بين التموزين، مقاومة وانتصار.
في تموز 2006 سطرت المقاومة في لبنان ملحمة الانتصار التاريخي على العدو الاسرائيلي, وها هي غزة في تموز 2014 في ميدان المقاومة من جديد تتصدى وتواجه بلحمها ودمها وتستنسخ بمقاومتها الانتصار نفسه على العدو نفسه.
من تموز المقاومة في لبنان الى تموز المقاومة في فلسطين.. العدو نفسه يستبيح غزة, مدعوما بتواطؤ العالم مع آلة الدمار الاسرائيلية وبتخاذل العرب، فهم إما متواطئون واما نائمون مخدرون واما هم عن انفسهم وعن مصابهم وعن مصيرهم غافلون.
ها هي المقاومة الفلسطينية تستوحي بتصديها للعدو الاسرائيلي الكثير مما افرزته حرب تموز من عبر عسكرية واستراتيجية. وها هي صواريخ الغزيين تسقط على رأس العدو وفي عمق كيانه فارضة عليه معادلة الردع التي صارت وحدها تحكم اي معركة تخوضها اسرائيل في اي من ساحات المواجهة من لبنان الى فلسطين.
غزة صامدة وتقاتل، ولبنان هو الامثولة والقدوة.
في 12 تموز 2006 شنت اسرائيل حربها الثانية على لبنان.
في ذلك اليوم ضرب العدو هذا البلد لاعتقاده أنه الحلقة الاضعف بوحدته الداخلية الهشة وبنيته الوطنية المخلعة ومكوناته الممزقة القابلة للانهيار.
كان هدف العدو مع الراعي الاميركي لحرب تموز 2006 هو العصف بالمقاومة واستباحة المنطقة بأكملها ببناء شرق أوسط جديد مفتت ومجزأ عماده التوطين وتحويل الكيانات القائمة في هذا الشرق إلى دول فاشلة تعمها الفوضى الهدامة, وترسيخ الفرز وانجاب الكيانات الطائفية والمذهبية والاثنية.
تصدت المقاومة وخاضت ملحمة الثلاثة والثلاثين يوما في مواجهة العدوان الذي ضرب كل لبنان. وصمدت مع جيشها وشعبها وانتصرت وفرضت على العدو توازن الرعب. فكان تأريخ الانتصار.. انتصار الدم على السيف, وتأريخ الهزيمة .. هزيمة الجيش الذي لا يقهر مرة جديدة على أرض لبنان.
وها هو العدو أسير عقدة حرب تموز 2006. عقدة الهزيمة التي اقرّت بها «لجنة فينوغراد» ويرفض أن يعترف بها بعض اللبنانيين المنادين بنزع سلاح المقاومة حتى يومنا هذا.
تلك الهزيمة, وباعتراف قادة الاحتلال انفسهم, ما تزال تلقي بتداعياتها وظلالها على كل مفصل من مفاصل كيان العدو، وهو ما يظهر جلياً من خلال المناورات العسكرية التي اجراها جيش العدو على مدى سنوات متتالية ومن ضمنها تأهيل ما تسمى «الجبهة الداخلية» وحراستها بقبب حديدية اخترقتها صواريخ المقاومة في غزة، فضلا عن استمرار التلويح بالحرب القادمة للاقتصاص من «حزب الله» والثأر لمفاعيل حرب تموز.
لقد فرضت المقاومة معادلة الردع، ومع القوة التي راكمتها في السنوات الثماني الاخيرة عقيدة وعديدا وعدة ورؤية عسكرية وعقلا امنيا استخباريا وادوات قتالية نوعية وقوة صاروخية هائلة صارت كل بقعة في فلسطين المحتلة في متناول نار المقاومة وتحت مرمى صواريخها.
باتت تلك المعادلة وحدها هي التي تحكم قواعد المواجهة بين المقاومة والعدو الاسرائيلي, وليس القرار 1701 الذي لم ينص على وقف اطلاق النار بل على وقف الاعمال القتالية, ومع ذلك لم يلتزم العدو به وما يزال يخرق السيادة اللبنانية يوميا.
معادلة الردع هذه, شكلت وما تزال عنصر التوازن الحقيقي في مواجهة اسرائيل بعد تفكك او ضعف الجيوش العربية, وجعلت اسرائيل بناء على ذلك تعد الى المليون قبل ان تفكر بالعدوان من جديد خصوصا ان مفاعيل الردع قائمة وتتجذر من ضمن استراتيجية قتالية نوعية ومعها الاستعداد ليس للمواجهة والصمود فقط بل لنقل مسرح العمليات العسكرية الى داخل فلسطين المحتلة, ولعل العبرة في كلام الامين العام لـ«حزب الله» السيد حسن نصرالله لرجال المقاومة: استعدوا للدخول الى الجليل اذا ما فرضت اسرائيل حربا جديدة على لبنان.
سكتت المدافع والصواريخ والغارات الجوية وتوقفت الاعمال الحربية في 14 آب 2006, ولكن لا وقف لاطلاق النار والحرب لم تنته بعد.
هي مستمرة بالخروق الاسرائيلية اليومية للسيادة اللبنانية برا وبحرا وجوا. مستمرة في تمادي العدو في استباحة لبنان وفي محاولة خلق البيئة المعادية للمقاومة وشيطنتها والدعوة الى نزع سلاحها.
هي مستمرة بشبكات التجسس والعملاء واغتيال المقاومين والحرب الامنية والاستخبارية المتواصلة.
هي مستمرة في الرعاية الاميركية الغربية المباشرة للخروق الاسرائيلية وتبرير عدوانها وتغطيته.
هي مستمرة بالضحايا الشهداء والجرحى من المدنيين الذين ما يزالون يسقطون جراء القنابل العنقودية والألغام التي زرعها العدو في ارض الجنوب.
هي مستمرة بالغزو الارهابي عبر السيارات المفخخة والانتحاريين والتكفيريين, وجعل لبنان بيئة حاضنة للارهاب والانتحاريين.
هي مستمرة بالمصلحة المشتركة للعدو الاسرائيلي وتلك المجموعات الارهابية في ضرب المقاومة وبيئتها, بما يحقق لاسرائيل ما عجزت ان تحققه في زمن الحرب.
هي مستمرة بالغزو المذهبي ومحاولة خلق فتنة مذهبية سنية شيعية ونسف العيش المشترك بين المكونات اللبنانية وجعل هذا البلد كيانات ممزقة.
هي مستمرة بضعف العرب وتضييع القضية المركزية في الصراعات والخلافات وتغليب المذهبيات والعصبيات.
هي مستمرة، ولكن المقاومة ايضا مستمرة وواثقة أكثر من أي يوم مضى بأنها منتصرة وأن زمن الهزائم ولى نهائيا.