IMLebanon

تقاطع مواقف في الدعوة إلى “صدمة إيجابيّة”: انتخاب الرئيس يُرسي مناخاً جديداً في البلاد

التطوّرات الدراماتيكية المتسارعة التي شهدها لبنان في الأسابيع الأخيرة والتي بلغت ذروتها بخطف العسكريين في الجيش وقوى الأمن الداخلي بعد اجتياح مجموعات مسلحة تحت اسم “داعش” و”النصرة” بلدة عرسال، انتجت تقاطعاً في المواقف بين جهات سياسية متعددة وخلاصته أن البلاد في حاجة إلى صدمة إيجابيّة كبيرة لا يمكن أن تكون أقل من انتخاب رئيس للجمهورية في أسرع وقت، وذلك يمكن أن يكون من خلال الترفع عن الحسابات الشخصية والسياسية والاقليمية من الجميع دون استثناء.

وفي رأي أصحاب هذه الدعوة أن انتخاب رئيس للجمهورية من شأنه أن يشيع مناخاً جديداً في البلاد يساعد على التصدي لمكامن الخطر، وفي طليعتها استمرار الاجتياح الارهابي المسلّح لبعض المناطق اللبنانية الواقعة على تخوم الحدود مع سوريا، وأبرزها في هذه المرحلة، جرود عرسال في البقاع الشمالي، وكذلك يساعد على التصدي لمشاريع الفتنة الطائفية والمذهبية التي تضغط على لبنان من أكثر من جهة، وبأشكال مختلفة وبأساليب قذرة ورخيصة. ولم تتمكن كل هذه المحاولات، أقله حتى الآن، ولحسن الحظ، من اللبنانيين الذين لا يزالون يرفضونها، رغم كل حملات التحريض على انواعها، وكان في الكلام العاقل والواعي والراقي لوالدي الشهيدين الرقيب علي السيد والجندي عباس مدلج، خير تعبير من هؤلاء!

وفي هذا الاطار، يتساءل رئيس مجلس الوزراء تمام سلام: “اذا كان التصدي لاجتياح مدمّر يستهدف لبنان بأشكال مختلفة وليس أقلها التحريض ومشاريع الفتنة الطائفية والمذهبية، لا يوحّدنا، فما الذي يمكن أن يوحّدنا؟”. وإذ يبدي سلام خشيته من استمرار الوضع على حاله من التوتر لفترة طويلة، فإنه في الوقت نفسه يبدي ارتياحه الى حملات التصدي لمحاولات تفجير الوضع وإثارة النعرات الطائفية والمذهبية، ويعطي مثلاً الموقف الذي تم التعبير عنه في الشمال وتحديدا في القلمون وطرابلس وعكار بعد وقوع جريمة قتل الجندي عباس مدلج من بلدة مقنة في قضاء بعلبك، وإقفال الطرق احتجاجاً، تماماً كما حصل لدى وقوع جريمة قتل الرقيب علي السيد من فنيدق في قضاء عكار، ودائما على أيدي المجموعات المسلحة المعروفة بـ”داعش” و”النصرة”…

وليس بعيداً من هذه الوقائع، فإن الموقف الذي عبر عنه أهالي بلدة سعدنايل في البقاع الغربي أمس، بعد خطف أحد أبنائها أيمن صوان عند مفترق الطيبة في البقاع الشمالي، كان أيضاً موقفاً عاقلاً وحكيماً، وكان موضع تقدير من المراجع المسؤولة، إذ طالب الاهالي بالإفراج عن ابن بلدتهم، مؤكّدين سلمية الاعتصام وعدم التعرض لأحد من أبناء المنطقة والعابرين. ومن هنا فإن الاوساط الرسمية المعنية، ومع عدم التقليل من خطورة الاوضاع في هذه المرحلة خصوصاً، ترى أن “الوعي عند الناس البسطاء الطيبين يبقى أمضى من سلاح الفتنة، والرهان على هذا الوعي في عدم الوقوع في فخ المشاريع الفئوية والتحريض الطائفي والمذهبي”.

وسط هذه الاجواء ثمة في الوسط السياسي من بدأ يفكر، رغم اشتداد العاصفة، في مرحلة ما بعد الهدوء، إذ يلفت مرجع مستقل إلى أن “هذه المرحلة ستنتهي وسنخرج منها، وعلينا الاستفادة من الدروس والعبر بدءا بالتفكير في الحؤول دون تكرارها”.

ولأن الطائفية والمذهبية هما من أبرز “عدة الشغل” بل أساسها في الهجمة على لبنان، يرى أن “الانقسام الطائفي والمذهبي في العالم العربي ينبغي أن يكون الشغل الشاغل للحكام والمسؤولين والنخبة في المرحلة المقبلة، وكلاهما احتدم في العراق قبل سنوات تزامناً مع الاجتياح الأميركي، وتمدد إلى بلدان عربية أخرى، وقد غذاه هذا الاجتياح، بتحريض من “الموساد” الاسرائيلي، وليس سراً أن لإسرائيل مصلحة في تبديد قدرات البلدان العربية وإمكاناتها، وقطع الطريق على أي محاولة للتفكير في القضية العربية المركزية، وهي فلسطين بعناوينها الثلاثة: الدولة والقدس وحق العودة للاجئين، ولا شك للحظة واحدة في أن مشاريع الفتنة التي تفجرت في العراق ومن ثم في بعض أرجاء الوطن العربي هي في النهاية مشروع صهيوني مكشوف تعمل عليه منذ عشرات السنين، أجهزة المخابرات الاسرائيلية بكل امتداداتها وعلى اختلافها… ومَن يستهدف العراق يستهدف لبنان الذي يرى فيه الاسرائيليون ساحة لإثارة الفتن الطائفية والمذهبية وتعميمها، وغالباً ما ينتهزون واقع تقاطع في مكان ما على المستوى الاقليمي والدولي لغايات ومآرب شتى، لتحقيق أهدافهم، بأساليب متعددة وظواهر مختلفة. آخر تجلياتها الظهور المفاجئ لمجموعات مسلحة باتت معروفة بـ”داعش” و”النصرة” وما شابه، وكلها ملتبسة المنشأ والتنامي ومصادر التمويل ومخازن الذخيرة، ووراءها جهات تمدها بالمال والسلاح تحقيقا لمشاريع اجرامية تحكمها المصالح، ودائما على حساب دماء الناس وعلى ايقاع التحريض الطائفي والمذهبي!