تهجُّم «تكتل التغيير» على خصومه مؤشّر على انعدام حظوظ عون بالرئاسة
بوادر التعاون الإقليمي والدولي لمحاربة داعش تفتح الأبواب أمام انتخاب رئيس توافقي
الوقائع المتسارعة في لبنان والمنطقة أغلقت الأبواب أمام تكتل «الاصلاح والتغيير» في إيصال رئيسه لسدة رئاسة الجمهورية
يرى سياسي بارز أن خروج تكتل «التغيير والاصلاح» العوني عن طوره في ما خصّ مسألة ترشيح رئيسه النائب ميشال عون لرئاسة الجمهورية وجنوحه لرشق معارضي ترشيحه وتحديداً منهم «تيار المستقبل» من دون أن يسميه بأبشع النعوت ووصفهم زوراً وبهتاناً بالدواعش وتشبيه اعتراضاتهم لهذا الترشيح بما يرتكبه تنظيم «داعش» الإرهابي، لم يأتِ من فراغ ولكن لأسباب واعتبارات عديدة، أبرزها، إنسداد معظم الأفاق التي كان يأمل من خلالها التكتل الحصول على التأييد النيابي اللازم من خصومه قبل حلفائه لتأمين وصول عون لسدة الرئاسة الأولى، وذلك بعد فشل كل الجهود المبذولة منذ ما قبل تشكيل الحكومة الحالية وبعدها لإقناع هؤلاء الخصوم بتأييد هذا الترشيح وخصوصاً منهم «تيار المستقبل» الذي يحظى بعدد أكبر كتلة نيابية في المجلس ومن دون هذا التأييد يصبح متعذراً تحقيق طموح عون في تبوؤ سدة الرئاسة الأولى، وبرغم كل محاولات تبييض صفحة عون السوداوية وأساليب التقرّب والالتفاف والمساكنة المموهة التي تمنطق بها «التيار العوني» لإقناع خصومه السياسيين بانتخاب زعيم «التيار العوني» رئيساً للجمهورية كونه تبدّل عن الماضي وباعتباره شخصية قادرة على أن يكون جسر تواصل بين الأطراف المختلفين لا سيما «حزب الله» و«تيار المستقبل» وقادراً على تقريبهم من بعضهم البعض، وإطلاق تسمية الشخصية «التوافقية» عليه تارة و«الحوارية» تارة أخرى وما شابه من صفات ودودة وتقريبية لم تتطابق إطلاقاً على شخصية عون أو ممارساته على الإطلاق في يومٍ من الأيام، لم تفلح كل هذه المحاولات في تغيير نظرة خصومه تجاهه بعد أن أظهرت سلوكياته العلنية والخفية عدم حصول أي تبدّل في تركيبته السياسية أو توجهاته خصوصاً بالنسبة لتحالفاته أو تسويقه ودفاعه عن تحالف الأسد وإيران أو تبديل تعاطيه مع خطط «حزب الله» لمصادرة قرار الدولة اللبنانية واستمرار تأييده لتفلت سلاحه من سلطة الشرعية اللبنانية.
أما السبب الثاني المهم، فهو الشعور العام لدى التكتل بعدم وجود أي حماس أو تجاوب لدى الدول العربية المعنية بالوضع اللبناني والدول الكبرى المؤثّرة لا سيما منهم من كانوا على اتصال مع عون في السابق لوصول زعيم «التيار العوني» لسدة الرئاسة الأولى، استناداً الى التجارب غير المشجعة في التعاون معه في المرحلة السابقة وسرعة تقلب مزاجه باتخاذ القرارات غير الصائبة وخوضه لسلسلة المغامرات التدميرية «الحرب ضد القوات السورية، حرب الإلغاء ضد «القوات اللبنانية» واستدراج الجيش السوري للسيطرة على لبنان بسبب رفضه التعاون لتنفيذ اتفاق الطائف الذي أنهى الحرب الأهلية في لبنان.
يضاف الى هذين السببين تحسس التكتل بتسارع وتيرة الاتصالات مع حلفائه وتحديداً «حزب الله» للتفاهم على أسم شخصية توافقية لتبوؤ منصب رئاسة الجمهورية من الأسماء المطروحة في البازار الرئاسي، لا سيما وأن هذه الاتصالات تسارعت في الأسابيع القليلة الماضية وقطعت شوطاً لا بأس به وخصوصاً بعد تفاعل وتزايد التحديات والمخاطر العديدة التي تعصف بالمنطقة كلها نتيجة تمدد تنظيم «داعش» الارهابي في العراق وسوريا على نحو لم يسبق له مثيل من قبل، مما استدعى العديد من الأطراف ودول المنطقة لمناشدة الولايات المتحدة الأميركية بمن فيها خصومها المعتادين للتدخل عسكرياً وبسرعة لقيادة الحرب على هذا التنظيم والمساعدة على القضاء عليه، الامر الذي فتح باب الأخذ والرد على أوضاع المنطقة وتكريس الولايات المتحدة كطرف فاعل ومؤثر ليس في ما يجري بالعراق وسوريا فقط وإنما قد يتناول لبنان وأوضاعه بمن فيها مسألة الانتخابات الرئاسية باعتبارها صمام أمان وضرورة لانتظام مؤسسات الدولة وقدرتها على القيام بالمهمات المنوطة بها ومن ضمنها مكافحة الإرهاب المتأتي من الأزمة السورية وتداعياتها.
ويضيف السياسي البارز أن هذه الوقائع المتسارعة في لبنان والمنطقة اغلقت الأبواب امام تكتل «الاصلاح والتغيير» في إيصال رئيسه لسدة رئاسة الجمهورية، بالرغم من موقف «حزب الله» الداعي مواربة لترشيح عون لمنصب الرئاسة، ولكن من دون التحوّل لتبني هذا الترشيح بشكل مباشر وعلني لئلا يترتب أي التزام ثابت في ظل وجود اعتراض سياسي محلي واسع ضد هذا الترشيح ومن بعض حلفاء الحزب المؤثرين وللافساح في المجال امام أي تسويات مرتقبة لتأخذ مكانها في المستقبل، وهذا يتقرر استناداً لمصالح الحزب كما حصل في العديد من الملفات والقضايا الخلافية السابقة، في حين ان التلطي وراء مواقف النائب عون بالنسبة للاستحقاق الرئاسي تفرضه ارتباطات الحزب الإقليمية وانغماسه في الحرب السورية والتي تفرض عليه عدم الاستعجال حالياً في بت مسألة الانتخابات الرئاسية.
ويعتبر السياسي البارز أن جنوح تكتل «التغيير والاصلاح» لاطلاق مثل هذه المواقف والنعوت ضد خصومه الرافضين لتأييد ترشيح رئيسه لمنصب الرئاسة الأولى، كما الاقدام على تقديم اقتراح قانون لتعديل الدستور لانتخاب رئيس الجمهورية من قبل الشعب مباشرة، إنما يؤشر إلى فقدان الأمل بإمكانية وصول عون لسدة الرئاسة الأولى، ولذلك اقدم التكتل على الانتقال من حالة المساكنة الاجبارية إلى حالة التهجم الانفعالي المتفلت ضد خصومه وقذفهم بأبشع النعوت والاوصاف، بعدما بقي حتى زعيمه والوزير جبران باسيل وغيره من قياديي «التيار المحظوظين» يلهثون ويركضون وراء خصومهم المذكورين من دولة لأخرى لاستجداء تأييدهم ولكن من دون جدوى.