وسط انسداد أفق الحل في ملف رئاسة الجمهورية، وبعد إعلانه استعداده الانسحاب من المعركة لتسهيل الاستحقاق الرئاسي، إقترح رئيس حزب «القوات اللبنانية» الدكتور سمير جعجع خطوتَين اعتبرهما أساسيّتين لوضع حدّ للشغور الرئاسي، تتمثّل الأولى في دعوة بكركي الى اجتماعٍ للنواب المسيحيين لوضعِ الجميع أمام مسؤولياتهم، والثانية بضغطٍ شعبي يمارسه ناخبو رئيس تكتل «التغيير والاصلاح» النائب ميشال عون عليه، للنزول الى المجلس النيابي وانتخاب رئيسٍ جديد.
بكركي مستاءة جداً من الوضع القائم خصوصاً في ظلّ تعنّت الأفرقاء وتمسّكهم بمواقفهم، ويجهد البطريرك الماروني الكاردينال مار بشارة بطرس الراعي ليلاً نهاراً لإيجاد حلّ لمعضلة الرئاسة وإنهاء الشغور.
يفضّل النائب العام البطريركي المطران بولس صيّاح «عدمَ تداول هذا الملف في الإعلام، لأنّ ذلك لا ينفع»، ويؤكد لـ»الجمهورية»، أنّ «بكركي لن تقول شيئاً حالياً، فكلّ الأمور تتعلّق بمدى تجاوب الأفرقاء السياسيّين واستعدادهم لتقديم التنازلات لمصلحة هذا الوطن».
قد يكون جعجع طرَح هذه المبادرة وهو يعلم مسبقاً أنّ عون لن يتجاوب معها لأنه متمسك بحقّه الحصري في الرئاسة، لكنه يأمل أن يخلق اقتراحاه «ديناميكية في المجتمع ويضغطان على عون للذهاب الى الانتخابات والتزام اللعبة السياسية»، في محاولةٍ منه للخروج من الأفق المسدود، الأمر الذي يؤكده النائب فادي كرم لـ «الجمهورية»، معتبراً أنّ عون «أثبت مرة جديدة أنه لا يؤمن بالمنافسة الديموقراطية من خلال إصراره على مقولة «أنا أو لا أحد». وفي وقت يعجز عن تقدير مدى نجاح مبادرة جعجع، يتمنّى كرم «تفعيل المؤتمر في بكركي وإنجاحه، علماً أنه يتوقف على مدى تجاوب كل الأفرقاء معه».
موقف الحلفاء
بدوره، يؤيد عضو كتلة «الكتائب» النائب فادي الهبر دعوةَ جعجع، ويقول لـ»الجمهورية»، إنّ «أهمية قضية إنقاذ الرئاسة تتطلّب من بكركي دوراً يرتقي الى هذا المستوى». وإذ يرى أنّ «المؤتمر وحده لن يكفي لوضع الجميع أمام مسؤولياتهم، بل سيتكفّل بالتصويب على مَن يعطّل الاستحقاق أي «حزب الله» وحليفه ميشال عون، اللذين يستعملان بعضهما لمصالح فئوية»، يدعو الهبر القاعدة الشعبية الى «المبادرة والنزول الى ساحة الشهداء في مظاهرة مليونية، تماماً كما فعلت في 14 آذار 2005، للدفع في اتجاه انتخابِ رئيسٍ للجمهورية»، مشيراً الى أنّ «لبنان لم يعد في أولويات أجندة المنطقة لا دولياً ولا إقليمياً، في ظلّ المستجدات العراقية والسورية».
من جهته، يعتبر رئيس حزب «الوطنيين الأحرار» النائب دوري شمعون أنّ «الدعوة الى مؤتمرٍ في بكركي لن تحلّ الأزمة الرئاسية»، وإذ يشير لـ«الجمهورية»، الى أنّ «العماد عون لا يريد أن يسمع بغيره رئيساً فإما هو أو لا أحد»، يسأل: «لماذا نضيّع وقتنا إذا؟»، مذكراً بـ»التجارب السابقة التي أثبَتت أنّ هكذا مؤتمرات مهما كانت موسعّة، لن تؤدي الى نتيجة، وكل ما تفعله أنها «تُغرق» بكركي أكثر في الحمام السياسي، وهي بغنى عن ذلك»، مضيفاً: «خلّي الموارنة يقلّعوا شوكن بإيدن من دون بكركي».
«التكتل» و«المردة»
في المقابل، يؤكد عضو المكتب السياسي في تيار «المردة» الوزير السابق يوسف سعاده لـ«الجمهورية»، «أنّ الدعوة لا تؤدي الى انتخاب رئيس، لأنّ ما يعوق الانتخابات هو الانقسام السياسي الحادّ والاصطفافات المعروفة في لبنان، والتي يشكّل المسيحيون جزءاً منها»، لافتاً الى أنّ «المؤتمر لن ينجح في تخفيف حدّة هذا الانقسام. لكننا سنشارك ونبدي رأينا إذا دعانا البطريرك».
أما عضو تكتل «التغيير والاصلاح» النائب حكمت ديب فيقول لـ»الجمهورية»، إنّ «التجارب السابقة في بكركي ليست مشجّعة أكانت خلال اجتماع الأقطاب الأربعة أو خلال اجتماع 34 نائباً مارونياً للبحث في القانون الأرثوذكسي، الذي لاقى إجماعاً حوله في الاجتماع الموسّع في بكركي ليلتفّوا عليه لاحقاً ويتراجعوا عنه ويقاطعوا الجلسة، وبالتالي مُدّد للمجلس. فذاكرة اللبنانيين لم تنسَ ذلك بعد»، معتبراً أنّ «من جرّب مجرّب كان عقلو مخرّب»، وبالتالي فإنّ المؤتمر هو بمثابة تضييع للوقت ليس أكثر».
ويضيف: «في حين تؤيد أطراف مسيحية عدة العماد عون رئيساً، تخلّى أكثر من طرف في «14 آذار» عن الدكتور جعجع، حتى إنّ الحريري أعلن في تصريح أنّ «لا مرشحَ لديه» وكأنه يتخلى عن جعجع»، معتبراً أنّ «ترشيح جعجع ليس جدياً بل هو فقط لقطع الطريق على الإتيان بمرشح قوي».
وإذ يُجدّد التأكيد «أننا نريد إنقاذ الرئاسة وليس تعطيلها أو إفراغها، وذلك من خلال الإتيان برئيس قوي يتمتّع بحيثية شعبية ونيابية وازنة في مواجهة الاستحقاقات ويعزّز هذا المركز»، يرى أنّ «هدف الآخرين يتمثّل بإبعاد المسيحيين عن حقهم في المشاركة قدر المستطاع»، سائلاً عمّا قصده النائب وليد جنبلاط بقوله: «لا نريد رئيساً قوياً بل جمهورية قوية».