IMLebanon

تطوّرات العراق تحتّم التمسّك بالاستقرار المحلي

شكّل اجتياح جحافل «داعش» في الأيام الأخيرة لمحافظات عراقية، بعد الأنبار، مفاجأة لم تكن متوقعة بهذه السرعة. وهي أدت عملياً الى فتح هذه المناطق على مثيلاتها في شمال شرقي سوريا حيث تتحصن منذ فترة قوى تحمل المسمى نفسه بما حوّلها كلها الى بؤرة هندسة أمنية واحدة على خلفية اشتباك سني – شيعي واحد، مما يجعل الاستقرار المحلي واجباً وطنياً اكثر من أي وقت مضى.

ويتطلب الحفاظ على هذا الاستقرار حماية احزمة الامان المتجسدة حاليا في الحكومة والمجلس النيابي من دون ان يلغي ذلك اهمية مواصلة السعي الى تأمين انتخاب رئيس للجمهورية. وهو ما يتطلب الموازنة بين مبالغتين: تضخيمية ترى أن الفراغ في القصر الجمهوري يجب ان ينسحب على سائر المؤسسات، وأخرى تقلل من أهمية المسألة بحيث ترى أن الأمور يجب أن تسير على جري عادتها.

صحيح أن العراق يعيش منذ سنوات حرباً أهلية مستورة سلاحها الفعلي الانتحاريون والسيارات المفخخة، اما الآن فقد بات لكل ميليشيا منطقتها خصوصاً مع دعوة رئيس الحكومة نوري المالكي إلى تشكيل «جيش رديف من المتطوعين بعد تقاعس الجيش الوطني». فالسرعة التي انهارت فيها دفاعات القوى النظامية في محافظة نينوى وخصوصاً في عاصمتها الموصل، ثاني أكبر المدن العراقية، تبقى بكل المفاهيم سلوكاً مشبوهاً، خصوصاً أن هذه الانهيارات تكون إما بهزيمة عسكرية موصوفة لم تظهر لها أية آثار، أو برشى مالية كبيرة تبقى عادة في الخفاء. ام إن ذلك مجرد مسرحية يخيّر عبرها المالكي العالم بين ولايته الثالثة وبين «داعش»، مستوحياً من بشار الأسد الأسلوب نفسه حين خيّر الغرب بين بقائه في السلطة واسترداد شرعيته وبين الإرهابيين المتطرفين.

ويلفت مصدر متابع عن كثب لمجريات الساحة العراقية إلى أن الغرب ساعد، من دون أن يدري، المالكي والأسد على النجاح في لعبتهما عندما وضع مكافحة الإرهاب في رأس سلم أولوياته بما رفع سعر هذه الورقة وسهل على الحكام الاتجار بها.

وقد تزامن الاجتياح «الداعشي» كذلك مع ما ظهر من تعثر في المفاوضات الإيرانية مع الغرب حول الملف النووي، اذ اصطدمت بعقدة أجهزة الطرد المركزي. وقد وردت ملامح أول تمهيد لاحتمال تمديد الفترة التي تنتهي في 20 تموز لإنجاز الاتفاق النهائي على لسان نائب وزير الخارجية الايراني عباس عراقجي عندما قال إنه «إذا لم نتوصل في حينه الى اتفاق، فنحن مضطرون الى تمديد المهلة ستة أشهر أخرى لنواصل المفاوضات».

وثمة من يقول إن «داعش» موّلتها إيران كما أنضجها الأسد لمحاربة الاعتدال السني. ويرى المصدر نفسه أن ما يحصل في المنطقة أول إشارة واضحة وملموسة الى أن إضعاف الاعتدال يساهم في تصلب الإرهاب. وبسخرية يعطي مثالاً على ذلك «حزب الله» باعتباره يفضل أن يكون خصمه الشيخ أحمد الأسير مثلاً بدل الرئيس سعد الحريري ليقول، أسوة برعاته، إنهم يحاربون الإرهاب في سوريا والعراق ولبنان.

وثمة من يرى أن الصراع الإيراني الداخلي قد انفجر في العراق وظهر الى العلن. إنه الصراع بين الرئيس حسن روحاني داعم أجنحة عراقية يمثلها مقتدى الصدر وعبد العزيز الحكيم وبعض أتباع المرجع الديني السيستاني وبين قائد الحرس الثوري قاسم سليماني المتجسد عراقياً في المالكي. ويلفت المصدر الى أن «هذا التحليل موضوعي حيث إن النتائج العراقية تتغذى من الصراع الإيراني» لكن يستبعد ان يكون الصراع الإيراني السبب الرئيس لما يشهده العراق.

بالتأكيد ما يشهده العراق يؤشر الى دخول المنطقة مرحلة جديدة عنوانها مغاير تماماً لما تحاول الدعايات المغرضة إشاعته على أنه انتصار المحور الإيراني. صحيح أن المالكي ربح الانتخابات لكنه لن يحكم العراق اسوة بالأسد، كما أن تورط «حزب الله» في سوريا وفق مصدر ديبلوماسي غربي أدى الى تفاقم النزوح والإرهاب.