IMLebanon

تطورات المنطقة تكشف فوائد تعميم «الطائف»

 

تكشف تطورات المنطقة، سواء تلك التي تمر بها غزة او تلك التي تفجرت في العراق وقبله في الاراضي السورية، أكثر فأكثر استحالة الحلول العسكرية بعد انطلاق «الربيع العربي«، وهي تفيد أن الخروج من مأزق العنف والتطرّف والارهاب، وصولا الى التقسيم، لا يكون الا بحوار المكونات في مؤتمر يتمتع برعاية اقليمية ودولية مشابه لمؤتمر الطائف (1989) الذي أنهى حرباً في لبنان استمرت خمسة عشر عاما عبر نجاحه في اعادة توزيع السلطة بين الطوائف الرئيسة، رغم ما يتطلبه استكمال تطبيقه من تحسينات توصل الى الدولة «القوية العادلة» التي تساوي بين ابنائها.

هذا ما تمحورت حوله الكلمة التي ألقاها رئيس الحكومة الاسبق فؤاد السنيورة في جلسة نيابية شهدتها أروقة البرلمان السبت الفائت في وقت عزّ فيه التئام المجلس لمتطلبات داخلية حاسمة من مثل انتخاب رئيس للجمهورية. فقد تأمن النصاب البرلماني للتضامن مع معاناة الفلسطينيين من الوحشية الاسرائيلية وكذلك للتضامن مع مسيحيي الموصل العراقية الذين هجّرهم تنظيم «داعش« من ارض تأصلوا فيها منذ قرون بعيدة، وهذا خلافا للتعاليم الاسلامية و»مواريثها الدينية والاخلاقية«. كما شملت وحشية «داعش» الاكراد والسنة المعتدلين فطاولت مقاماتهم الدينية وصولا الى دعوته لهدم الكعبة.

فـ«اتفاق الطائف» أرسى استقرارا بعد انتهاء الحرب، رغم عقود الوصاية السورية ومشاكلها المفتعلة، وهو ما زال الحافظ للتركيبة اللبنانية الطوائفية رغم بعض النواقص وبعض التأخر في تنفيذ مقرراته، بما لا يبرر مطلقا مطالبة «قوى 8 آذار» وفي مقدمها «حزب الله» وحليفه رئيس «التيار الوطني الحر» النائب ميشال عون بالتخلص منه لمصلحة «مؤتمر تأسيسي» جديد يُشرْعِنُ مكاسب تم تحصيلها بفعل سيطرة السلاح غير الشرعي وهيمنته.

وما زال هذا الاتفاق بنظر رئيس كتلة «المستقبل« الرئيس فؤاد السنيورة، كما بنظر سائر مكونات قوى 14 آذار، «الصيغة والنموذج الافضل للعيش في مجتمع متعدد حيث يكون التنوع واحترامه مصدر ثراء لا سببا للاختلاف» والذي يسعون الى تعميم تجربته. ففي المنطقة التي تتمتع بتركيبة متعددة هناك «ضرورة لاعتماد مثيل اتفاق الطائف نموذجا للتعاطي مع المشكلات في مواجهة التطرف الصاعد والاستبداد الرابض بالتوازي مع إجراءات الفصل العنصري الاسرائيلي الممارس في فلسطين». وكان الكلام الدولي عن أهمية التوصل الى «طائف سوري» مثلا قد طرح عبثا في التداول منذ منتصف العام 2012 ، اي قبل اقل من عام واحد على اندلاع الثورة السورية.

فعلى اسس هذا الاتفاق عاودت الدولة اللبنانية، بعد صياغة دستورها الجديد، بناء وتشغيل مؤسساتها. وبرغم الثغرات يربط السنيورة بين التزام بنود الاتفاق وقيام الدولة الذي درجت «قوى 14 آذار» على المناداة به بعد اغتيال الرئيس الشهيد رفيق الحريري (2005). فللخلاص طريق وحيد عبر «الاحتماء بالدولة ومؤسساتها. فهي الحامية الضامنة لا غيرها من الميليشيات وفرق الامن الذاتي» لان «الدولة القوية العادلة تحمي رعاياها لأي دين او اتجاه سياسي انتموا»، لذا «علينا جميعا، مسلمين ومسيحيين، النضال من اجل حفظ وصون العيش المشترك، ومن اجل المستقبل الواعد لدولة مدنية حديثة».

ورأى السنيورة ان العالم العربي بطوائفه المختلفة وبعد انطلاق ربيعه، بغض النظر عما يعتريه من علل، بات يرفض رفضا قاطعا الخضوع للاستبداد وبات يتمسك بالوصول الى حريته لكنه «واقع بين فكّي كماشة الاستبداد والتطرف، وكلاهما يدفع باتجاه الآخر او يستدعي الآخر». ورأى ان الهروب من الطغيان يدفع الناس الى أحضان التطرف «الذي هو مثل لحس المبرد»، مشددا على ضرورة «الخروج من هذه القسمة المهلكة بأي ثمن».