IMLebanon

تموز الفلسطيني وتموز اللبناني

يسكب الجيش الإسرائيلي ناره على غزة. يعاقب البشر والحجر. صواريخ «حماس» و «الجهاد» تصل تل أبيب والقدس وحيفا وتقترب من مفاعل ديمونة. تتذكر الدولة العبرية انها دولة صغيرة هشة. على سكانها المسارعة إلى الملاجئ لأن خالد مشعل ورمضان شلّح قررا الرد على النار بالنار.

تتذكر إسرائيل أنها دولة هشة. لا مناطق آمنة فيها. ومساحتها أقل بكثير من الأراضي الخاضعة لـ «الخليفة» أبو بكر البغدادي. وأقل أيضاً من مساحة الأراضي التي يسيطر عليها «داعش» في سورية. أقول دولة هشة ولا أقول إنها مهددة بالتفكك أو الانهيار.

الصواريخ سلاح الفقراء. سلاح الذين لا قدرة لهم على اقتناء طائرات حديثة تمتلك قدرة استثنائية على التصويب والتدمير. هي رسائل لاختراق الأمن والهيبة، والتذكير بأن النزاع لم يحسم، وأن أصحاب الحق لم يتنازلوا عنه، وأنهم ليسوا في وارد الاستسلام تحت وطأة الخلل الهائل في ميزان القوى.

تحاول الصواريخ أن تكون سلاحاً رادعاً. تقول إن عهد الاستباحة الكاملة مضى، وإن للغارات الإسرائيلية الوحشية ثمناً، وإن الإسرائيلي لن ينعم بالهدوء إذا حرم ابن غزة منه، وإن على الاقتصاد الإسرائيلي أن يدفع هو الآخر ثمن غطرسة آلته العسكرية وعدوانها، وإن «القبة الحديد» لا تكفي للاحتماء من مطر الصواريخ، فضلاً عن كونها مكلفة.

يسكب الجيش الإسرائيلي ناره على غزة. صواريخ تموز (يوليو) الفلسطيني الجاري تذكره بصواريخ تموز 2006 اللبناني. بين التموزين خيط من الدم وخيوط أخرى كثيرة.

تموز اللبناني هو الذي أدخل الصواريخ الى معادلة الأمن الإسرائيلي. فوجئت إسرائيل بهذا التطور العسكري، واضطرت إلى قبول وقف النار قبل أن تتمكن من تدمير الصواريخ أو إسكاتها. للمرة الأولى لم تتمكن إسرائيل من حسم الحرب لهذا اعتبرت هزيمة لها. لكنها حصلت في وقف النار على معادلة أبقتها منذ ذلك التاريخ بمنأى عن الصواريخ النائمة في مخازن «حزب الله».

كانت لتموز اللبناني نتائج أخرى كثيرة. تأكيد مرابطة إيران على حدود إسرائيل مع جنوب لبنان. مساعدة سورية على الخروج من العزلة التي دخلتها بعد اغتيال الرئيس رفيق الحريري في 14 شباط (فبراير) 2005. تشجيع إيران وسورية على الذهاب أبعد في استنزاف الاحتلال الأميركي للعراق. منع قيام حكومة لبنانية مستقرة معادية للنفوذين السوري والإيراني. تحول «حزب الله» لاعباً إقليمياً وجيشاً متماسكاً قادراً على أداء أدوار أخرى.

تنطلق صواريخ تموز الفلسطيني في منطقة أخرى. الجيوش العربية تآكلت أو غرقت في دم شعوبها. وحدات كاملة من الجيش العراقي تركت أسلحتها ومقارّها مقدمة لعناصر «داعش» هدية لم يحلموا بمثلها. الجيش السوري يقاتل في حلب ودرعا وغوطة دمشق، ولا شيء يضمن أن السنة الرابعة من الحرب ستكون الأخيرة. الجيش اللبناني يخوض معركة ضد الإرهاب في الداخل، وعدم تمتعه بحصرية السلاح ينذر بتعقيد علاقاته بالمكون السنّي. و «حزب الله» الذي أمطر إسرائيل بالصواريخ في تموز 2006، يقاتل في تموز الجاري على الأرض السورية. الجيش المصري الذي لعب دوراً حاسماً في الانتفاضة التي طوت صفحة «الإخوان» في مصر، يقاتل هو الآخر الإرهاب في سيناء والمدن المصرية. ولا يغيب عن الحساب أن «حماس» تدفع هي الأخرى ثمن محاولة «الإخوان» الاستيلاء على «الربيع العربي». غادرت سورية وهي متهمة في مصر.

ربما بسبب هذه اللوحة القاتمة يراهن بنيامين نتانياهو على تأديب غزة وتموزها وصواريخها. لا يبخل الفلسطينيون بالتضحيات. المقاومة خيارهم وقدرهم. لكن تموز الفلسطيني يجري فيما الأمة مُشلّعة الدول والجيوش والإرادة. أمة يلعب الجيران على أرضها وتغص عواصمها بالجيوش الصغيرة والجثث والنازحين.