IMLebanon

ثقافة محو آثار الحرب من الحريري الأب.. إلى الإبن

إعادة إعمار شارع سوريا على خطى وسط بيروت
ثقافة محو آثار الحرب من الحريري الأب.. إلى الإبن

 

عندما حطّت الحرب الأهلية في لبنان أوزارها، تكفّل الرئيس الشهيد رفيق الحريري محو آثارها، حتى قبل أن يدخل المعترك السياسي في لبنان، فأسست ثقافته لنمط جديد من التعايش والانفتاح… هو لم يبدأ عملية البناء من مدينته صيدا، إنما أطلق مشروعه النهضوي من وسط بيروت، أو ما كان يعرف بخطوط التماس، التي تفصل بين ما سمّي يومها «الشرقية» و»الغربية»… أراد تحويل هذه المنطقة من مرتع للقتلة وتجار الموت والقناصين وحقول ألغام الداخل إليها مفقود والخارج منها مولود، الى معلم سياحي وأثري مضيئاً في لبنان ومشعاً في العالم كلّه… لقد انطلق من هذه النقطة ليطلق مشاريع الإعمار والبناء في كل لبنان، استثمر في البشر والحجر والطاقات، وأعاد وصل شرايين الوطن المتقطّعة، وضخ فيها الحياة من جديد، فلم تبق محافظة أو مدينة أو قرية الّا وفيها بصمات رفيق الحريري البيض، رغم كل حروب الإلغاء والإقصاء والتخوين والابتزاز التي واجهته سواء من قوى الوصاية الظلامية أو أتباعها في لبنان.

هذه التجربة المشرقة، تتكرر اليوم مع الرئيس سعد الحريري، ابن رفيق الحريري وحامل إرثه الأخلاقي والإنساني والثقافي، البعيد كلّ البعد عن بازارات الاستغلال والاستثمار السياسي… منذ سنوات وهو يتحيّن الفرصة لإطلاق ورشة إنقاذ طرابلس وانتشالها من مستنقع الفقر الى رحاب البناء والإنماء، لكن كلّما لاح الأمل بانبلاج فجر الأمن والاستقرار في الفيحاء، كانت قوى الشرّ وشياطينها تحول دون تحقيق هذه الغاية… لم تنفع من قبل كل المصالحات التي أجراها والوساطات التي تولاها والمبادرات التي أطلقها للمّ شمل المدينة وتحريرها من الأسر، لأن يد الشرّ ذاتها كانت تسارع الى الضغط على زناد التفجير، فتشعل الجبهات وتروع الآمنين، فتزيد باب التبانة ومحيطها بؤساً وفقراً، وتُغرق أبناءها في هاوية القتل والدمار والهلاك، في محاولة لدفعهم الى التطرف والتسلّح، وإظهارهم كفئة خارجة عن الدولة.

عندما اتخذت حكومة «المصلحة الوطنية» قراراً حاسماً بإنهاء الفلتان الأمني في طرابلس، واجتثاث بؤر التوتر وتوقيف ومطاردة أصحاب الرؤوس الحامية الذين بنوا أمجادهم على دماء الأبرياء والفقراء والمساكين، وعزفوا ألحان انتصاراتهم على إيقاع بكاء الأطفال والأرامل والثكالى وأنين المفجوعين… وعندما أيقن الحريري أن عقارب الساعة لن تعود الى الوراء جاءت مبادرته بإعادة إعمار شارع سوريا على نفقته.

هذا القرار لم يكن وليد ساعته، إنما هو ترجمة لرؤية لها دلالاتها وأهدافها، فكما حوّل رفيق الحريري وسط بيروت من خطّ تماس الى نقطة للإشعاش والتلاقي والتعايش لمسلمي لبنان ومسيحييه، ها هو سعد الحريري يطلق ورشة إعمار شارع سوريا، ليجعل منه موقعاً نموذجياً، فاتحاً الباب على تعميم هذه التجربة على المناطق المحيطة، ولأن شارع سوريا وما له من رمزية تنوع وتعايش بين سكانه السنّة والعلويين، قابل لأن يسحب تجربته هذه على كل طرابلس، كان خيار الرئيس سعد الحريري، بجعل هذا الشارع موقعاً للتلاقي والمصالحة الحقيقية، ويجمع أهله وسكانه وتجاره على عبارة «تنذكر وما تنعاد»، فلا يحملون من تجربة الحرب التي ذاقوا مرارتها الا صوراً يتخذون منها عبرة لحاضرهم ومستقبل أبنائهم، تماماً كما فعل الرئيس الشهيد، الذي بدّل إثر إنتهاء الحرب وجه منطقة الشعّار في القبة التي لا تبعد أكثر من 200 متر عن شارع سوريا، من أكوام من الركام الى مجمع سكني راقٍ بات يعرف اليوم بـ»مشروع الحريري» وينعم الآن سكانه بحياة كريمة.

إن الرسالة الخطية التي نقلها أمس وزير العدل اللواء أشرف ريفي الى رئيس مجلس الوزراء تمام سلام، وتضمنت مبادرته في إطلاق مشروع بناء وترميم شارع سوريا، وإبلاغه أن هذه الورشة ستنطلق خلال أيام، مرتبطة بعاملين أساسيين، الأول أن الحريري بات مطمئناً الى أن أيام طرابلس السود باتت من الماضي، وأن الحرب التي حوّلت حياة الطرابلسيين الى جحيم لن تعود، بعدما بات أمراؤها من الماضي أيضاً. والثاني لأنه مطمئن الى إخلاص الفريق السياسي الذي يسهر اليوم على تنفيذ هذا المشروع ومواكبته، فهذا الفريق هو من أبناء طرابلس، يتحسس وجع أبنائها، ويقاسمهم المسؤولية في كل الظروف والأحوال، وليس كمن استغلّهم في أحلك الظروف، وجعل منهم صندوقة بريد لرسائل حلفائه الدموية سواء في الداخل أم الخارج.