واصل الجيش اللبناني حربه على مجموعات المسلحين السوريين التكفيريين التي اقتحمت بلدة عرسال البقاعية الحدودية السبت الماضي، وحقق أمس تقدماً جديداً في استعادة المواقع التي احتلها هؤلاء، تمهيداً لإعادة السيطرة الكاملة عليها، فيما انسحب عدد كبير من المسلحين الى جرود عرسال، وقتل الكثيرون منهم، وأُسر البعض الآخر بعد أن عبثوا بالبلدة نهباً لمتاجرها ومنازلها، الى حد تصفيتهم بعض الأهالي من المدنيين الذين وقفوا ضدهم، ولمنعهم من النزوح عنها، من أجل الإبقاء عليهم دروعاً بشرية، في المواجهة التي يخوضها الجيش معهم. وتردد أن 3 أطفال استشهدوا برصاص المسلحين، بين المدنيين الذين قتلوا.
وسقط المزيد من الشهداء للجيش الذين شُيّع بعضهم أمس أيضاً وسط أوسع تضامن شعبي مع المؤسسة العسكرية وغضب على المسلحين، وفي ظل تأييد سياسي إجماعي قل نظيره، وأعلن رئيس الحكومة تمام سلام، إثر اجتماعها برئاسته أنها «تدعم الجيش بجميع مكوناتها السياسية وتقف صفاً واحداً وراءه في مهمته المقدسة في التصدي للمعتدين»، مؤكداً أن «الاعتداء على الكرامة الوطنية اللبنانية لن يمر من دون عقاب». (للمزيد)
وبموازاة الالتفاف السياسي والشعبي حول الجيش، نجحت وحداته المعززة في استعادة المبادرة ميدانياً، فصدّت محاولة المسلحين لإعادة السيطرة على مبنى المعهد الفني في عرسال التي استعادتها أول من أمس مع مواقع أخرى. وأعلن بيان للجيش إحكام السيطرة على المعهد الذي يقع في نقطة استراتيجية في البلدة، واستهدف نقاط تجمع المسلحين بالأسلحة الثقيلة.
وقالت مصادر في البلدة لـ «الحياة» إن الجيش تمكن من السيطرة على تلة رأس السرج التي تسمح له بالتحكم بمعظم محاور البلدة والأحياء التي يُوجد فيها المسلحون الذين تغلغلوا بين الأبنية السكنية، تمهيداً لحسم المعركة لمصلحته.
وبينما أعلنت قيادة الجيش في بيان لاحق بعد الظهر، أنه سقط له «حتى الآن» 14 شهيداً و86 جريحاً وفقد 22 عسكرياً يعمل على التقصي عنهم لكشف مصيرهم، هال سكان عرسال الذين خاطر كثيرون منهم بالنزوح من البلدة على رغم استهدافهم من المسلحين بالرصاص، ما افتعله هؤلاء المسلحون ببعض الجنود الذين تمكنوا من قتلهم، من تمثيل في جثث بعضهم. وقال مراسلون محليون إن بعض الأهالي وجهوا نداءات من أجل تسهيل دخول الصليب الأحمر وفِرق الإسعاف لنقل جرحى سقطوا برصاص المسلحين وهم بالعشرات، خصوصاً أن هناك نقصاً في وسائل العناية الطبية. وعصراً استطاعت شاحنات للجيش إجلاء 30 مدنياً من البلدة من النساء والأطفال. وأكد الجيش أيضاً أنه «أنهى تعزيز مواقعه العسكرية الأمامية وتأمين ربط بعضها ببعض ورفدها بالإمدادات اللازمة، وعمل على مطاردة المجموعات المسلحة التي لا تزال تمعن في استهداف العسكريين والمدنيين العزل في عرسال». وشيّع الجيش شهداءه أول من أمس وأمس، في عدد من المناطق اللبنانية، وسط أجواء الحزن والغضب من استهداف المؤسسة العسكرية. وبين شهداء الجيش الـ14 ضابطان هما المقدم نور الدين الجمل (بيروت) وداني جوزف حرب من قضاء بعبدا.
وكان الرئيس سلام كشف إثر اجتماع الحكومة أنه بدأ منذ أول من أمس الأحد اتصالات، لا سيما مع السلطات الفرنسية، للطلب إليها «تسريع تسليم الأسلحة التي سبق الاتفاق عليها في إطار صفقة التسليح الممولة من المملكة العربية السعودية»، معتبراً أن «الحل الوحيد هو انسحابهم من عرسال وجوارها والإفراج عن جميع العسكريين اللبنانيين المحتجزين». ولفت قول سلام: «أما النقاش المشروع والمطلوب حول ظروف ما جرى ومسبباته فله يوم آخر».
وفيما أقفل سلام بذلك الحديث عن وساطات مع المسلحين على خلفية الأنباء عن قيام «هيئة العلماء المسلمين» بتحرك في هذا الخصوص منذ ليل السبت، فإن مفتي البقاع الشيخ خليل الميس وعضو الهيئة الشيخ سالم الرافعي قاما بتحرك وُصف بأنه مسعى يهدف الى وقف النار مقابل إفراج المجموعات المسلحة عن 13 عنصراً من قوى الأمن الداخلي وتحديد مصير الجنود الـ22 المفقودين.
وفيما لم ينجح المسعى أول من أمس نظراً الى أن المجموعات المسلحة غير موحّدة المرجعية، لأن بينهم من قيل إنه ينتمي الى جبهة «النصرة» وآخرين الى «داعش»، فإن الشيخين الميس والرافعي التقيا أمس وزيري الداخلية والعدل نهاد المشنوق وأشرف ريفي، والنائب جمال الجراح والأمين العام لمجلس الدفاع اللواء محمد خير مكلفاً من سلام، ثم اجتمعا مع قائد الجيش العماد جان قهوجي لساعتين، ثم عادا فالتقيا المشنوق وريفي.
واتُفق على الأخذ بالمسعى على أن يتوقف إطلاق النار السادسة مساء أمس تتبعه زيارة الرافعي ومندوب عن الشيخ الميس عرسال لضمان الإفراج عن العسكريين المحتجزين وكشف مصير المفقودين، بحيث يكون استمرار وقف النار مرهوناً بتنفيذ هذا الشق من المسعى، على أن يلي ذلك الشق الآخر المتعلّق بانسحاب المسلحين ونقل الجرحى. وتوجه الرافعي السابعة مساء الى عرسال على هذا الأساس.
وشن الطيران الحربي السوري سلسلة غارات على مواقع المسلحين على الحدود اللبنانية – السورية مستهدفاً تحركات لهؤلاء ونقاط تمركز لهم في الجرود في المنطقة الحدودية المتداخلة بين لبنان وسورية.