تقدّمَ ملف التمديد لمجلس النواب مجدّداً مع اقتراب موعد دعوة الهيئات الناخبة في 20 الجاري وتزايُد الأصوات المؤيّدة له سرّاً وعلناً. فيما بدأت مرجعيات وقيادات تعوّل على أن يشكّل هذا التمديد دافعاً إلى انتخاب رئيس جمهورية جديد، خصوصاً أنّ رئيس مجلس النواب نبيه برّي حدّد 2 أيلول المقبل موعداً جديداً لهذا الانتخاب.
في انتظار تبيان خريطة الأحداث المتسارعة في المنطقة، خصوصاً في العراق، بقيَ الوضع الداخلي على تأزّمه السياسي الشديد، على رغم التعويل على إمكان أن تُحدِث عودة الرئيس سعد الحريري الى لبنان والتحرّكات التي أعقبَتها، خرقاً ما في جدار الأزمة السياسية السميك.
إلّا أنّ شيئاً لم يحرّك المياه الراكدة، لا في ملف الاستحقاق الرئاسي، ولا في الملف النقابي والتربوي الذي شهدَ أمس فصلاً جديداً من فصول الكباش النقابي ـ السياسي تُرجِم تحرّكات اعتراضية في الشارع الذي يستعيد المشهد الاحتجاجي اليوم أيضاً.
الحلّ بالحوار
وفي هذه الأجواء، أكّد رئيس الحكومة تمام سلام أن «لا حلّ إلّا بالحوار القادر وحدَه على إنتاج التسويات، وبتحصينِ لبنان وإبعادِه عن كلّ معادلة أكبر من قُدرته على التحمّل، وبالالتفاف حول الجيش والقوى الأمنية»، ودعا في كلمةٍ ألقاها في مأدبة تكريم السفير السعودي علي عواض عسيري في السراي الكبير، إلى «البناء على وقفة الإجماع الوطني التي تجلّت في أحداث عرسال للانطلاق في معالجة جدّية للانشطار القائم على مستوى الوطن».
قهوجي وأهالي الرهائن
وكانت أحداث عرسال ظلّت في الواجهة، مع بقاء ملف الرهائن العسكريين عالقاً، وقد واصلَ أهاليهم تحرّكاتهم واعتصاماتهم للمطالبة بكشف مصيرهم. والتقى قائد الجيش العماد جان قهوجي في اليرزة أمس وفداً منهم، وأعلن أمامهم أنّ قضيتهم تشكّل قضية الجيش الأولى في هذه المرحلة، وأنّ القيادة عملت وستعمل بكلّ الوسائل المتاحة لإطلاقهم من دون أيّ تأخير.
وأكّد أنّ الجيش لن يساوم إطلاقاً على دماء شهدائه وجرحاه وحرّية عسكرييه المفقودين، وهو مستعدّ لكافة الاحتمالات بُغية الحفاظ على سلامتهم وتحريرهم، وعودتهم إلى مؤسّستهم وعائلاتهم.
وفي مقابلة مع «رويترز»، قال قهوجي إنّ الإرهابيين «كانوا يدبّرون لتحويل لبنان عراقاً آخر من خلال إثارة فتنةٍ طائفية بين السُنّة والشيعة، ممّا يعرّض وجود لبنان للخطر»، وأكّد أنّهم ما زالوا يمثّلون تهديداً كبيراً له، إلّا أنّه طمأنَ في المقابل «أنّ الجيش والقوى الأمنية متنبّهون على مدار الساعة». وأوضح أنّ «الإرهابيّين كانوا يهدفون إلى تحويل بلدة عرسال رأسَ حربة ينطلقون منها لمهاجمة قرى شيعية مجاورة، ممّا يثير عاصفةً طائفية من نار كانت ستدمّر لبنان».
وفي المواقف، لفتَ تكتّل «الإصلاح والتغيير» إلى «وجود ضَياع في هوية المرجعية المسؤولة في حوادث عرسال»، وسأل: «مَن المسؤول عن انسحاب المسلحين وأين الأسرى؟» وطالب بتوضيح رسمي للمرجعية المسؤولة عن هذا الملف «لأنّ هذا الملف وطنيّ ويتعلق بلبنان والمؤسسة العسكرية».
من جهتها، رفضَت كتلة «المستقبل» استهدافَ الجيش والقوى الأمنية، واعتبرت أنّ عودة العسكريين المحتجَزين والرهائن إلى عائلاتهم يجب أن تكون على رأس الأولويات، وشدّدت على أهمية ان تتضافر الجهود لعودتهم سالمين غانمين.
لا رئيس
وعلى خط الاستحقاق الرئاسي، فشلَ مجلس النواب للمرّة العاشرة في انتخاب رئيس جمهورية جديد بسبب عدم اكتمال النصاب القانوني لانعقاد الجلسة الانتخابية. ولم يحضر الرئيس سعد الحريري إلى المجلس مثلما شاع أمس، بل اقتصر الحضور النيابي على نوّاب في فريق 14 آذار وبعض نوّاب كتلة «التنمية والتحرير»، في حين غاب نواب كتلة «الوفاء للمقاومة» ونوّاب تكتّل «التغيير والإصلاح»، فأرجَأ رئيس مجلس النواب نبيه بري الجلسة الانتخابية الى الثانية عشرة من ظهر 2 أيلول.
خيار التمديد
وفي غياب أيّ مؤشّر إلى انفراج وشيك في العقدة الرئاسية، رجحت كفّة التمديد للمجلس النيابي، بعدما تأكّدت استحالة إجراء الانتخابات النيابية في موعدها.
وقد خرَق النائب نقولا فتوش رتابة مشهد الجلسة الانتخابية، فتقدّم أمس باقتراح قانون معجّل مكرّر من الأمانة العامة لمجلس النواب يطلب فيه التمديد لمجلس النواب سنتين وسبعة أشهر، ويورد الأسباب الموجبة لذلك.
وقال فتوش في تصريح له من مجلس النواب: «لستُ هاوياً لتقديم اقتراح قانون للتمديد. أعرف الدستور جيّداً وأعرف أحكامَه، وأنّ التمديد لا ينصّ عليه الدستور، ولكنّ هناك ظروفاً استثنائية تولّد معطيات استثنائية استناداً الى مواد الدستور، ويتبيّن أنّ الظروف الاستثنائية تعطي الحقّ لمجلس النواب وحده بالتمديد لنفسه بولاية كاملة وبالقانون في حال الخطر الداهم».
وأشار إلى أنّه «يجب أن نرقى كلّنا إلى مستوى الاستحقاق، وأنا أسأل هل هناك إمكانية لإجراء الإنتخابات النيابية في هذا الظرف؟». ولفت إلى أنّه «بعد تقديمه طلب التمديد يُطرح في المجلس النيابي، فإذا ارتأى المجلس أنّه ليس معجّلاً ومكرّراً يُطرح على اللجنة النيابية ومن ثمّ يعود فيُطرح على
المجلس».
برّي
من جهته، كرّر رئيس مجلس النواب نبيه بري أمام زوّاره أمس موقفه الرافض تمديد ولاية المجلس مجدّداً، وقال: «من يضمن انّ التمديد لمجلس النواب يؤدي الى انتخاب رئيس جمهورية جديد؟ سنبقى داخل الدائرة نفسها. عندما مدّدنا للمجلس في المرّة السابقة اضطررنا الى ان نجعل التمديد سنة وخمسة اشهر عوضاً عن سنة، حتى لا يتعارض مع انتخابات رئاسة الجمهورية.
وفي حال أقدمنا على التمديد، فما هي الضمانات بأنّه سيؤدي الى انتخاب رئيس، خصوصاً أنّ مرحلة التمديد الحالي أدّت الى تعطيل دور المجلس والتشريع». وأضاف: «أنا أعتبر رفضَ التمديد ورقة ضغط للإسراع في انتخاب رئيس للجمهورية».
وسُئل بري: هل إنّ جميع الأفرقاء ماضون في التمديد؟ فأجاب: «أنا ضدّ التمديد، والإحصاءات المنشورة أخيراً تشير إلى هذا الموقف وإلى أنّ المزاج الشعبي لدى كلّ الطوائف يؤيّد الانتخابات».
ولفت الى «أنّ مفتاح التمديد في يد الحكومة، لأنّها هي من سيصدر قانون التمديد، وإن اقترحَه مجلس النواب وصادقَ عليه». وقال: «مجرّد اعتراض وزير واحد على قانون التمديد كافٍ لنسف هذا القانون». وأضاف: «حتى وإن وافقت الاكثرية النيابية على التمديد فإنّني سأظلّ ضدّه».
وسُئل برّي أيضاً عن نتائج لقائه مساء الأحد مع الحريري، فقال: «إتّفقنا على أولوية انتخاب الرئيس وتفعيل المؤسسات، أي مجلس النواب والحكومة، إذ لا المجلس يجتمع ولا الحكومة تعمل كما يجب».
وعلّق برّي على نتائج استطلاعات الرأي حيال الانتخابات النيابية وانتخاب رئيس الجمهورية بواسطة الاقتراع الشعبي، فقال: «إنّ نتائج هذه الاستطلاعات أظهرَت أنّ الشعب في وادٍ والطبقة السياسية في وادٍ آخر، وقد تبيّنَ لي أنّ الشعب أرقى من الطبقة السياسية الغارقة في النكايات».
الحريري
في هذا الوقت، قال الرئيس سعد الحريري: «بات الجميع يعلمون أنّني مع إجراء الانتخابات الرئاسية أوّلاً، وإلّا فلا انتخابات نيابية، لأننا لا نريد أن نصلَ إلى سيناريو العراق»، لافتاً إلى أنّه «إذا وصلنا إلى مرحلة اضطررنا للتمديد لمجلس النواب فأنا مع التمديد، حتى وإن كان ذلك آخرَ خيار أريده».
وكشفَ الحريري أنّه طرح هذا الأمر مع برّي، «وقد وجدتُ أنّه حتى هو لا يريد التمديد للمجلس، ولا نحن كـ«تيار مستقبل» كذلك، لكنّنا أيضاً لا نريد أن نكون كمن يطلق النارَ على رجليه أو ينحرَ نفسَه. هذا الموضوع هو جريمة بحقّ البلد».
من جهتها، دعَت مصادر سياسية إلى عدم تحميل عودة الحريري أكثر ممّا تحتمل، لأن ليس هناك من تغيير في الملفّات الأساسية، باستثناء تصاعد الحديث عن موضوع التمديد للمجلس، وهو الملف الذي يتقدّم على ما عداه، والوحيد الذي يمكن أن يُحدث خرقاً.
جعجع
واعتبر رئيس حزب «القوات اللبنانية» سمير جعجع أنّ عودة الحريري إيجابية على صعيد الشارع السنّي والوطني، ولكنّها قد لا تُغيّر في موضوع رئاسة الجمهورية، في اعتبار أنّ العرقلة ليست من قوى «14 آذار» ولكن من الفريق الآخر». وقال إنّ «الحريري لن يستطيع إقناع العماد ميشال عون بتسهيل العملية الإنتخابية الرئاسية، فحتى البطريرك مار بشارة بطرس الراعي عجزَ عن ذلك».
أسَف أوروبي
وأسفَت رئيسة بعثة الاتحاد الأوروبي في لبنان السفيرة أنجلينا أيخهورست، بعد زيارتها وزير الداخلية نهاد المشنوق، لاحتمال عدم إجراء الانتخابات النيابية في موعدها، على رغم التحضيرات الطويلة لها، وأكّدت أهمّية حُسن سير عمل مؤسسات الحكومة.
المياومون يُصعّدون
على صعيد التحرّكات النقابية والمطلبية صعّدَ مياومو الكهرباء من وتيرة احتجاجاتهم أمس، وأمعنوا في استباحة الأملاك العامة ومؤسّسة كهرباء لبنان، احتجاجاً على قرار اتّخذَته المؤسسة تنفيذاً لقرار مجلس النواب. فأقدموا على قطعِ الطرق واحتجاز مئات المواطنين على الطرق لساعات تحت أنظار القوى الأمنية. ومنعَ المحتجّون الموظفين من الدخول إلى مكاتبهم، حتى وصلَ بهم الأمر الى حدّ تلحيم أبواب مؤسسة كهرباء لبنان لمنعِ دخول أحد، واحتجزوا 3 موظفين داخل المؤسّسة.
وقد دخل تحرّك المياومين يومَه الرابع أمس تزامُناً مع إضرابهم المفتوح. ونفّذوا اعتصاماً أمام المبنى المركزي لمؤسسة كهرباء لبنان في منطقة كورنيش النهر، قاطعين الطريق بالإطارات المشتعلة أمام مقرّها من محلّة شارل الحلو في اتجاه الكرنتينا على المسلكين، احتجاجاً على قرار مجلس الوزراء مَلءَ الشواغر بـ897 موظفاً بدلاً من 2000.
وإذ أبدت مصادر في المؤسسة لـ»الجمهورية» استغرابَها لإقدام المياومين على قطع الطرق تحت أعين القوى الأمنية، كشفَت أنّ هؤلاء عمدوا عصراً إلى فكّ كاميرات المراقبة الموضوعة على مداخل المؤسسة.
وكان المياومون تجمّعوا صباح أمس في المبنى المركزي للمؤسسة ثمّ انطلقوا في تظاهرة الى مقرّ وزارة الطاقة، احتجاجاً على عدم تثبيت جميع المياومين، وأعلنوا أنّ حضورهم من المناطق كافّة غايتُه «إيصال رسالة الى وزير الطاقة وجميع المعنيين بأنّ المذكّرة التي صدرت تشكّل مجزرة في حقّ العمّال وهي مخالفة للقانون».
وإذ لم يُسفر الاجتماع مع وزير الطاقة ارتيور نظريان عن أيّ نتيجة ايجابية، أقفلَ المياومون الطريق بالإطارات المشتعلة أمام شركة الكهرباء من جسر شارل الحلو في اتّجاه الكرنتينا على المسلكين. وأعلنوا الإضراب المفتوح والاعتصام ونصبَ الخِيم بدءاً من اليوم، ودعوا إلى وقفة، الاثنين المقبل أمام مبنى مجلس الخدمة المدنية منعاً لتطبيق المذكّرة.
الزحف اليوم
تربوياً، لم تُحسَم بعد قضية تصحيح الامتحانات الرسمية، أو إعطاء إفادات لطلّاب الشهادة الرسمية. وقد أرجَأ وزير التربية الياس بوصعب إعطاءَ هذه الإفادات لأيام عدّة، في محاولة للتوصّل إلى حلّ لقضية سلسلة الرتب والرواتب عن طريق اللجوء إلى مجلس النوّاب. وأوضحَ أنّ قراره جاء بناءً على رغبة هيئة التنسيق النقابية التي ستبدأ جولة على المسؤولين لإقرار السلسلة. واعتبر أنّ «الدعوة إلى وضع أسُس التصحيح أحدثَت شرخاً في الجسم التربوي، ما دفعنا إلى الاجتماع مع هيئة التنسيق وتوقيف التصحيح».
وقد سبقَ هذا القرارَ اعتصامٌ للأساتذة أمام مبنى وزارة التربية تخَلله مشاحنات. ودعت هيئة التنسيق الأهالي والطلّاب والأساتذة والمتقاعدين والمتعاقدين والأجَراء والمياومين والموظفين للزحفِ اليوم إلى ساحة رياض الصلح للمطالبة بإقرار سلسلة الرتب والرواتب.