اختطفت امتدادات «داعش والنصرة» عسكريين بلباس الشرعية اللبنانية. ارتكبت جريمتان مرّوعتان بحق شهيدين يمّثلان الشرعية اللبنانية. إعانة «داعش والنصرة» على الجريمة المتمادية بحق لبنان واللبنانيين، وبحق العسكريين المختطفين ومنهم الشهيدان، وبحق كوكبة الشهداء والجرحى من الجيش غداة المواجهة مع المسلّحين المعتدين، تكون بطمس هذا العنصر الأساسي، عنصر الشرعية اللبنانية التي يجسّدها شبابنا في الجيش والقوى الأمنية اللبنانية.
لا مكابرة في أنّ هؤلاء العسكريين هم أبناء مجتمعهم، وينظر اليهم أيضاً بحسب انتماءاتهم الطائفية والمناطقية، وأن الجهة الخاطفة تستثمر وتوظف في هذا الجانب قدر إمكانها، وتؤسس ابتزازها وغيّها على هذا الأساس. لكن أيضاً، جنودنا في المواجهة أو في الأسر أو في الشهادة إنما يمثّلون الشرعية اللبنانية وسلاحها. تجاوز هذا الأمر هو تمكين للخاطفين لتحقيق أضعاف مرادهم.
وما يحدث منذ بدء المحنة الحالية، أنّ منطلق الشرعية هذا يصلى بنارين في وقت واحد، واحدة تزايد عليه من موقع عزل المشكلة عن كل سياق لها، وتصويرها كما لو أنّه ليس ثمة من حرب أهلية سورية عراقية مشتركة دائرة في الإقليم، وأنه ليس ثمة تدخل من جانب «حزب الله» في هذه الحرب الى جانب النظام السوري، وكما لو أن لبنان يلتزم باحتكار الدولة لمنظومة العنف الشرعي، وأنها بالتالي مواجهة منطقها الأوحد هو الحسم العسكري. وبالتوازي، تحضر النار الثانية التي تتعامل مع سمة الشرعية التي يجسدها الجنود المختطفون على أنها تفصيل، وتردّ المسألة الى صراع بين «أهالي المختطفين» منظوراً اليهم بمعنى يتخطى ذويهم، ويحمل سمات مناطقية ومذهبية محدّدة، وبين «الخاطفين»، ليكون المنزلق السريع بعد ذلك، بتحويلها الى معركة بين «أهالي المختطفين» و»أهالي الخاطفين»، وتحويل اللاجئين السوريين بشكل عام الى رابطة أهالي الخاطفين، كما لو أننا دخلنا في مسابقة للظلم، وكذلك التعامل مع أبناء عرسال بهذا النفس المتوتر جداً، والمفتري، في واحدة من عنتريات «الفتنة لمواجهة الفتنة«.
بدل أن تكون محنة عرسال والمخطوفين مدخلاً لشعور بوطنية لبنانية يهمّها فك الارتباط مع الزلازل والكوارث النازلة بالإقليم، فقد حدث العكس نتيجة لهذا التفريط بمعطى الشرعية التي يجسّدها المخطوفون، وظيفياً ورمزياً على حد سواء. فهذا يتعامل مع المشكلة كما لو أنها مواجهة بين قوة شرعية ومجموعة إرهابية في صحراء مقفرة خالية من السكان وبعيدة عن أي حرب أهلية في بلد مجاور وبمنأى عن أي انقسام داخلي، وذاك يتعامل مع المشكلة كما لو أنها مواجهة لا يشكل فيها القانون، والدولة، وحقوق الإنسان، والسيادة، إلا مجرّد تصاميم ديكور، يجري الالتجاء اليها في المناسبات، عندما تكون هناك مصلحة لذلك في خطاب أو سجال. والطامة الكبرى انّنا نتحدّث في الغالب عن طرف واحد، يردّد هذا وذاك.
يخسر لبنان في الحالتين، في حال جرى التعامل مع المخطوفين العسكريين كما لو أنهم مدنيون مختطفون، فجرى تجاوز عنصر الشرعية التي يجسدونها، ومرة حين يجري التعامل مع مجال المواجهة مع امتدادات «داعش والنصرة» العابرة للحدود ما بين جرود القلمون وجرود عرسال كما لو أنها مواجهة تحدث في فضاء خالٍ من الناس العزّل.
هناك «أهالي مخطوفين» وليس ثمة «أهالي خاطفين»، إلا لمن أراد، من جهة، إلغاء دور الدولة تحت مسمى «أهالي المخطوفين» موسعاً المقولة الأخيرة شعبياً من جهة، ومقيّداً لها مذهبياً من جهة ثانية، ولمن أراد الدخول في لعبة «الخطف للرد على الخطف»، أي لمن استطاب تحويل المسألة الى دوامة من قبيل «أهالي خاطفين» يتحدون «أهالي خاطفين» آخرين.