IMLebanon

تطوّرات أربعة تُدخل لبنان الحرب؟

المرجعيات الرسمية والسياسية تستمر في مواقفها الاعلامية المطمئنة “شعوب” لبنان إلى أن الأوضاع الأمنية فيه لن تتردى بحيث تجعل الاشتباك الطائفي والمذهبي بينها أمراً محتماً. وهي تعزو ذلك إلى شبكة أمان اقليمية – دولية لا يرى أصحابها، رغم تقاتلهم في المنطقة كلها، مصلحة لهم في وصول نار الحرب السورية وغيرها إلى بلاد الأرز. لكنها في الوقت نفسه تؤكّد في مجالسها الخاصة، وبكثير من الجزم والقلق بل الخوف، أن الأوضاع في لبنان خطيرة جداً وأن أحداً لا يستطيع التكهن بتطوّراتها. طبعاً لا يخفى التناقض الواضح بين الموقفين المذكورين. لكنه تناقض مبرَّر في شكل أو في آخر. ذلك أن المرجعيات المشار اليها لا تستطيع أن تصارح الناس بأن خطر الاقتتال أو الاقتراب منه صار حتمياً، لأنها إن فعلت تكون تبلغهم بعجزها عن القيام بأي خطوة إنقاذية. والعاجزون عادة لا يبقون في مواقعهم بل يخلونها لمن يظنون أنهم يمتلكون المقدرة على إبعاد الأخطار. فضلاً عن أن المسؤولية الوطنية تقتضي منها الاستمرار في البحث عن بقعة ضوء في الظلام الدامس الذي يغلِّف لبنان. في أي حال ليس موضوعنا اليوم تقويم أداء المرجعيات والمسؤولين التابعين لها والعاملين معها، بل هو تأكيد تصاعد خطورة الوضع في الأسابيع القليلة الماضية، وهي خطورة مستمرة، إذ ربما يساعد ذلك في جعل المعنيين والمتقاتلين والراغبين في الاقتتال اكثر تعقّلاً وحكمة.

والتأكيد المشار اليه نتج قبل اسبوعين أو ثلاثة أسابيع من الخروقات، وإن غير الخطيرة حتى الآن على الأقل، التي تعرضت لها الخطة الأمنية في طرابلس. ونتج أيضاً من استمرار تحرك جهات طرابلسية معيّنة في قيادة تيارات إسلامية متشددة بغية الإفراج عن “الموقوفين من أهل السنة” في سجون لبنان، وعدم متابعة الأجهزة القضائية والامنية تنفيذ سياسة الكيل بمكيالين. ولا شيء يمنع، وخصوصاً إذا دخلت على الخط جهات تستفيد من وصول النار إلى لبنان، عودة عاصمة الشمال ساحة حرب متنوعة وتدخُّل جهات خارجية فيها في مقدمها نظام الرئيس بشار الاسد. والتأكيد نفسه نتج أيضاً، ومنذ بدء الحرب العسكرية الاسرائيلية على غزة، من عودة افراد وجهات مجهولين ومشبوهين في آن واحد إلى سياسة إطلاق صواريخ بدائية من جنوب لبنان على إسرائيل. واستناداً إلى التحريات والتحقيقات، بدا واضحاً إلى حد كبير أن مطلقي الصواريخ فلسطينيون منتمون إلى منظمات صغيرة ولكن فاعلة، ولبنانيون متحمِّسون تصرفوا من دون أوامر تنظيمية. طبعاً، ردّت إسرائيل على ذلك ولكن بدقة تلافياً لإصابة مدنيين خوفاً من اندلاع حرب جديدة “مكلفة” جداً قياساً إلى السابق مع لبنان. لكن هل تتابع اسرائيل الرد الدقيق إذا أوقع خطأً صاروخ أو أكثر عدداً من الجرحى والقتلى في قراها الحدودية؟ أو إذا تأكدت أن المقاتلين الفعليين اللبنانيين لها متورطون سواء بالتطنيش أو بالقرار في اطلاق الصواريخ؟

والتأكيد إياه نتج ثالثاً من التذمّر غير المعلن لأحد “شعوب” لبنان وقادته من أحزاب وحركات من الجو الاسلامي الأصولي المتطرّف جداً والمعادي له في أوساط اللاجئين الفلسطينيين وكذلك من مسؤولية البعض فيه عن بعض العمليات الارهابية التي استهدفته. واذا كان هؤلاء امتنعوا عن الحديث علانية عن هذا الأمر لاسباب عدة منها “تبنيهم” قضية فلسطين، فإن أحداً لا يضمن استمرار صمتهم في حال تكرار الاعتداءات ووضوح هويات القائمين بها.

والتأكيد نفسه نتج رابعاً من الحرب الدائرة على الحدود اللبنانية – السورية الشرقية بين قوات “الثوار السوريين” وأبرزهم حالياً التيارات الاسلامية البالغة التشدد برمزيتها المذهبية أيضاً وبين قوات الأسد و”حزب الله”. ولا أحد يستطيع التأكيد أن لبنانيين لا يساعدون هذه التيارات في شكل أو في آخر. والسؤال هنا هو من يضمن عدم انتقال حرب الحدود (الجرود) غير المرسمة (أي من “خراجات” القرى اللبنانية) إلى داخلها، وخصوصاً إذا نجح مقاتلون متشددون في ارتكاب مجزرة في إحداها؟

هل يعني ذلك ان التقاتل في لبنان صار حتمياً؟ طبعاً لا. لكن لا يمكن الاعتماد على “شبكة الأمان” الاقليمية – الدولية وحدها لمنعه. ولا بد من عمل مباشر يقوم به اللبنانيون قادة وشعوب وزعماء، ودولة رغم شللها التام ومؤسسات عسكرية وامنية وقوات طوارئ دولية. فهل يقوم هؤلاء كلهم بعمل كهذا حالياً؟