قبل يومين من عيد الاستقلال الحادي والسبعين في 22 تشرين الثاني، تقتضي المسؤولية الوطنية أولاً ان تكون الانتخابات النيابية قد جرت أو صدر قانون يمدّد ولاية المجلس النيابي الحالي للمرة الثانية على التوالي، لتتحول الدولة اللبنانية في عيد استقلالها إلى دويلات عشائرية بدلاً من دولة القبائل، كما هي عليه اليوم. فالفراغ النيابي يعني استحالة انتخاب رئيس جمهورية، وبالتالي الفراغ الرئاسي، وحتى إذا ما حصل انتخاب الرئيس قبل العشرين من تشرين الثاني، تصبح الحكومة السلامية بحكم المستقيلة دستورياً (المادة 69 ـ دستور) ويستحيل تشكيل حكومة جديدة.
من هنا فإن حسم الاستحقاق المتعلق بالانتخابات النيابية يؤهل استمرارية كيانية الدولة للانطلاق منها إلى إمكانية كل ما يمكن أن يكون مطلوباً، ومن هذه الزاوية يجب أن يكون الموضوع الانتخابي القضية الأولى في الوقت المتبقي لحلول عيد الاستقلال.
وإذا كانت إجراءات الانتخابات النيابية معروفة ولا تتطلب قانوناً إلا قرارات من وزير الداخلية، فإن العائق الوحيد أمام العمل بها يبقى الهاجس الأمني، باعتبار أن الأوضاع الحالية وما يمكن أن يكون مرتقباً لا يمكن أن يتوافق مع عملية انتخابية ديموقراطية واسعة كالانتخابات النيابية، وهذا ما يفسح في المجال لعملية تمديد ولاية المجلس استباقاً لحصول الفراغ.
تمديد الولاية يتم بقانون، ويمكن أن يبدأ ذلك إما بمبادرة من مجلس الوزراء بإحالة مشروع قانون بذلك إلى مجلس النواب، أو باقتراح قانون من نائب أو أكثر (المادة 18 ـ دستور على أن لا يزيد عدد الموقعين على الاقتراح عن عشرة نواب ـ (101 نظام داخلي).
بعد اتخاذ أي من المبادرتين للتمديد تكون الإجراءات بشأنهما متساوية. يناقش المجلس المشروع أو الاقتراح، ويمكن إقرار المبادرة بأكثرية نسبية من عدد النواب الذين يتشكل منهم نصاب الجلسة، أي من 33 نائباً في حال التئام الجلسة بأكثرية مطلقة (65 نائباً). وفي هذا المجال لم يعارض رئيس المجلس الدستوري القاضي وجدي الملاط إمكان تمديد ولاية المجلس في حال وجود أوضاع ما تنتقص من ديموقراطيتها المعتادة على الأقل، إنما طرح تساؤلاً لم يجب عليه، محترماً بذلك أحكام المجلس الدستوري الذي كان يتولى رئاسته، فقال في تقديمه لكتاب عن المجلس المنتخب سنة 1972 «هذا المجلس النيابي المحدّدة مدته بأربع سنوات بموجب قانون عادي الخاضع منذ انتخابه لاشتراط دستوري رسمت قيوده المادة 42 ـ دستور هل كان يصح له أن يمدد لنفسه بموجب قانون عادي أو انه كان ينبغي لمثل هذا التمديد ان يعمد إلى قانون دستوري منطوٍ على تعليق مؤقت لأحكام هذه المادة الدستورية؟». وتنص المادة 42 على ان تجري الانتخابات العامة لتجديد هيئة المجلس في خلال الستين يوماً السابقة لانتهاء مدة النيابة.
وبتجاوز هذه الإشكالية والعودة إلى مسار مبادرة التمديد، فإذا أقر المجلس المبادرة يحيل رئيسه القانون للإصدار والنشر عبر رئاسة مجلس الوزراء. هنا يمكن القول بتعدد الاحتمالات، خصوصاً وان إقرار المشروع أو الاقتراح يتطلب توقيع رئيس مجلس الوزراء والوزير أو الوزراء المختصين وإحالته إلى رئاسة الجمهورية لإصداره وطلب نشره. وفي مجلس الوزراء ليس من صلاحيات أحد وقف مسار القانون فالتوقيع عملية إجرائية يمكن لرئيس مجلس الوزراء بعد نشر القانون الطعن به أمام المجلس الدستوري لإبطاله. وما يمكن أن يعقد هذا الجانب اليوم أن رئيس الجمهورية يتولى صلاحياته مجلس الوزراء. ففي الأصل عندما يتسلم رئيس الجمهورية القانون له حق إعادته إلى مجلس النواب ورفض نشره. ولكن إذا أعاد المجلس إقرار القانون بأكثرية مطلقة (65 صوتاً) يصبح على الرئيس تولي نشره وإذا لم يقدم على ذلك يعتبره القانون «نافذاً حكماً ووجب نشره». وفي السوابق تم نشر قوانين في وجود رئيس الجمهورية ومن دون أن تكون صادرة منه. ولكن حتى في مثل هذه الحالة يبقى للرئيس حق الطعن بالقانون أمام المجلس الدستوري لإبطاله كلياً أو جزئياً. ومثل هذه الصلاحيات قد آلت إلى مجلس الوزراء حتى انتخاب رئيس جمهورية جديد، وهذا ما يجعل مجلس الوزراء اليوم صاحب صلاحية تقريرية ويملك رقابة مزدوجة على قانون التمديد: مرة لجهة إصداره وطلب نشره، ومرة للطعن بالقانون. ولهذا فإن أي مبادرة لتمديد ولاية المجلس اليوم لا يمكن السير بها حتى النهاية من دون موافقة مجلس الوزراء ـ الرئيس، ومن ثم من دون موافقة رئيس مجلس الوزراء ـ الشريك في عدم إصدار القانون مع مجلس الوزراء وصاحب الصلاحية الخاصة بالطعن أمام المجلس الدستوري. وهنا لا يمكن القول إن مجلس الوزراء لا يملك صلاحية الطعن أمام الدستوري عملياً، لأنه إذا كان هذا المجلس قد صدّق على القانون باسم رئيس فكيف يمكن أن يعود ويطعن به؟!
في هذا المجال يمكن التوقف عند توافق مجلس الوزراء على ان تكون قراراته الرئاسية متخذة بالإجماع. فمثل هذا القرار لا مسوغ قانونياً له. فعندما أولى المشترع صلاحيات الرئيس لمجلس الوزراء لم يضع أي شرط إضافي يتوجب احترامه عندما يقرر مجلس الوزراء باسم رئيس الجمهورية، فمثل هذه الحرية تعني أن المشترع قد ترك لمجلس الوزراء اتخاذ القرارات الرئاسية وفق الشروط التي يتخذ بموجبها قراراته. والدستور نص على التوافق في هذا المجلس افتراضياً، بدليل انه قال إذا لم يحصل التوافق فتكون الموافقة بالأكثرية، مستثنياً من ذلك مواضيع محددة تتطلب أكثرية الثلثين وليس منها القرارات الرئاسية. فمن أين استمدّ مجلس الوزراء هذا القيد لعمله عندما اعتمد صيغة الإجماع؟ فأكثرية الثلثين هي الصيغة الأعلى الذي قيده الدستور بها، مع الإشارة إلى ان الإجماع لا نص عليه لا في الدستور اللبناني ولا في أي دستور في العالم، باستثناء الدول الفيدرالية التي يكون فيها التصويت من قبل الدول التي تشكل الفيدرالية منها، فالدستور اللبناني قال بأكثرية الثلاثة أرباع في مادة واحدة وفي حالة عرضية من شبه المستحيل توافرها (المادة 77 ـ دستور).
من هنا فإن عملية التمديد لمجلس النواب ليست في الأصل معقدة ولا تتطلب أي إجراء إضافي على المسار المطلوب لإقرار أي مشروع أو اقتراح عادي. وإذا كانت الحكومة اليوم تحمل عبء المسؤولية الرئاسية والإجرائية معاً، فهذا يمكن أن يعرقل لمدة شهر على الأكثر إصدار قانون التمديد أو أي قانون آخر، لأن عدم إصدار القانون ونشره في حال أعادته «الحكومة ـ الرئيس» إلى المجلس الذي يعود ليصر عليه بأكثرية مطلقة، يصبح نافذاً حكماً بعد شهر من إحالته.
لذلك فإن لبنان ـ الدولة أمام خيار من اثنين: إما إجراء الانتخابات قبل 20 تشرين الثاني، وإما تمديد ولاية المجلس الحالي. فإذا كان الوضع الأمني لا يفسح في المجال لإجرائها ولو بتوافر ديموقراطية شكلية، يصبح التمديد مسؤولية وطنية حتى ولو انعدم وجود البندورة في الأسواق والبساتين، وفي ذلك يكون الاستحقاق الانتخابي سبيلاً للتعويض على المزارعين وتجار الخضار، وفي ذلك واحدة من حسنات التمديد.. إن لم تكن الحسنة الوحيدة.