مع بدء القمع كانوا هناك!
«حزب الله« يقاتل في سوريا، حقيقة بات يعرفها الجميع، فهل بدأ تورط الحزب بالحرب السورية في لحظة الإعلان عن ذلك؟
الواقع المثبت بالدلائل أن تورط الحزب تزامن مع الأيام الأولى للثورة السورية، والحقيقة المثبتة بأسماء وتواريخ النعي أن قيادات الحزب كانت تكذب عندما كانت تنفي خبر التورط، فيما كان الحزب يقاتل على الأرض.
في 16/2/2012 لبس السيد حسن نصر الله ثوب البراءة، موجهاً الاتهام نحو خصومه بقوله: «لماذا لا تقفون على الحياد؟ هذه المشاركة الميدانية ألن تترك أثرها على العلاقات بين البلدين؟«. أما في 3/1/2013 فقال: «هناك منهجان حيال الأزمة السورية؛ الأول تجنب التدخل والآخر نقل المعركة إلى لبنان. النظام ليس بحاجة لا إلينا ولا إلى أحد أن يقاتل إلى جانبه، وذلك ليس من مصلحته، ونحن لم نأخذ بعد هكذا قرار وهذا غير موجود حتى هذه اللحظة… من اليوم الأول هناك أطراف في المعارضة السورية يتحدثون عن إرسالنا مقاتلين الى سوريا وهذا كذب ولا يزال كذبا«!
وللمفارقة؛ فقد سبق هذا الكلام نعي «حزب الله« (الحزب نفسه) عشرة من منتسبيه بينهم قائد منطقة البقاع علي حسين ناصيف المعروف بأبي العباس في 30/9/2012، وقد سبقه مهند علي الموسوي وحسين عباس المعلوف وعلي نور الدين (قتلوا في آذار 2012) وعلي أشمر (تموز 2012) وموسى شحيمي (آب 2012).
إخفاء الأمين العام للحزب للحقيقة ليس يتيماً، ففي 15/4/2012 لفت نائب الأمين العام للحزب الشيخ نعيم قاسم إلى «وجود محاولات اليوم في لبنان لإثارة قضايا هامشية كوجود مقاتلين للحزب في سوريا«، مؤكداً أن «سوريا لا تحتاج إلى عناصر أو قوات من حزب الله فلديها شعب وإدارة قويين، وكل ما يقولونه ليس صحيحاً«!
وبعد ستة أشهر، لبس قاسم ثوب البراءة إياه -كما فعل الأمين العام للحزب- وقال: «إن حزب الله حريص على عدم زجّ لبنان في الأزمة، فهو يحتاج لأن يكون بعيداً، من أن يكون منصة ضد سوريا«، آسفاً لسياسة «تيّار المستقبل« التي تقوم على «إيواء المسلحين في لبنان، وتسهيل تهريب السلاح من لبنان إلى سوريا، ودفع الأموال للمسلحين هناك« (6/10/2012).
أما في 10/3/2013 فقد قدّم قاسم مطالعة عجيبة (حوار مع صحيفة الأنباء الكويتية)، قال فيها: «إن ما رأيناه في سوريا أن الاعتراض على أخطاء نظام وعلى منعه لبعض الحقوق للناس، تحوّل بشكل سريع جداً وخلال الأيام الأولى إلى عمل عسكري في مواجهة النظام مدعوم بهذه المنظومة الدولية… موقف حزب الله منطلق من مساندة النظام السوري كجزء من الموقع المقاوم… هؤلاء تعرضوا في منطقة القصير ومحيطها إلى هجمات وضغوطات غير عادية… عندها وجدنا من واجبنا كحزب الله أن نساعد هؤلاء لكي يحموا قراهم وبلداتهم، كي يبقوا فيها من ناحية، وكي لا يهجروا إلى لبنان من ناحية أخرى. هذا استلزم أن نساعدهم بالتدريب والتسليح والمساعدة، وهذا ما فعلناه وأعلناه أمام الرأي العام، ونحن لا نعتبر أن هذا الأمر تدخل في الشأن السوري«! (ومع أن قاسم حصر المساعدة بالتدريب والتسليح فإن بيانات نعي الحزب حتى ذلك التاريخ كانت قد بلغت 16 شخصاً).
بالانتقال إلى نائب رئيس المجلس التنفيذي للحزب الشيخ نبيل قاووق، فقد أعلن بحزم ووضوح في 28/5/2012 أن «حزب الله لم ولن يقاتل في سوريا«، وهو نفسه عاد ليقول في 15/10/2012 «إن التورط في هذا الأمر خطير، وأخطر ما فيه أن الفرقاء في 14 آذار تورطوا بدماء الشعب السوري«!، لكن قاووق- وخلافاً لمواقفه السابقة كلها- قال في 22/4/2013، في ذكرى أسبوع مقتل أحد عناصر الحزب في سوريا (عباس ريحان): «إن شهداء حزب الله (في سوريا) هم شهداء كل الوطن لأنهم كانوا يدافعون عن أهلهم اللبنانيين… كل لبناني يستشهد في الدفاع عن أهله اللبنانيين هو شهيد كل لبنان وشهيد كل الوطن… يجب الكف عن الإساءة لهؤلاء الشهداء الذين هم شهداء كل الوطن«!
ما يثير العجب أيضاً موقف أصدره النائب عن «حزب الله« علي فياض في 18/4/2012 دعا فيه الدولة للتحرك ضد سياسيين وصحافيين دعوا إلى تسليح الداخل السوري، معتبراً أن «عدم تحرّك الحكومة يطيح بأهم مرتكزات اتفاق الطائف«. بذلك اعتبر فياض الدعوة للتسليح أو التسليح الفعلي للثوار- إن صح- إطاحة باتفاق الطائف، ما يعني أن القتال الفعلي الذي يقوم به «حزب الله« راهناً- هو نسف من باب أوْلى- لاتفاق الطائف.
أما الأكثر طرافة فهو موقف وزير خارجية لبنان السابق عدنان منصور، الذي قال بدم بارد في 27-2-2013 (أي بعدما تكاثرت بيانات النعي وصار مشهوراً تدخل الحزب في سوريا): «لا صحة لما يتم تداوله عن وجود مقاتلين لحزب الله داخل سوريا. هناك قرى لبنانية وسكانها لبنانيون موجودون داخل الأراضي السورية، وما حصل هو دفاع عن النفس من قبل هؤلاء«!
وإذا كان تدخل الحزب سابق على الإقرار به في بدايات العام 2013؛ فهل هذا يعني أن تدخل «حزب الله« (قبل أن يتحول إلى تورط) بدأ مع النعي الرسمي الأول أي في آذار 2012؟!
الحقيقة، أن تدخل الحزب سابق على هذا التاريخ بنحو عام أيضاً، أي أنه يعود إلى أيام الثورة السورية الأولى؛ ففي 6/8/2011 صدر تقرير عن الأمم المتحدة؛ يؤكد تورط «حزب الله« والحرس الثوري الإيراني في المعارك، وفي شهر تشرين الثاني عام 2011 صدرت تقارير إعلامية كثيرة (ولاحقاً أفلام «يوتيوب« نشرها مناصرون للحزب نفسه) عن مشاركة «حزب الله« في معركة بابا عمرو القاسية، لكن المعركة الأولى الكبيرة التي خاضها الحزب كانت في منطقة الزبداني مطلع العام 2012، إذ أوكل جيش النظام إليه مناطق محددة للدفاع عنها(قاعدة عسكرية في بلدة مضايا)، وفتَح له المجال ليقاتل بأسلوبه في الحملة الفاشلة التي قام بها النظام السوري على المدينة في 13/1/2012، أما في ريف القصير فإن المواجهات المسلحة بين الحزب والثوار، بدأت في شهر حزيران من العام 2011، عندما حاول عناصر من الحزب التسلل إلى قرية ربلة المسيحية السورية، عبر منطقة حوش السيد علي بغطاء من القصف الصاروخي. ولم تمض أيام على هذه الواقعة حتى بدأت المواجهات تشتد في ريف القصير، وفي هذه الأثناء ظهر فيلم مسرب يُظهر عناصر من الحرس الجمهوري مع عناصر آخرين من «حزب الله« في المعارك.
أما في دمشق؛ فقد بدأ النشاط العسكري للحزب في شهر حزيران من العام 2012، وفي حلب تحدثت مصادر «الجيش الحر« عن اصطدامها بمقاتلين من الحزب اعتباراً من شهر تموز العام 2012.
هل شارك الحزب في قمع السوريين قبل أن تتعسكر الثورة؟
الجواب في بيان أصدره «ائتلاف شباب الثورة في سوريا« في 20/3/2011 (بعد خمسة أيام على اندلاع الثورة) اتهموا فيه الحزب بالمشاركة في أعمال القمع، تبع ذلك بيان مشابه لطلاب جامعة دمشق في شهر نيسان 2011، ثم جاءت شهادة الجندي المنشق والفار إلى تركيا أحمد خلف في 12/6/2011، ثم شهادة قائد «الجيش الحر« حسين هرموش في 14/6/2011، فشهادة أول جندي منشق في الحرس الجمهوري وليد القشعمي في 21/7/2011.