يكاد انقسام حكومة الرئيس تمام سلام على صلاحيات رئيس الجمهورية وتباين وزرائها في سبل ممارستها يحيل مجلس الوزراء على صورة رئاسة الجمهورية. شغور من هنا يلاقي شغورا من هناك. لم تُعطَ تولي الصلاحيات والحكم بعد، ولا البلاد انتقلت من ولاية رئيس الى ولاية حكومة
يوشك الشهر الاول من شغور رئاسة الجمهورية ان ينقضي، فيما البلاد تقترب اكثر فاكثر من تعويض الشغور بالفراغ. الى اليوم، كأن المادة 62 من الدستور لم تؤمن فعلا انتقال صلاحيات الرئيس الى مجلس الوزراء. يحلو لرئيس مجلس النواب نبيه بري تمييز الشغور عن الفراغ: الاول موقت، والثاني دائم.
عندما يصر على عقد جلسات لمجلس النواب في ظل حكومة مستقيلة او تعذر انتخاب رئيس جديد للجمهورية، يعبّر بذلك عن امرار مرحلة الشغور والتحوط من الوقوع في الفراغ. الا ان بري اختبر، اكثر من مرة، الفراغ عندما حيل دون اجتماع البرلمان طوال عشرة اشهر على اثر استقالة حكومة الرئيس نجيب ميقاتي، والمحاولات المتواصلة منذ اسابيع للحؤول دون انعقاد المجلس ايضا بسبب عدم التوافق على انتخاب رئيس للجمهورية. مع ذلك يكرّر القول: لن اسمح بتكريس سابقة تعطيل مجلس النواب بسبب استقالة حكومة. سأبقى اوجه الدعوة وان لم يلتئم المجلس، وفي الوقت نفسه احدد موعدا لانتخاب الرئيس وان لم يحضر الثلثان. الامران منفصلان.
في الايام الاخيرة ازعجه تراجع تيار المستقبل عما كان اخطره به، وهو انه سيشارك في جلسة مجلس النواب الثلثاء المنصرم لمناقشة مشروع سلسلة الرتب والرواتب. في الاجتماع الذي جمعه، في مكتبه الاثنين على هامش الدعوة الى الجلسة السادسة لانتخاب الرئيس، في حضور رئيس الحكومة تمام سلام والرئيس نجيب ميقاتي والنائبة بهية الحريري، ابلغ اليه الرئيس فؤاد السنيورة مشاركة التيار في جلسة الثلثاء، من غير ان يكونا اتفقا على اقرار سلسلة الرتب والرواتب، رغم تبادلهما اقتراحات حلول لم يُصر الى الاتفاق عليها. طمأنه السنيورة الى موقف مغاير لما تمسّك به تيار المستقبل ابان استقالة حكومة ميقاتي، وهو مقاطعة جلسات مجلس النواب.
لا يجتمع مجلس
الوزراء الا بتوافق الوزراء الـ24، ولا تصدر مراسيمه الا بالطريقة نفسها
في الغداة، عاد التيار الى مقاطعته بذريعة مختلفة هي عدم انتخاب رئيس للجمهورية ومجاراة حلفائه المسيحيين في هذا الموقف. في وقت سابق، سمع بري من السنيورة ما بدا اعترافا، هو اقراره بـ «خطأ» مقاطعة جلسات البرلمان في ظل حكومة مستقيلة.
مرارا فرّق رئيس المجلس بين الشغور والفراغ، واصر دائما على استخدام التعبير الاول في معرض تأكيد اولوية انتخاب الرئيس، ولاحظ ان الشغور ــ على خطورة خلو منصب الرئاسة ـــ حال عابرة وشكلية ما دامت صلاحيات رئيس الجمهورية تنتقل الى مجلس الوزراء وكالة، ما يسقط حجة الشغور والفراغ في ممارسة الصلاحيات الدستورية، من غير اهمال حقيقة خلو الموقع.
عندما كان يُسأل عن نطاق الصلاحيات التي تنتقل الى مجلس الوزراء عند انقضاء المهلة الدستورية لانتخاب الرئيس، يجيب بري: كل الصلاحيات بما فيها صلاحية اصدار القوانين والمراسيم.
عندما طفت الى سطح حكومة الرئيس تمام سلام خلافات وزرائها على صلاحية الاصدار، قال رئيس المجلس: يتوقف الامر على نوعين من المراسيم. الاول هو المراسيم التي تتطلب اجتماع مجلس الوزراء لاقرارها ومن ثم اصدارها، فتمهر بتوقيع رئيس مجلس الوزراء والوزير المختص، والثاني هو المراسيم ذات الطابع الخاص التي لا توجب التئام مجلس الوزراء لاقرارها فيوقع اصدارها رئيس مجلس الوزراء والوزير المختص ومن بعدهما الوزراء الآخرون الذين يشكلون السلطة الاجرائية كونها تصدر عن رئيس الجمهورية.
مع ذلك، يوما تلو آخر، يقترب الشغور والفراغ من ان يتطابقا.
متمتعا بصلاحيات رئيس الجمهورية، لم يسع مجلس الوزراء الاجتماع سوى ثلاث مرات على مرّ الايام الـ20 من انقضاء المهلة الدستورية من دون انتخاب رئيس. في اي منها لم يتمكن ايضا من مناقشة جدول الاعمال، واغرق نفسه في جدل مستفيض حيال نطاق صلاحيات رئيس الجمهورية بعد انتقالها اليه، وعلاقة الوزراء بها، وسبل ترجمة تقاسمهم جميعا اياها، على نحو يضع بين يدي كل منهم توقيع الرئيس.
في الاجتماعين الاولين، اياما بعد الشغور، اختلفوا على تفسير وضع جدول الاعمال والاطلاع المسبق عليه واصدار المراسيم. في الاجتماع الثالث خاضوا في احدث مظاهر السجال هو تفريق الوزراء بين المنهج والآلية، مع ان لكل منهما مفهوما مختلفا عن الآخر ووظيفة مغايرة. ما يقتضي ان تقوم به الآلية ـــ وهي مهمة محددة في ذاتها ـــ هو تعيين اجراءات تطبيق المنهج تبعا للاصول التي ينص عليها او يرعاها. بذلك لا يعوّض احدهما الآخر، ولا يستبدله، او يقلل وطأة المشكلة.
بل ما يحتاج اليه مجلس الوزراء بالفعل هو منهج العمل وآلية التطبيق في آن.
على ان الاقتراب من انقضاء شهر على الشغور يطرح بضع ملاحظات:
اولاها، تعليق اعمال مجلس الوزراء رغم الاتفاق على جدول الاعمال، لكن دونما مناقشته قبل تحديد نطاق صلاحيات الرئيس وفق آلية جديدة غير مجرّبة قبلا، تجعل المجلس امام خيار دقيق ومربك: لا يجتمع الا بتوافق الوزراء الـ24، ولا تصدر مراسيمه الا بالطريقة نفسها. اذ ذاك يصبح التئام المجلس بالثلثين، وكذلك التصويت على القرارات بالنصاب المنصوص عليه في المادة 65، غير ذي جدوى ما دام الاصدار ـــ ومن ثم الاصرار على توقيع الوزراء الـ24 ـــ يحدد مصير ما قد يتفق عليه في مرحلة مناقشة القرارات واقرارها.
ثانيها، ان من غير المتوقع انتخاب رئيس جديد للجمهورية قبل استنفاد الرئيس ميشال عون مفاوضاته مع الرئيس سعد الحريري بازاء دعم انتخابه رئيسا. بيد ان المفارقة ان عون لا يقر حتى الآن باستنفاد المهل، ولا يوحي بتوقع استنفادها ما دام مرشحا، ولا يسمح بمفاتحته بمرشح آخر. ولا الحريري بدوره يرغب في قطع المفاوضات رغم عدم احرازها تقدما ملموسا وجديا، بغية دفع الاستحقاق في مسار مختلف. بذلك يتساوى الرئيسان السابقان للحكومة في مسؤولية ابقاء انتخابات الرئاسة في دائرة الجمود.
ثالثها، في ما مضى ابان ولاية الرئيس بشارة الخوري، وخصوصا بعد انتخابات 1947، كان شقيقه «السلطان» سليم، الواسع التأثير في حكم الرئيس، عندما يتحدث عن النفوذ يسمّي «سرايا فرن الشباك» ـــ منزله ـــ في معرض الاشارة الى «السرايا» الحكومية. على نحو مماثل، يعكس بعض الوزراء، في معرض اصرارهم على التمسك بصلاحيات رئيس الجمهورية وممارستهم اياها كاملة، بعداً مشابها يراد القول به ان صلاحيات الرئيس في مجلس الوزراء وليس لدى رئيس مجلس الوزراء. في «سرايا مجلس الوزراء»، لا في «سرايا رئيس الحكومة». في ذلك يكمن مغزى تبرير الصلاحيات والتوسع في تفسير المشاركة، ومن ثم التسبب بتعطيل اجتماع مجلس الوزراء.