IMLebanon

ثنائية «الدعوة» و«داعش» في العراق

عندما كلف الرئيس العراقي فؤاد معصوم النائب والوزير السابق حيدر العبادي تأليف الحكومة الجديدة قال له «البلاد بين أيديكم»، وكان يعني أيضاً ان العراق في أيدي «حزب الدعوة» وليس الأمر سوى تغيير اسم. وجرى التكليف في مكان بعيد من المنطقة الخضراء بعدما حشد نوري المالكي جنوده وأنصاره على مداخلها، في حركة على الأرض تكمل اعتراضه السياسي.

القوى السياسية في مختلف أطيافها أجمعت على التخلص من المالكي، ومعها إيران وقوى اقليمية ودولية، وانسحب الاجماع على الترحيب بالعبادي، في انتظار حكومة وفاق وطني تستطيع بدعم خارجي مواجهة «داعش».

كان على المالكي ان يستقيل بعد سقوط الموصل وما تبعه من كوارث، كما كان على الرئيس السوداني عمر حسن البشير الاستقالة بعد اعلان دولة جنوب السودان واقتطاع ثلث وطن أقسم على المحافظة عليه، وكما كان على محمد مرسي ان يستقيل بعدما أربك الرئاسة المصرية بتناقضات قيادات «الاخوان المسلمين». الحاكم لا يستقيل، وإذا فعل، كما في حال جمال عبدالناصر بعد هزيمة 5 حزيران (يونيو) 1967، فلتجديد ولايته عبر تظاهرات ولاء تعتبر الحاكم أهم من أرض الوطن.

عزل المالكي لن يعني أمراً مهماً في العراق، فالرجل سيشكو ويحشد المنتفعين من عطاياه الى حين، ثم يهدأ بعد أن يتلقى من العبادي، رفيقه في حزب «الدعوة»، ضمانات بعدم المحاسبة. وقد يُعطى حصانة ما، كأن يعيّن نائباً لرئيس الجمهورية: من يحاسب من في العراق المهدورة أموال شعبه منذ عقود؟

ويضم العراق اليوم ثلاث قوى رئيسية: «حزب الدعوة» و «داعش» و «حكومة اقليم كردستان»، وتبدو الأخيرة وحدها عقلانية وجديرة بعلاقات اقليمية ودولية واضحة تقوم على المصالح.

«الدعوة» يتولى مجدداً رئاسة الحكومة بشخص صقر آخر لا يقل تزمتاً عن المالكي الذي سبق أن قرّبه لينافس علي الأديب على الموقع الثاني في الحزب الأصولي الشيعي. ولن يكف «الدعوة» في الحكومة الجديدة عن اختراق الإعلام وأجهزة الأمن وإدارات الدولة، مجدداً سلوك حزب البعث قبل سقوط صدام حسين.

التشبه بـ «البعث» هو نقطة اللقاء بين «الدعوة» و «داعش»، فتنظيم «الدولة الإسلامية في العراق والشام» لم يسمح لأعضائه الأجانب بتولي إمارات في مناطق انتشاره في العراق، مشدداً على تعيين مسؤولين شرعيين وإداريين من أهل البلد، فيما سمح بتولي «أمراء» أجانب حكم عدد من المناطق التي يسيطر عليها في سورية. ويعزو مطلعون التفريق «الداعشي» الى وحدة متينة بين التنظيم التكفيري والبعث، وحدة لا تنفيها محاولات فاشلة لبعثيين لتمييز أنفسهم عن «داعش»، وهنا يتخوف البعض من انتقال طوعي للمتطوعين الأجانب الى مناطق «داعش» السورية ليخوضوا هناك حربهم كأمميين ضد دولة سورية لا يرغب أحد بوحدتها ولا يتصور أحد حدود انقسامها.

اشتهر عن «الدعوة» ضغطه لعدم تعيين أي معلم مهما كان اختصاصه، وأحياناً أي موظف، إلاّ إذا أثبت أداءه للصلاة وصومه رمضان (لا مكان للعراقي غير المسلم)، شرط يذكر بشروط «داعش» للعيش في ظل خليفتها. وبمثل هذا السلوك يتهيأ العراق العربي لحروب بين «الدعوة» الذي يحاول اختصار الشيعة و «داعش» الذي يحاول بدوره اختصار السنّة، فيما يحاول الأكراد النأي بأنفسهم عن معارك وحشية تجدد القرون الوسطى.

يرحل المالكي ويأتي بديله لينافس «داعش» أو يحاربه، هدية مسمومة ثانية يقدمها الإسلام السياسي الى عرب العراق.