لم تتأخر إسرائيل في التفاعل التصعيدي مع رسالة الأمين العام لـ«حزب الله» السيد حسن نصرالله الأخيرة، التي أعلن فيها قراراً بالرد على الغارات التي استهدفت العمق السوري.
الجديد في الأمر هو توسّع مسرح المواجهة وانتقاله الى تخوم الجولان المحتل، وحصول ذلك التماس الأول من نوعه؟ بين «حزب الله» واسرائيل خارج الجغرافية اللبنانية.. علماً ان رسالة نصر الله الأخيرة تعلقت بالغارات الاسرائيلية السابقة التي استهدفت مواقع مبهمة وغير معروفة الا لأصحابها والمعنيين بها والمغيرين عليها! والتي تبيّن لاحقاً، انها كانت منشآت مخصصة لإنتاج أو تخزين أسلحة غير تقليدية او أصناف (صواريخ) «مخصصة للنقل الخارجي»، أي الى «حزب الله» في لبنان.
التطور الدموي الجديد هذا حصل على تخوم الجولان. وهذا الحيّز لم يكن خاضعاً للحسابات القتالية لسلطة بشار الاسد ولا لحلفائه. لم يكن كذلك على مدى سنوات الاحتلال الطويلة (منذ العام 1967) ولم يكن كذلك منذ بدء الثورة السورية التي نجح الاسد في عسكرتها تبعاً لافتراضه البائس بأن ذلك يسمح له بكسرها.
والمفارقة، ان السلطة الاسدية التي نجحت في حفظ الارث الخاص بالبرودة السيبيرية لخطوط الجولان منذ العام 1973، لم تلوّح بتغيير تلك الوضعية الا مع انطلاق الثورة وبدء العدّ التنازلي لتغيير المعادلة الحاكمة والمتحكمة بسوريا. وكان الأمر فظّاً وواضحاً الى درجة لا تحتمل اي تأويل: قال رامي مخلوف ابن خال الاسد لصحيفة «نيويورك تايمز» في ايار عام 2011، إنه «لن يكون هناك استقرار في اسرائيل (يقصد جبهة الجولان) ان لم يكن هناك استقرار في سوريا» هكذا بالحرف مُبرزاً ومبيّناً بنضارة فكرية يُحسد عليها احد اهم وظائف تلك السلطة!
محاولة إدخال الجولان مجدداً في حسابات الاسد وحلفائه جاءت ايضاً على خلفية المواجهات الداخلية مع المعارضة.. وبعد غارات اسرائيلية على منشآت قريبة من دمشق وريفها، وعلى تخومها المباشرة، ومن زاوية تَذكُّر قصّة «المقاومة»! وطبعاً بقي الأمر في إطاره التهويلي الى ان كشفت التطورات الجديدة شيئاً آخر.
ما استجد قبل غارة الأمس هو ذلك الاعلان على لسان السيد نصر الله من ان باب الرد على اسرائيل التي قصفت سوريا فُتِحَ والقرار مُتخذ ولم يبقَ سوى التوقيت. وهذا عنى ويعني ان الامر موصول زمنياً ويتعلق بالماضي كما بالآتي، الذي أتى سريعاً! ما يطرح سؤالا تلقائيا وطبيعيا: كيف سيكون الرد وأين والى اي مدى؟ وقبل ذلك وبعده: هل تريد أو تتحمل سلطة الاسد موقف نصر الله الذي يعني تأكيد انتهاء أبرز وأهم وأخطر وظائفها، أي تلك التي اشار اليها مخلوف بحصافة والمتمثلة بحماية حدود اسرائيل في الجولان من اي «مقاومة» والمحافظة على الستاتيكو القائم هناك مهما تطلب الأمر؟ وفوق ذلك وتحته: هل تسمح ايران في الربع الساعة الاخير من مفاوضاتها النووية مع الغرب والاميركيين تحديداً باندلاع حرب كبيرة تهدد ذلك المسار وقد تنسفه تماماً؟ والسؤال الأخطر والأهم: هل يستطيع «حزب الله» ان يبقى هادئاً بعد الذي حصل؟
على اهميتها وخطورتها، فان الغارة الدموية هذه لا يمكن إبعادها عن صندوق البريد كثيراً: كأن اسرائيل ترد موضعياً على تهديد ميداني محتمل في تخوم الجولان، وسياسياً على نصر الله في الضاحية!.. الله يستر!