يعترف الشيعة العراقيون بأن رئيس الوزراء نوري المالكي ارتكب في حق شعب بلاده بكل مكوِّناته ومنهم السنّة أخطاء جسيمة، وتالياً بأنه مسؤول إلى حد كبير عن ما يعيشه العراق اليوم من تفتت يكاد يصل إلى التقسيم، ومن احتقان مذهبي يكاد أن يطلق حرباً سنّية – شيعية واسعة، علماً أنها لم تخمد يوماً بعد إيقافها عام 2006 و2007، سواء في السياسة أو في النفوس أو في الممارسة أو في الأعمال الإرهابية. لكن هذا الاعتراف، في رأي شخصية شيعية عراقية مطلعة ومتابعة ما يجري في بلادها من داخلها ومن خارجها، لا يعني أن المسؤولية محصورة فيه وحده. إذ يشاركه فيها السنّة العراقيون والسنّة الأكراد عبر سياسات قادتهم وممارساتهم منذ إطاحة نظام الراحل صدام حسين “وقيام” العراق الجديد. فالأكراد بنوا دولة شبه مستقلة، ويحاول قادتهم اليوم وفي مقدمهم مسعود البرازاني استغلال “المأساة” الراهنة بغية إعلان قيامها واستقلالها. وما تردَّد دائماً عن تحالف شيعي – كردي في العراق لم يكن “كذبة” على الإطلاق. ذلك أن المكوِّنين المهمين عانيا من صدام ورجاله الكثير، وكانت لهما فائدة ثابتة وأكيدة في التحالف. لكنه كان تحالفاً مصلحياً. واليوم ربما تقضي مصالح الجانب الكردي فيه باتخاذ موقف آخر قد لا يعتبره الجانب الآخر أي الشيعي ملائماً له ومحققاً تطلعاته، بل ربما يرى فيه أذى مباشراً له. كما يشارك المالكي الممثل الشيعي في الدولة والسلطة، في المسؤولية عن الخطر الكبير الذي وقع فيه العراق أخيراً، ممثلو المكوّن السنّي في العراق الذين بازدواجية مواقفهم ساعدوا مَن يحمِّلونه المسؤولية اليوم في إيصال البلاد الى الحال الراهنة. فضلاً عن أن الكلام الذي تطلقه العشائر السنّية العراقية على وجه الإجمال ومعها دول عربية وإسلامية عدة في مقدمها المملكة العربية السعودية، والذي يجعل من التهميش للسنّة الذي مارسه المالكي من دون معارضة جدية من القيادات الشيعية سبباً لما يجري، فضلاً عن أن هذا الكلام ليس دقيقاً لا بل ليس صحيحاً بكليته. علماً أن الشخصية الشيعية العراقية المشار إليها أعلاه لا تعتبر “داعش” أي “الدولة الإسلامية في العراق والشام” التي صارت اليوم “الدولة الإسلامية”، سعودية. ويعود عدم دقة الكلام المذكور إلى أن “الدولة العميقة” وهي سنّية، لا تزال موجودة في العراق وفي مؤسساته الإدارية والأمنية (استخبارات) والعسكرية. ويعود أيضاً إلى الوزن الاقتصادي الكبير للسنّة في العراق وإلى وجودهم المباشر في وزارة النفط الذي هو الثروة الأساسية وإن غير الوحيدة للعراق. ويعود أخيراً وليس آخراً إلى عمليات القتل والتفجير اليومي وخلال السنوات الأخيرة التي استهدفت في المقام الأول شيعة العراق، وفي هذا المجال لا يمكن اعتبار “الفتوى الكفائية” للمرجع الديني الأبرز لشيعة العراق آية الله علي السيستاني موقفاً متسرِّعاً حوَّل الحرب المذهبية السنّية – الشيعية علنية ورسمية بعدما كانت ضمنية، وذلك بحسب الشخصية العراقية المتابعة إياها. بل ربما يكون تحذيراً هدف إلى ثني زعيم “داعش” أو “الخليفة الجديد للمسلمين” عن الاستمرار في العمليات العسكرية تلافياً لاندلاع هذه الحرب وعلى نطاق واسع جداً، ولا سيما بعدما كانت المعلومات المتداولة في حينه، ليس في أوساط الشارع و”العامة” بل في أوساط المسؤولين والدوائر العليا، تفيد أن الهجوم العسكري على بغداد والجنوب سيبدأ بعد نحو 48 ساعة.
هل كلام الشخصية الشيعية المتابعة جداً يتسم بالموضوعية والدقة؟
فيه الكثير من هذين الأمرين. لكن الإنصاف يقتضي الإشارة إلى أنه لا يخلو من محاولة لتخفيف مسؤولية رئيس الوزراء المالكي، ليس عن محبة له ولا تقدير، بل رغبة في الانطلاق من ذلك لدعوة العراقيين كلهم إلى تفادي الوقوع في الأسوأ الذي هو الحرب ثم التقسيم. ويبدو ذلك واضحاً من خلال اعتبار الكلام العربي والغربي والإسلامي عن تهميش السنّة في العراق “بروباغندا”. علماً أن فيه شيئاً من “البروباغندا”، إذ ليس صحيحاً أن شراكة السنّة في عراق ما بعد صدام حسين كانت فعلية. وليس صحيحاً أن الوزن الاقتصادي للسنّة هو الأكبر في العراق. ولا يفيد هنا تشبيه سنّة العراق بمسيحيي لبنان الذين تعتبرهم الشخصية نفسها مستمرين أصحاب الوزن الاقتصادي والمصرفي والمالي الأكبر فيه، لأن الوزن المذكور صار عند “شعوب لبنان” كلها. ولم يعد عاملاً مؤثراً بل حاسماً في حفظ “المصالح” المسيحية.
هل من مسؤولية عربية عن الوضع العراقي الحالي وإيرانيّيه أيضاً؟