من نافل القول إنّ الغموض السّياسي والميداني هو سيّد الموقف، سواء تعلَّق الأمر بتطورات العراق أو بدول الجوار، بعد انكفاء المشهد السوري نسبياً هذه المرحلة. لكنّ الأكيد أنّ معطياتٍ ورموزاً عدة كانت احتلَّت عناوين المشهد الإقليمي، هي في طريقها الآن الى الاختفاء.
بعد نحو عشرة ايام على «زلزال الموصل»، لم يعد البحث في السيناريوهات التي قادت اليه مُجدياً. فنحن أمام مشهد سياسي آخر، قد يكون في طريقه الى إعادة رسم توازنات إقليمية وحتى عسكرية، كانت سادت بعد انسحاب الجيش الأميركي من العراق.
تقول مصادر أميركية مطلعة «إنّ ما حصل أعاد خلط أوراق القوى التي تولّت خلال الأعوام الماضية «التفويض» السياسي والأمني الذي فرض في العراق. فقد وصل الطرف الذي اعتبر نفسه المنتصر الأكبر في هذه المنازلة الإقليمية الى مأزق، في حين أنّ كل المخارج المتاحة قد تضعه في مأزق اكبر منه. لكنّ الشيء الأكيد هو أنّ حواراً سياسياً قد بدأ مجدّداً بين الأميركيين والإيرانيين على رغم إدّعاءات طهران بنفيه».
وتجزم المصادر بأنّ «لا مكان لرئيس الوزراء العراقي المنتهية ولايته نوري المالكي في أيّ تسوية. وهذا هو جوهر الرسالة الأميركية التي ردَّدها أكثر من مسؤول، وفي مقدّمهم الرئيس الأميركي باراك أوباما، حين قرن أيّ تدخل أميركي بضرورة التخلص من الأسباب التي أوصلت العراق الى ما هو عليه اليوم».
وتلفت تلك المصادرالى أنّ «ذلك قد لا يعني نهاية سريعة للأزمة، خصوصاً أنّ «مونة» الإيرانيين والأميركيين على القوى التي انتفضت في العراق، ومن بينها «داعش»، قد لا تسمح بنجاح الإتصالات او الترتيبات. هذا من ناحية، ومن ناحية اخرى فإنّ تتبّع ردود الفعل «العراقية» على ما حصل، لا يبعث كثيراً على التفاؤلِ بإمكانِ الخروج من هذه الأزمة سريعاً. فالدعوات الطائفية والفتاوى الدينية، وفتح باب التطوع على النحو الحاصل، يطيح بإمكان توقع تكوّن رد فعل وطني عراقي يجيب على أساس المشكلة الكيانية والسياسية للأزمة العراقية. وهذا ما سيقود للأسف الى جولات من العنف أهونها مدمّر، وأقصاها إطاحة ما تبقّى من مبررات قيام الدول التي عرفتها المنطقة منذ الربع الأول من القرن الماضي». وتؤكد تلك المصادر أنّ «قرار الإدارة الاميركية عدم التدخل في المنطقة لا عودة عنه، على رغم الإعلان عن إرسال إستعدادات عسكرية كثيرة الى المنطقة، لا بل قد تكون هذه الإستعدادات من باب رسم حدود تدخّل الآخرين». وتكشف أنّ هناك «اطمئناناً أمنياً أميركياً الى أنّ الفوضى المرتقبة في المنطقة، لن تفيض عن حدودها، في الوقت الذي ينغمس أطرافها في الدفاع عن «مقدساتهم» وعن مبررات وجودهم السياسي»، لافتة إلى أنّ «الإرتباك السياسي الذي تعيشه دول اقليمية قريبة وبعيدة، ينعكس سواء في التصريحات المتناقضة للقادة الإيرانيين، او في «الصمت» الروسي البليغ، فيما المفاوضات النووية مع ايران، قد تكون وصلت الى خواتيمها، في انتظار انتهاء الجولة الراهنة».
وتؤكد المصادر نفسها أنّ «شراكاتٍ جديدة ستطرأ على المشهد العراقي، ليس أدلّ عليها، سوى الطلعات العلنية للطيران الحربي التركي فوق أجواء الموصل، فيما التلعثم سيد الموقف لدى الإيرانيين».
وتختم المصادر: «إنّ الوضع في سوريا قد يكون في طريقه الى التبدّل هو الآخر، بعدما تحوَّل المشهد فيها عمليات كرّ وفرّ حقيقية، في ظل عجز الآلة السياسية والعسكرية الإيرانية عن إنجاز او استثمار ايّ انتصار حقيقي، بعدما تبدّدت سريعاً نشوة ما بدا نجاحاً عقب تجديد انتخاب بشار الأسد رئيساً».