله قطع طرق وإلقاء قنابل ونصبُ خيّم، احتجاجاً على استمرار توقيف قادة المحاور، وفي طليعتهم زياد علوكي الذي تعرّض لوعكةٍ صحّية أدّت إلى توتير الأجواء في طرابلس.

وانتشر الجيش في شوارع المدينة، ولم تنجح محاولاته ومساعيه في فتح الطرق وتسوية الأمور سياسياً.

علوش

وقال القيادي في تيار»المستقبل» النائب السابق مصطفى علوش لـ»الجمهورية» إنّ طرابلس مدينة لبنانية لا مكان للقاعدة ولا لـ»داعش» فيها، وعلى الدولة أن تسرع في محاكمة من يجب محاكمتهم، وعلى المرتكبين الذين في حقّهم أحكام قضائية قضاء أحكامهم، وهذه هي الطريقة الوحيدة لحماية طرابلس ولبنان من الفوضى التي قد يستغلّها البغدادي أو غيره في هذه الفترة. فتسريع المحاكمات هو الأمر الوحيد الذي يقطع الطريق على العابثين بالأمن داخل المدينة، لكنّ الدولة لا تقوم بواجباتها حتى الآن.

إستعراض بقاعاً؟!

في الموازاة، اعتبرَت قوى 14 آذار أنّ الانتشار العسكري لـ»حزب الله» في مناطق اللبوة والعين في مواجهة تجمّع مسلّحي المعارضة السورية في الجانب السوري من الحدود يشكّل انتهاكاً للسيادة اللبنانية، وإحراجاً للحكومة السلامية، واستدراجاً للقوى الأصولية بغيةَ استهداف لبنان، وطالبَت الحكومة بموقف واضح من هذا الانتهاك الخطير، لأنّ خلافَ ذلك يحوّل «حزب الله» إلى قوّة رسمية وشرعية ويدفعه إلى تكرار محاولته في أكثر من منطقة.

سكّرية

ونفى عضو كتلة «الوفاء للمقاومة» النائب الوليد سكّرية لـ»الجمهورية» أن يكون «حزب الله» أقام استعراضاً عسكرياً علنياً في منطقة البقاع الشمالي، وأكّد أنّ في ظلّ الجوّ القائم، من الطبيعي ان يفتح الحزب عيونه امنياً اكثر في القرى التي يتواجد فيها، مثل اللبوة والعين والنبي عثمان والهرمل، وأن يراقب كلّ حركة غريبة لحماية المناطق، كي لا نتفاجأ بسيارات مفخّخة وعمليات اغتيال.

وأشار سكّرية إلى أنّ الحذر ينسحب كذلك على أبناء المنطقة، خصوصاً بعد تواجد مئات أو آلاف مقاتلي القلمون في جبال لبنان، والذين نفّذوا أعمال خطف في رأس بعلبك، واغتيالَ أشخاص في عرسال، فما الذي يمنعهم من التوجّه الى أيّ بلدة لتنفيذ عمل عسكري فيها؟

ودعا سكّرية الى تنسيق أمنيّ بين الجيش اللبناني والجيش السوري، لضبط حركة المسلحين من الجهتين، معتبراً أنّ وجود قوّة أمنية حول منطقة عرسال غيرُ كافٍ لتطهير الجبال من المسلحين، وعملية التطهير هذه تتطلّب قوّة كبيرة من الجيش وتعاوناً مع الجيش السوري، لأنّه إذا طاردهم الجيش اللبناني في جبال لبنان ينتقل هؤلاء الى الجهة السورية عبر الجبال، وإذا طاردَهم الجيش السوري ينتقلون الى داخل لبنان».

فتفَت: رسائل داخلية

وكان عضو كتلة «المستقبل» النائب أحمد فتفت قال بعد لقاء نوّاب المنية – الضنّية مع رئيس الحكومة في السراي الحكومي: «صُدِمنا بالاستعراضات العسكرية التي قام بها «حزب الله» في منطقة بعلبك-الهرمل، وهذه المنطقة هي تحت إشراف الجيش اللبناني وبرعايته وعُهدته»، مستغرباً «ألّا يكون هناك ردّة فعل من القوى الامنية الرسمية على ما شهدناه من استعراضات هدفُها توجيه رسائل سياسية داخلية لا خارجية، لأنّه موجود في سوريا ويشارك في العدوان على الشعب السوري، وهو لم يكن في حاجة الى توجيه رسائل الى الثوّار في سوريا وإلى الشعب السوري».

وقرأ فتفت في هذه الاستعراضات «رسائلَ داخلية وتقاعساً أيضاً من القوى الأمنية وتمايزاً في التعامل عندما يجري توقيف شخص في طرابلس واتّهامه بالإرهاب، فقط لأنّه حمل السلاح دفاعاً عن منزله، فيما نرى تجاهلاً كاملاً لاستعراضات عسكرية بكاملها في منطقتي البقاع والهرمل، وهذا ما يؤدّي الى ردّة فعل على الصُعد الشعبية والسياسية والأمنية»، وطالب الجيش بشرحِ الإجراءات التي اتّخذها في شأن هذه الاستعراضات.

بكركي ترفض الانتخابات النيابية

في غضون ذلك، راوحَ ملف الإستحقاق الرئاسي مكانه، وتقدّم الحديث عن التمديد النيابي، فيما الجدل التشريعي مستمرّ.

وكشفَت مصادر بكركي لـ»الجمهورية» أنّ البطريرك الماروني الكاردينال مار بشارة بطرس الراعي يرفض إجراء الإنتخابات النيابية في غياب رئيس جمهورية. فبكركي مع انتخاب الرئيس أوّلاً، من ثمّ إتمام باقي الإستحقاقات الدستورية». (تفاصيل ص7)

«سلسلة» وامتحانات

على صعيد آخر، لم يشهد ملفّ إقرار سلسلة الرتب والرواتب أيّ حلحلة، فواصلَت هيئة التنسيق النقابية تحرّكها متمسّكةً بموقفها الرافض تصحيحَ الامتحانات الرسمية قبل إقرارالسلسلة، وإلّا فلا عامَ دراسياً جديداً في شهر أيلول المقبل. أمّا ملفّ الجامعة اللبنانية والذي سيُطرح في جلسة مجلس الوزراء اليوم فليس في أفضل حال.

وفيما نفّذت هيئة التنسيق إضرابَها الدوري، كما كلّ أربعاء، واعتصمَت أمام وزارة التربية، لوحِظ أنّ نسبة الالتزام بالإضراب قد تراجعَت في عدد من الوزارات والمؤسّسات العامّة، خصوصاً تلك التي تتعاطى مع شؤون الناس اليومية. وناشدَ وزير التربية والتعليم العالي الياس بو صعب، بعد اجتماعه مع وفد هيئة التنسيق، رئيسَ مجلس النواب نبيه بري وضعَ ملفّ سلسلة الرتب والرواتب كبندٍ أوّل على جدول أعمال الجلسة التشريعية ليُعطى الأولوية. مؤكّداً بدوره أن لا تصحيحَ للامتحانات ولا إفادات من دون موافقة هيئة التنسيق، مشيراً إلى أنّ الخلافات السياسية كبيرة جداً، وهي حرب باردة سياسية، وُلدت بعد فراغ رئاسة الجمهورية، ومِن ضمنِها ملفّ الجامعة اللبنانية.

عقدة التشريع

وأكّدت أوساط وزير المال لـ»الجمهورية» أنّه لم يرضَ بأيّ من الصيغ المطروحة غير عَقد جلسة تشريعية، وقد استمزَج أراء عدد من القانونيّين، فأكّدوا له أنّ كلّ المخارج التسووية المتداوَلة مخالفة للقانون، وبالتالي فإنّ الحلّ يكون في توجّه كلّ النواب الى ساحة النجمة والمشاركة في جلسة تشريعية لفتحِ اعتماد إضافي. وخلصت المصادر إلى القول: «لا تشريع لفتح اعتماد، لا رواتب.

وفي سياق متصل أكّدت مصادر نيابية ووزارية لـ»الجمهورية» أنّه لم يصدر بعد أيّ موقف من القوى السياسية بشأن التجاوب مع الدعوة الى جلسات التشريع، سواءٌ أكانت الأمور مرهونة بشؤون مالية أو إدارية، منذ أن أجمعَت قوى 14 آذار على التضامن في وجه الدعوات الى التشريع قبل انتخاب رئيس جمهورية جديد.

ولفتَت المصادر إلى أنّ أمام قوى 14 آذار أياماً لِبَتّ هذا الموضوع، بعدما توسّعت رقعة الإتصالات التي أجراها برّي، طالباً إلى النائب جنبلاط تشغيل محرّكاته لدى تيار «المستقبل».

وعلى هذه الخلفيات وُضعَ اللقاء الذي عُقد عصر أمس الأوّل بين وزير المال علي حسن خليل ورئيس مكتب الرئيس الحريري نادر الحريري والذي خُصص للبحث في قضايا ماليّة وسياسية مختلفة وفي عددٍ من القضايا العالقة بين الطرفين، ومنها قضايا تتّصل بوزارة المال.

وأكّدَت مصادر المستقبل لـ»الجمهورية» أنّ الحوار تناولَ كلّ شيء في هذا اللقاء ما عدا موضوع التمديد لمجلس النواب الذي لم يناقَش لا من قريب ولا من بعيد، مشيرةً إلى أنّ هذا الملف هو في يد رئيس الكتلة فؤاد السنيورة، وهو أمر لم يناقَش وسابقٌ لأوانه. ووصفَت المصادر «التصريحات الداعية الى تسيير العمل التشريعي بغيرِ المنطقية، لأنّ المجلس وبحُكم الدستور هو الآن هيئة ناخبة وليس هيئة تشريعية».