وقف المراقبون السياسيون في المنطقة مذهولين حيال تلكؤ الدول الغربية في مساعدة العراقيين من الاقليات المسيحية والايزيدية الذين يطردهم تنظيم الدولة الاسلامية (داعش) من اراضيهم ويهدد حياتهم ومصيرهم. ماذا جرى للعالم ليقف عاجزا ومتفرجا على هذا النحو على ما يجري في العراق ويهدد المنطقة بأسرها؟ يتساءل الجميع.
لم تحرك الدول الاوروبية ساكنا لوقف الفرز السكاني الجاري في المنطقة وان فتحت بعض العواصم ابوابها لاستقبال اعداد من الاقليات المهجرة، بل اكدت استلحاقها اكثر فاكثر بالسياسة الاميركية حين أبدت فرنسا وبريطانيا استعدادهما لمشاركة الولايات المتحدة في الضربات العسكرية بعدما اعطى الرئيس الاميركي باراك اوباما الاذن لقصف تقدم داعش نحو مدينة اربيل الكردية. فقدت اوروبا القيم والمثل بعدما كانت لمدة طويلة ضمير العالم والمدافع عن الحريات والقيم الانسانية والتي كانت ترفع لواءها. تحرك الرئيس اوباما لحماية اربيل الكردية عسكريا عبر ضربات جوية لان المصالح الاميركية بدت مهددة عند هذا الحد من اندفاع داعش كما بدا استمرار نظام معمر القذافي سابقا في لحظة ما، ما حتم عودة التدخل العسكري الاميركي في العراق. بدا للمراقبين المتابعين ان الرئيس الاميركي كان سيبدو محرجا وفاقد الصدقية لو اكتفى بتوجيه تحذير لتنظيم داعش من التقدم نحو اربيل وبغداد معتبرا عاصمة كردستان خطا احمر. لم تعد التحذيرات او التهديدات الكلامية الاميركية فاعلة في ضوء نهج الرئيس الاميركي بالابتعاد عن التدخل العسكري وسحب الجيش الاميركي من العراق وافغانستان. فانتقل الى العمل فورا مقدما التبريرات للتدخل عسكريا في العراق ولعدم التدخل في سوريا في الوقت نفسه مستخدما الاسباب نفسها التي يسوقها منذ اشهر عدة حول عدم دعم المعارضة السورية المعتدلة.
بدا مستغربا الجانب المتعلق بالمنطق المستخدم حول التدخل الاميركي الجديد، الا وهو تلبية واشنطن طلب الحكومة العراقية برئاسة نوري المالكي والذي تطالبه واشنطن بالتنحي والافساح في المجال امام حكومة جامعة تنقذ العراق. وذلك في الوقت الذي يتمنع هذا الاخير ويرفض المساهمة في انقاذ بلاده من الهاوية التي ينحدر اليها بقوة ما يفيد بأن الضربات العسكرية الاميركية يمكن ان يوظفها هذا الاخير من اجل تعزيز وضعه وليس من اجل الرحيل. لم يعترض احد على القصف الاميركي، لا روسيا ولا الصين ولا ايران التي كانت عملت على اخراج الاميركيين من العراق سابقا. لا يزال العراق مسؤولية اميركية في مكان ما علما انه لو كان موضوع التدخل الاميركي هو قصف تنظيم ارهابي فعلا لما اعترضت، وفق ما يعتقد، لا روسيا ولا الصين او اي دولة نظرا الى الاصطفاف الدولي بمواجهة الارهاب بغض النظر عما اذا كان في موقعه فعلا او هو بات يستخدم ذريعة في كل وقت لمواجهة المعارضين.
لكن على رغم اهمية التدخل المطلوب من اجل ردع تنظيم داعش ومنعه من قضم مزيد من المناطق العراقية، فان اهمية كردستان بالنسبة الى الولايات المتحدة بدت هي الموضوع في هذا السياق فضلا عن حماية الوجود الديبلوماسي وغير الديبلوماسي الاميركي الذي نزح من بغداد اليها اكثر منها الارهاب الذي تشكله داعش في مناطق سيطرتها. لذا لم يفصح الصمت الدولي والاقليمي عن امكان تشكيل جبهة دولية واقليمية تلتقي على وضع حد نهائي وتوجيه ضربات قاصمة لتنظيم الدولة الاسلامية، فبدا العمل العسكري الاميركي اقرب الى عملية جراحية موضعية في السياق الجاري في رأي المراقبين نظرا الى عدم نضوج افق عمل عسكري اوسع.
هل يستطيع تنظيم داعش الاستمرار في تقوية نفسه خارج التمدد نحو اربيل كما حصل بالنسبة الى الخط الاحمر الذي وضعه الرئيس اوباما امام استخدام النظام السوري للاسلحة الكيميائية ضد شعبه ما عنى امكان استمرار الاخير في استخدام كل انواع الاسلحة الاخرى باستثناء الاسلحة الكيميائية على ما واصل القيام به؟ وهل ان ضرب قوافل للتنظيم الارهابي في مناطق سيطرته العراقية قد تدفع به الى سوريا من اجل تعزيز قوته اكثر والقيام بما يقوم به في العراق فتضطر الولايات المتحدة الى ان تكون شريكة مع النظام السوري في ضرب ارهاب داعش ما دامت العمليات العسكرية ضد مواقعه في العراق قد تطول وفق ما اعلن اوباما؟
يأمل المراقبون ان تستدرج الضربات الجوية استراتيجية اميركية واضحة تربط الاستجابة لطلب الحكومة العراقية بتوجيه ضربات عسكرية والتدخل ضد داعش برحيل المالكي اولا، ثم بتحقيق خطوات سياسية مكملة لحل سياسي يبدأ في العراق وتكون ايران على خطه ولا يستفز الدول الخليجية على رغم ان المراقبين لا يرون ذلك واقعا. وتنفي مصادر ديبلوماسية توافر معلومات عن امر من هذا القبيل لكن هناك عدم ثقة في شكل عام في امكان ان يتمكن الرئيس الاميركي من قيادة امر من هذا النوع او في وجود رغبة لديه بذلك انطلاقا من ان الاستثناء في نهجه لجهة توجيه ضربات عسكرية في العراق لا يعني تراجعه عن سياسة الانكفاء التي يعتمدها في سياسته الخارجية.