كيري – الراعي والزوايا الحادّة
تهاوي «الأقوياء والضعفاء» ورئيس استقرار لن يتأخّر!
هل تخرج زيارة رئيس الدبلوماسية الأميركية جون كيري إلى بيروت، الأربعاء الماضي، عن اعتبارها تعبيرا عن «أننا هنا»، في إشارة إلى عدم غياب الدور الأميركي عن مجريات الحدث اللبناني، في ضوء الاشتباك الروسي – الأميركي في مواجهة القرم الجديدة بين أوكرانيا الأوروبية والقرم الروسية؟
ولماذا لم تعطَ هذه الزيارة، بُعدها المؤثّر، على مسرح الانتخابات الرئاسية اللبنانية؟ وهل تعني الزيارة إنهاء التفويض المعطى لفرنسا فرنسا هولاند على صعيد لعب دور الوسيط، في البحث عن تقاربات لبنانية – لبنانية، تسمح بتجاوز إشكالات انتخاب الرئيس الجديد، أو على الأقل، تحدّ من توترات، قد تطال الحكومة، والمجلس النيابي، وفقاً لما توقعه الوزير كيري؟..
المتفق عليه أن زيارة كيري، هي بلا أثر حتى إشعار آخر، والمتفق عليه أن الدبلوماسي الأميركي «المرن»، الذي يمثّل سياسة الولايات المتحدة في الولاية الثانية للرئيس الديمقراطي، من أصول أفريقية، باراك أوباما، بحث مع الكاردينال الماروني بطرس بشارة الراعي، في تصوّره، ليس لأسباب تأخّر انتخاب رئيس الجمهورية، الذي ينتمي إلى الطائفة المارونية وحسب، بل إلى رؤيته لما يمكن فعله، لجهة الشعور المترتّب عن التخلّف عما يعتبره الكاردينال «واجب النواب في انتخاب الرئيس»، وإذا سأل كيري الراعي عن خلفيات تحفّظ الكنيسة المارونية على العمل بموجب المادة 62/د لملء الفراغ، أي بانتقال صلاحيات رئيس الجمهورية وكالة إلى مجلس الوزراء، كان البطريرك حاسماً لرفض هذا التساؤل من زوايا حادّة:
1- هذا موقع ماروني، استمراره، وفعاليته، من شأنه أن يحفظ مسيحيي لبنان، ومسيحيي الشرق أيضاً. وفي حين كان الاتجاه يسير للمطالبة باستعادة صلاحيات منقوصة للرئاسة الأولى، بعد اتفاق الطائف فإذا بالمفاجأة أن الرئاسة لم تعد قائمة، لا رئيساً ولا صلاحيات!!
2- من شأن عدم انتخاب الرئيس، إحداث خلل حقيقي في الميثاق الوطني، بين الطوائف الكبرى في لبنان، لا سيّما الطائفتين المسلمتين، السنّة (رئاسة الحكومة) والشيعة (رئاسة مجلس النواب)، وهذان المنصبين غير شاغرين، ولم يشغرا مرّة، بل إن أصبح ما يشبه العُرف أن تتأخر انتخابات رئاسة الجمهورية، ويصبح قصر بعبدا بلا رئيس، وهي ليست المرة الأولى. ولا يجوز الشغور أن يستمر ولا أن يتكرر. وبكركي ليست في وارد التساهل مع هذا الموضوع.
3- إن انتقال صلاحيات الرئيس إلى مجلس الوزراء، يعني طغيان في السلطات والصلاحيات، وتعوّد الوضع السياسي، على التعايش، مع هذا الخلل، وتحويل الرئاسة لشأن زائد وليس أمرا وطنيا، ضروريا، لا يستقيم عمل المؤسسات بدونه..
وترددت معلومات أن بكركي حثّت الدول الكبرى، ومن بينها الولايات المتحدة على القيام بمسؤولياتها والتزاماتها تجاه لبنان.
وبصرف النظر عن الوعد الذي قطعه كيري للقيام بمثل هذا الدور، إلّا أن المراقبين، الذين تابعوا باهتمام تصريحات الوزير الأميركي، وبمعزل عن دقة الترجمة أو خيبتها، لاحظوا تخوّفه من تداعيات استمرار الفراغ في قصر بعبدا، على مستويات الأمن، وعجز القوى الأمنية عن ضبط الوضع، لأسباب تتصل بالانقسام السياسي، في حال حصول شيء، لجهة الحدود الشمالية والشرقية، فضلاً عن انتقال الشلل في ممارسة السلطة، إلى مجلس الوزراء والبرلمان. وهذا ما يفسّر استمرار التباين، وغياب الإتفاق على آلية ممارسة صلاحيات الرئيس، لجهة التوقيع، ونشر القوانين والمراسيم.
وتخشى المصادر السياسية اللبنانية، المعنية باستمرار الاستقرار، أن تكون مهمة كيري، لا تتجاوز «المهمة الاستطلاعية» إذا خلصت النيّات، أو «تبرئة الذمّة» من وجهة «سوء الظن» لدى المعنيين، وحتى لا يُقال أن الإدارة الأميركية منشغلة بشؤون كثيرة عن لبنان.
وفي ظل هذا الإعراض الحاصل، دشّنت وزيرة خارجية إيطاليا باكورة حركة أوروبية ودولية على خط نقل التحيات والأمنيات والإعراب عن الاستعداد للمساعدة، حيث تدعو الحاجة، أو يتفق اللبنانيون على طلبها، باستثناء متابعة أوضاع النازحين السوريين، في ضوء «تكشير» وزراء المصلحة الوطنية عن أنيابهم، لا سيّما أولئك المعنيّون منهم، من وزير الخارجية جبران باسيل، الذي يركّز في حملته على أن لبنان مهدّد «وجوداً وكياناً» من استمرار الزحف السوري النازح، ووزير الشؤون الإجتماعية رشيد درباس، الذي يردّد في السرّ والعلن أن لا إمكانية بعد لاستيعاب أيّ نازح جديد، بعدما بلغ «السيف الزبا» كما يُقال.. إلى وزير الداخلية نهاد المشنوق، الذي اجترح طريقة غير مسبوقة للتخفيف من أعداد النازحين السوريين، باعتبار السوري الذي يُكثر من الذهاب والإياب إلى سوريا، عبر المصنع وجديدة يابوس، والعبدة، هو ليس بنازح، وسيفقد عاجلاً أم آجلاً هذه الصفة، التي توفّر له دعماً من الدول المانحة، ومن الدولة اللبنانية، التي تستجدي «العطاءات» من هنا وهناك، وهذه العطاءات ليست سخية باعتراف رئيس البنك الدولي جيم يونغ كيم، والوزير كيري ومسؤولة النازحين في مفوضية الأمم المتحدة.
إكتمل المشهد الإنتخابي، قبل زيارة كيري إلى بيروت. في عواصم الشرق العربي المضطربة:
1- جرت الإنتخابات التشريعية العراقية، وأعيد انتخاب كتلة نور المالكي (تقاطع أميركي – إيراني) بقوة في البرلمان.
2- انتخب وزير الدفاع المصري الأسبق المشير عبد الفتاح السيسي رئيساً لجمهورية مصر العربية، ونُصّب رئيساً امس بمشاركة عربية كثيفة، ودولية أيضاً (وهو يحظى بدعم سعودي – روسي وحتى أميركي).
3- أُعيد انتخاب الرئيس بشار الأسد لولاية ثالثة في الجمهورية العربية السورية، وهو يحظى بدعم إيراني- روسي – فنزويلي – وكوبي، وحتى صيني، وسط امتعاض عربي، وتشكيك أميركي وأوروبي، وأوصاف تخرج عن منطق الديمقراطية، بما هي انتخابات، إلى ما يمكن وصفه لغة تحريض وبروباغندا سوداء، تتحدث عن «إنتخابات الدم» والقيمة (Zero) لها بتوصيف الوزير كيري نفسه..
4- توقفت أزمة الإنقسام الفلسطيني، وتشكّلت حكومة «فتح – حماس» والمنظمة، ولو لبست ثياب «التكنوقراط»..
استحقاقات إثر استحقاقات، معالم صورة جيوسياسية، لم تشهد تغييراً كبيراً، إلّا أنه من الخطأ الإعتقاد أن المشهد أُعيد إنتاجه، ما حصل يتجاوز هذه «السذاجة الفكرية». ما حصل هو إعادة رسم حدود «القوّة والضعف» لدى اللاعبين الإقليميين والدوليين على مسرح «الجمهوريات العربية» المضطربة؟!
والسؤال: ماذا عن الجمهورية اللبنانية؟ السؤال في مكانه، والإجابة ليست صعبة! انتهت مرحلة الانتظار والإختبار، وتهاوي الرهانات، وستبدأ في وقت ليس ببعيد رحلة البحث عن رئيس لن يكون من الأقوياء ولا الضعفاء، بل خلاصة اتفاق ينسجم مع استمرار الاستقرار؟!