نواب يصلون الى ساحة النجمة ويقيمون فيها مديداً من دون أن يعرفوا الفارق بين اقتراح القانون ومشروع القانون. هناك من تبرّع لتعليمهم «النيابة من دون معلّم»… فهل يقرأون؟
مشكلة اللبنانيين مع نوّابهم متشعّبة: يُفرض «أصحاب السعادة» في «بوسطات» و«محادل»، حتى إذا وصلوا مجلس النواب «بلّطوا» فيه تمديداً وتجديداً، من دون أن يسجّل لهم كثير من العمل بفعل مقاطعة هذا الفريق السياسي، أو «حرد» ذاك، لكن الطامة الكبرى تكمن في أنهم حتى لو أرادوا العمل، فإن قسماً كبيراً منهم لا يتقن سوى فن «رفع الإصبع»… تصويتاً.
وعلى سبيل المثال، يؤكّد أحد الإداريين في مجلس النواب أن «سبعين في المئة» من التشريعيين المفترضين لا يعرفون الفرق بين «اقتراح القانون» و«مشروع القانون»، و«غالباً ما يرسل هؤلاء اقتراح قانون تحت عنوان مشروع قانون»! والأفظع من ذلك أن بين هؤلاء برلمانيين عريقين وذوي «خبرة تشريعية» منذ برلمان 1972!
الفضائح من هذا النوع أكثر من أن تحصى. ولعلّ الأخطاء التي ترتكب في الجلسات العامة وجلسات اللجان خير دليل. مثلاً، يطلب نائب ما الحديث في النظام، وبمجرد أن يعطيه رئيس المجلس الإذن حتى يتناول نقطة مخالفة للنظام، كأن يحاول عرقلة مشروع قيد المناقشة، فبدلاً من إبداء ملاحظات عليه، يدّعي أن الجلسة فقدت نصابها!
«القانون المعجّل المكرّر» فضيحة أخرى. فمن المعروف أن القانون الذي يحمل هذه الصفة يتعلق عادة بأمر لا يحتمل التأجيل وينبغي إقراره في أقرب جلسة للضرورة القصوى، لكن المفارقة، بحسب بعض إداريي المجلس، أن «أحد النواب أرسل مشروع قانون بصفة معّجل مكرر لتغيير اسم قرية»! كما أن مشاريع القوانين التي تحمل هذه الصفة تتضمن مادة وحيدة مع إضافة حيثياتها، فيما بعض النواب «يرسلون مشاريع بصفة معجل مكرر تتضمن 10 مواد أو أكثر»، فضلاً عن جهلهم كيفية صياغتها.
أما في ما يتعلق بعمل اللجان النيابية، وعلى رغم أن النظام الداخلي ينص بوضوح على أن نائب رئيس اللجنة أو مقررها يتولى رئاسة جلسة اللجنة إذا تغيّب رئيسها، يخالف عدد من النواب النظام، ويتغيبون عن الجلسة بحجة عدم حضور الرئيس!
أما في جلسات الهيئة العامة، فيحدث أن يطلب نائب الكلام لمناقشة المادة الأخيرة من قانون ما، فيما لا يزال زملاؤه يناقشون المادة الأولى. ومن الهفوات أيضاً رفع رئيس مجلس النواب الجلسة قبل تلاوة المحضر بالكامل، مع العلم أن النظام الداخلي يؤكّد على تلاوة المحضر كاملاً، وانتظار ملاحظات النواب عليه.
70 في المئة من النواب يجهلون الفرق بين «اقتراح القانون» و«مشروع القانون»
أصلاً لا يطلع معظم النواب على كتاب النظام الداخلي الا عند الضرورة. وهم يجهرون بأنه «هذه بديهيات»، فيما «الخلفية السياسية في عمل المجلس هي الأهم». وعندما يعرف سبب الجهل النيابي يبطل عجب العقم الدستوري الذي يعيشه لبنان، حيث لا تفسير واضحاً للدستور، وكل فريق يفسّره بما تقتضيه مصلحته. هذه الإشكالية الدستورية، تنسحب على عمل المؤسسات، تنفيذياً وتشريعياً، وتبرز حالياً في التناقض حول تفسير الدستور في ما يتعلق بعقد جلسات مجلس النواب، ونصاب انتخاب رئيس الجمهورية والجلسات التشريعية.
كذلك لا يخفى التناقض بين الدستور والنظام الداخلي للمجلس الذي يفسّره أيضاً كلٌ على هواه، والذي يُنسف من أساسه مرة كل فترة، ويُعدّل وفق المصلحة الخاصة في غالب الأحيان. وخير مثال على ذلك اللجان النيابية الموجودة اليوم. ففي بدايات عمل المجلس، لم يكن عدد اللجان يتجاوز الخمس. بعدها بدأ استحداث لجان جديدة، إما بسبب تطّورات الحياة، وإما «كرمى لعيون أحد النواب اللي بيمونوا»، كما حصل مع النائبة السابقة غنوة جلول، التي أنشئت لها «لجنة المعلوماتية» مفصّلة على قياسها.
وفي غياب «دليل النائب»، وضع الأمين العام لمجلس النواب عدنان ضاهر، والمدير العام لشؤون الجلسات واللجان الدكتور رياض غنّام، كتاب «الأصول التشريعية في مجلس النواب اللبناني». بحسب غنّام، «فكرة الكتاب تعود إلى غياب مرجع صادر عن المجلس»، ولا سيما أن الدستور «يشوبه التباس والنظام الداخلي مصوغ على نحو بانورامي، لا تفصيلي». الكتاب الذي «استمر العمل فيه عاماً»، و«بجهد شخصي» استعان خلاله غنّام والضاهر بكثير من المراجع الدستورية والقانونية، يستعرض «التشريع ما قبل الاسلام، مروراً بالتشريع في عصر النبي والعهدين الأموي والعباسي، وصولاً إلى التشريع في ظل الدولة العثمانية، ويتناول بالشرح المفصل في تسعة فصول صلاحيات مجلس النواب، هيئة مكتب المجلس، الملاك الإداري المساعد للتشريع، اللجان النيابية وأعمالها، نظام التشريع ومصادره، التشريع أمام الهيئة العامة. ويتطرق الى عدد كبير من النقاط التي لها علاقة بالسند القانوني للتشريع، سواء في اللجان أو في الهيئة العامة، وما يتمخض عنها من مشاريع قوانين تحال من الحكومة على المجلس، بموجب مراسيم، أو من النواب عبر اقتراحات قوانين. وهو يتضمن ملاحق توضح متن النص، وتعطي صورة توضيحية للعملية التنفيذية، فضلاً عن استشارات لعلماء دستوريين، أو مؤسسات قانونية كهيئة التشريع والاستشارات، ويضم ملحقا لترجمة بعض المصطلحات الدستورية والقانونية بالعربية والفرنسية.
وفيما أجاز الضاهر وغنّام لنفسيهما اجتهاد بعض الحلول حيث يوجد التباس، لم ينسيا الإضاءة على النواب الذين يتخلّفون عن واجباتهم في الحضور. وللأسف، فإن التخّلف عن هذا الواجب لا عقوبة له في لبنان. إذ إن المادة 44 من النظام الداخلي ألزمت النواب حضور جلسات اللجان، ومن يتخلف عن حضور ثلاث جلسات متتالية من دون عذر مشروع، يعدّ مستقيلاً حكماً من عضوية اللجنة، وهو ما لم يطبّق أبداً. وهل تنسحب هذه العقوبة على المتخلفين عن حضور الجلسات العامة؟ يقول الكتاب إن «مسألة تسجيل غياب النائب عن الجلسات العامة في قلم المجلس تبقى من باب توثيق الغياب لكي يأخذ المجلس علماً». هذا يعني أن لا شيء يُلزم النائب الحضور، وهو يبقى ممثلاً للشعب، حتى ولو كصورة.
أراد الضاهر وغنّام لكتابهما أن «يعدَّ دليلاً ومرشداً نيابياً لكل من يريد الإلمام بآلية التشريع اللبناني»، واضعين اياه في خدمة «كل من يتعاطى الشأن السياسي العام من وزراء ونواب وساسة ومثقفين ومهتمين». برغم ذلك، لا تبدو الآمال كبيرة، رغم الجهد الذي بذله الكاتبان في هذا العمل المرجعي، والحرص الذي أبدياه على انتظام التشريع. فالمجلس لم يوافق على دفع تكاليف إنجاز هذا العمل القانوني، كما ان الشكوك كبيرة، بل وكبيرة جداً، في أن كثيرين من أعضاء المجلس الحالي قادرون على قراءة كتاب من 446 صفحة!