القلق اللبناني العارم من ارتدادات الحدث العراقي الخطر، وضع جميع الافرقاء امام مسؤوليات وتحديات كبيرة كون الساحة اللبنانية ليست متماسكة لا سياسيا ولا امنيا، خصوصا ان عناصر اصولية ومتطرفة دخلت الى الاراضي اللبنانية وتوزعت في اكثر من منطقة، حيث تشير التقارير الامنية الغربية عن تحضيرات لخطط ارهابية يقوم بها تنظيم «الدولة الاسلامية في العراق والشام» لضرب الاستقرار العام.
وتشير مصادر ديبلوماسية غربية الى أن خطر استهداف لبنان من قبل «داعش» بشكل منظم هو كبير وحاضر بقوة، وهذا الامر تؤكده التقارير الامنية والاستخباراتية، واشارت المصادر الى ان التنظيمات الارهابية خصوصا «داعش» لن تتوانى اذا ما اتيحت لها الظروف والمناخات المؤاتية عن استخدام الساحة اللبنانية كمسرح لعملياتها لصرف الانظار عن المعارك الاساسية التي تشنها في شمال العراق وشمال سوريا.
واكدت المصادر نفسها ان هناك مسؤولية وطنية لا بد للقيادات اللبنانية ان تضطلع بها وتقضي الاسراع بانتخاب رئيس جديد للجمهورية وابعاد شبح التعطيل عن المؤسسات الدستورية لان هكذا تعطيل سوف ينعكس على عمل الاجهزة الامنية التي تحتاج الى دعم كامل لمنع امتداد نار الارهاب التكفيري الى الداخل اللبناني.
المصادر الديبلوماسية الغربية اكدت ان اخطر ما في انعكاسات الاحداث الدامية في العراق وسوريا يكمن في انها تستحضر بقوة النعرات والعصبيات المذهبية والتي بدورها تستحضر عناصر الفتنة السنية – الشيعية التي لا تهدد المنطقة فحسب، بل تهدد لبنان، اذ ان الانقسام المذهبي السني – الشيعي خطر خصوصا في صيدا وطرابلس وعرسال، كما لا يجوز ان ننسى وجود حالة خطرة من التطرف التي لها حضور قوي وفاعل داخل المخيمات الفلسطينية.
وتشير المصادر نفسها الى ان التدابير الامنية الاستثنائية التي نفذت الاسبوع الماضي على الحدود مع سوريا في جهة منطقة البقاع الاوسط والشمالي وعلى الحدود الشمالية والتي هدفت بشكل اساسي الى تطويق عمليات تسلل عناصر ارهابية الى المناطق البقاعية اولا وقطع الطريق على اي تداعيات امنية للوضع العراقي على مجمل الساحة الداخلية.
وكشفت مصادر سياسية مواكبة ان الاجهزة الامنية ستباشر قريبا بتنفيذ المرحلة الثانية من الخطة الامنية في بيروت والضواحي لتحصين الوضع الامني في ضوء التوتر السياسي رئاسيا ونيابيا وحكوميا، واشارت الى ان مناخات الفراغ قد تشكل نافذة يتسرب منها الخطر الارهابي في اي لحظة الى الداخل اللبناني، واشارت الى ان الصراع المذهبي الذي انفجر في العراق يهدد المنطقة كلها ولبنان ليس سوى الحلقة الاضعف في المنطقة ومن السهولة زعزعة استقراره.
} الوضع في العراق }
عراقيا، تستعد القوات العراقية لشن هجوم مضاد، وقد عززت اجراءات الدفاع عن بغداد بعد الهجوم المباغت الذي شنه مسلحو «داعش» وسيطروا على مناطق واسعة في شمال البلاد.
واعلن متحدث باسم الجيش العراقي، في مؤتمر عن مقتل 279 مسلحا خلال 24 ساعة، مؤكدا ان «الوضع الامني يتحسن والقوات العراقية تتقدم في اتجاه معاقل المسلحين».
هذا وحققت القوات الامنية العراقية امس، تقدماً كبيراً في مدينة تكريت بعد قصفها لمعاقل الجماعات المسلحة المتواجدة هناك، وتطهير اغلب المناطق منهم.
كانت القوة العسكرية معززة بسلاح جو تمكن من خلالها من قصف الاماكن التي كان يتخذ «داعش» الارهابي منها ملاذاً له، فيما تمكنت القوات البرية من قتل عدد من الارهابيين.
وقال مصدر امني في قيادة شرطة صلاح الدين ان «هناك اعداداً كبيرة من عناصر الشرطة المحلية الذين انسحبوا من المعارك عادوا واعلنوا ولاءهم للعراق، وسيتمكنون من الدفاع عن مدينتهم بعد اصدار اوامر التحاقهم بمقراتهم».
واشار الى، ان «التنظيمات الارهابية تشعر الان بحالة من التفكك بعد تعزيز تواجد القوات الامنية في المحافظة، والتفاف العشائر حول القوات الامنية ومساندتهما لبعضهما».
وعمل تنظيم «داعش» على نشر مجموعة من الصور التي تظهر اعدام مقاتلين لعشرات الجنود العراقيين في محافظة صلاح الدين، وقد نشرت هذه الصور على حساب التنظيم الخاص بمحافظة صلاح الدين على موقع «تويتر» وعلى مواقع اخرى تعنى بأخبار التنظيمات الجهادية بينها «المنبر الاعلامي الجهادي»، و«حنين». (التفاصيل ص5)
} ايران }
وفي المواقف، صرحت المتحدثة باسم وزارة الخارجية الإيرانية مرضية أفخم أن طهران تعارض «كل تدخل عسكري اجنبي» في العراق، وذلك غداة ارسال حاملة طائرات أميركية إلى مياه الخليج.
وقالت أفخم في تصريحات نقلتها وكالة الانباء «ايسنا» ان «العراق لديه القدرة والاستعداد اللازم لمكافحة الإرهاب والتطرف، وأي تحرك يمكن ان يعقد الوضع في العراق ليس في مصلحة هذا البلد والمنطقة».
واكد الرئيس الايراني حسن روحاني في وقت سابق ان طهران مستعدة لمساعدة بغداد بدون ان تتدخل عسكريا.
ولم يستبعد روحاني ايضا تعاونا مع الولايات المتحدة اذا قررت واشنطن التدخل ضد المسلحين في العراق، وقال «اذا رأينا ان الولايات المتحدة تتحرك ضد المجموعات الارهابية فعندئذ يمكننا التفكير».
السيستاني
ناشد المرجع الديني آية الله السيد علي السيستاني، المواطنين العراقيين بالابتعاد عن أي تصرفات ذات توجه طائفي يسيء الى وحدة النسيج الوطني العراقي، مشدداً على ضرورة اجتناب المظاهر المسلحة خارج القانون، وداعياً الجهات الرسمية الى منعها.
وقال السيستاني في بيان صدر عن مكتبه امس: «على جميع المواطنين ولاسيما في المناطق المختلطة أن يكونوا بأعلى درجات ضبط النفس في هذه الظروف الحرجة»، مشدداً على ضرورة «ان يعملوا على ما يشدّ من أواصر الالفة والمحبة بين مختلف مكوّناتهم».
وناشد السيستاني المواطنين بـ «الابتعاد عن أيّ تصرفات ذات توجه طائفي يسيء الى وحدة النسيج الوطني للشعب العراقي»، مطالباً بـ «اجتناب المظاهر المسلحة خارج الأطر القانونية».
ودعا السيستاني الجهات الرسمية ذات العلاقة الى «اتخاذ الاجراءات اللازمة لمنعها».
من جانب آخر، طالب السيستاني «بعض القنوات التي تضع صورته باستبدالها بالعلم العراقي».
} البابا فرنسيس }
اعلن البابا فرنسيس امس انه يتابع «بقلق شديد الاحداث التي شهدها العراق في الايام الاخيرة، حيث ارغم هجوم مقاتلي التنظيم الاسلامي المتطرف الدولة الاسلامية في العراق والشام «داعش» الاف المدنيين على الهرب. وقال البابا بعد صلاة التبشير في ساحة القديس بطرس «ادعوكم جميعا للانضمام الى الصلاة من اجل امتنا العراقية العزيزة بخاصة من اجل الضحايا واولئك الذين يتعذبون بشكل خاص نتيجة تزايد اعمال العنف».
} الابراهيمي }
قال الوسيط العربي والدولي السابق في سوريا الاخضر الابراهيمي ان هجوم الجماعات المسلحة «داعش» في العراق كان نتيجة لجمود المجتمع الدولي ازاء الازمة المستمرة في سوريا منذ اكثر من ثلاثة اعوام.
وقال الابراهيمي الذي استقال من منصبه في ايار الماضي بعد اقل من عامين من الجهود غير المجدية لانهاء الازمة في سوريا «هذه قاعدة معروفة، فصراع من هذا النوع في سوريا لا يمكن ان يبقى محصورا داخل حدود بلد واحد»، واعتبر ان المجتمع الدولي اهمل المشكلة السورية ولم يساعد على حلها، وهو ما ادى الى هذه النتائج.
واوضح انه ابلغ مجلس الامن الدولي التابع للامم المتحدة وشركائه منذ تشرين الثاني الماضي بقدرات «داعش» وبأنها «عشرة مرات اكثر نشاطا في العراق من سوريا». وقال الابراهيمي ان «تصرفات المسلحين في العراق مبنية على خلفية الحرب الأهلية بين الشيعة والسنة» بحسب تعبيره.
وفي مقابلته مع «وكالة الصحافة الفرنسية» قال الابراهيمي ان «السنة سيدعمون الجهاديين ليس لأنهم الجهاديون ولكن لأن عدو عدوي هو صديقي»، وذلك ايضا بحسب تعبير الابراهيمي.
ويرى المبعوث الخاص السابق اخيرا ان ايران التي ابدت استعدادها للمساعدة في بغداد، لديها «مكانها» في المنطقة «بحكم الأمر الواقع من خلال التعاون بين الولايات المتحدة وإيران «على العراق.
} المانيا }
استبعد وزير الخارجية الألماني فرانك فالتر شتاينماير إرسال القوات الألمانية إلى العراق لإعادة الاستقرار في المناطق التي استولت عليها تشكيلات «داعش».
وفي حديث لصحيفة «فيلت آم زونتاغ» الألمانية نشر امس أشار إلى أن الجزء الأساسي من مسؤولية مكافحة «داعش» يقع على عاتق السلطات العراقية.
وواصل الوزير الألماني: «يجب علينا ألا نسمح بنشوب حرب بين دول الإقليم في العراق بأيدي العراقيين. ليس في مصلحة دول جوار العراق، منها السعودية ودول الخليج وتركيا وحتى إيران، تحول الأراضي المجاورة لسورية والمتاخمة لأراضي هذه الدول إلى أرض تسودها فوضى، إلى أرض قد تصبح ساحة لمعركة لمختلف التنظيمات المسلحة والإسلاميين من شتى الأنواع والإرهابيين».
وشدد شتاينماير على ضرورة «ألا يصبح العراق نقطة دائمة السخونة في خريطة الشرق الأوسط».
وحذر الوزير الألماني من أن تتحول «داعش» من منظمة إرهابية إلى منظمة عسكرية تبسط سيطرتها على المدن العراقية» ما يشكل تهديدا خطيرا جدا على استقرار كل الشرق الأوسط ووحدة العراق نفسه وقد يتسبب في تدفق اللاجئين العراقيين إلى دول الجوار.