IMLebanon

جان عبيد : نقاط القوّة والضعف

جان عبيد مرشح دائم لرئاسة الجمهورية منذ 25 عاماً. فما سر هذا الرجل حتى يكون ويبقى مرشحاً رئاسياً ثابتاً في كل الظروف والأوضاع المتحركة والمتغيّرة، وحتى يكون دوماً في صدارة الترشيحات وفي الموقع المتقدم. ما سر هذا السياسي العريق والعتيق الذي لم يطرح نفسه مرة مرشحاً وانما طرحته الظروف والمعادلات وأولها معادلة الرئيس التوافقي في كل انتخابات رئاسية.

يقول عارفوه : ان سر جان عبيد يكمن اولاً في «قوته الذاتية». فهو يستمد قوته من ذاته، من شخصية غنية بالمزايا والخصال، مصقولة بالتجربة والخبرات التي راكمها على مر سنوات، مسندة إلى شبكة علاقات واسعة في الداخل والخارج، ومتحصنة بابعاد وطنية وآفاق سياسية مفتوحة على الحوار والاعتدال والتسامح والمرونة.

جان عبيد قوي بعقله السياسي الراجح وفكره النيّر، بثقافته الواسعة المترامية الأطراف، حتى لتخاله «موسوعة في رجل». وأنت في حضرته فأنك أمام دفق لا يتوقف من الأفكار والمعلومات التي تغطي كل المجالات والمستويات، يمطرك بآرائه ومقولاته ومعادلاته الرشيقة والدقيقة…

جان عبيد قوي في ادائه واسلوبه جامعاً بين الحكمة والحزم، بين الصلابة والمرونة، بين التروي والاقدام. فلا يتخذ موقفاً أو قراراً إلا بعد دراسة وإحاطة من كل الجوانب… يتقن سياسة مد الجسور وفتح الخطوط مع الجميع باسلوب متفوق ومتميز في الرقيّ واللياقة واللباقة. يحسن مخاطبة اصدقائه من دون مجاملة، ومخاطبة خصومه من دون تجريح ذلك ان وجدوا، ومن دون انفعال ومواربة، يحسن مقاربة المشاكل والأوضاع بجدية ومسؤولية متسلحاً بالتوازن والاستقلالية والواقعية ومتجنباً المعارك والانتصارات الوهمية…

جان عبيد قوي في فهمه وادراكه العميق لتركيبة لبنان السياسية والطائفية وكل ما يحفل به من توازنات وتناقضات وخصوصيات. ولذلك لديه القدرة الفائقة على التعاطي مع كل الاوضاع وإدارة الأزمات مهما صعبت. ولا مبالغة في القول انه من القلائل القادر على جمع الأضداد ومحاورة الجميع من دون استثناء.

جان عبيد قوي في علاقاته وصداقاته الواسعة والمتشعبة في لبنان. هو متوازن حتى في علاقاته التي تشمل كل الفئات والافرقاء، وايضاً هو ثابت في هذه العلاقات ولا يبدّلها ويغيّر فيها تبعاً للظروف والمصالح. وميزته الأساسية الاحترام في التعاطي مع الآخرين فهو صديق صدوق، وفيّ في صداقاته وهذه ميزة تمتلكها معظم هذه العائلة من أشقائه إلى أولاده ايضاً.

جان عبيد أو «أبو سليمان «تيمناً بالرئيس الراحل سليمان فرنجية دافىء اللسان، دمث الأخلاق، لبق الحديث، رمز للباقة والتهذيب عابر للطوائف هذا في علاقاته اللبنانية.

وأما في علاقاته الخارجية، فقد بنى جان عبيد شبكة علاقات عربية وتوج مسيرته الناجحة وبلغ نقطة الذروة في هذه العلاقات عندما تولى وزارة الخارجية فكان الدبلوماسي اللبق والرصين وأثبت أنه رجل حوار ووساطات وتقريب وجهات النظر. وأُطلق عليه يومذاك وزير الخارجية السعودي الأمير سعود الفيصل لقب «حكيم وزراء الخارجية العرب».

جان عبيد تخاله «حزباً في رجل». حركته لا تهدأ ولكنها بعيدة عن الاضواء والضوضاء. هذا الرجل العصامي صنع نفسه بنفسه وتسلّق سلم الحياة والمسؤوليات بصبر وتحمل الكثير من التحامل والافتراء. هذا السياسي الذي كافح وناضل للوصول إلى ما وصل إليه وكاد لأكثر من مرة ان يصبح رئيساً للجمهورية. لم يرث السياسة وانما تدرج فيها، ولا ينتمي إلى عائلة سياسية واقطاعية وانما اقتحم المعترك السياسي وفرض نفسه ووجوده. عند كل مفترق طرق كان له موقف وتموضع فاعلاً في الاحداث ومتفاعلاً معها، وعند كل استحقاق رئاسي تتجه إليه الانظار. 

وهذا ما يحدث الآن في الاستحقاق الرئاسي الراهن لأن جان عبيد مدرج مع قلة على لائحة المرشحين الذين ينطبق عليهم وتصح فيهم مواصفات الرئيس التوافقي بين كل الأسماء المطروحة.

نجح جان عبيد في نسج «حيثية سياسية «له وموقف متميز أو متمايز. وأكثر من ذلك، فهو نجح في ان يشكل حالة سياسية فريدة من حيث انه مستقل، غير مقيّد بارتباطات وولاءات. وهذا كافٍ لأن يكون اسمه بين الأسماء «التوافقية بامتياز «وان يكون مؤهلاً من بين اسماء قليلة ان يجمع اغلبية القوى المتصارعة حول اسمه . 

لم يعلن جان عبيد ترشيحه حتى الآن بانتظار «اللحظة المؤاتية «ولكن الكل يشير بالاصبع إليه على أنه من بين الأسماء البارزة التوافقية الملائمة لهذه المرحلة. فوسط حالة الغليان اقليمياً ودولياً وما يستتبع ذلك من خطط ومحاولات متعددة ومتعارضة لاستخدام أوضاعنا اللبنانية واستمرارها في سياق المصالح المتناقضة، يحسن بنا كلبنانيين ان نستخدم المطافىء بدل ان نؤجج النيران وان نتوسل التوافق وان بأبسط حدوده. هذه المرحلة تتطلب رئيساً توافقياً بطروحاته ومواقفه ومنفتحاً على الجميع ومتمسكاً في الوقت نفسه بالاحتكام إلى أصول العمل الديموقراطي وأساليبه. هذه المرحلة لا تحتمل رئيساً «فريقا» مع طرف ضد آخر، يبدأ يومه الاول في بعبدا ونصف اللبنانيين ضده ويعتبرونه تحدياً واستفزازاً لمشاعرهم، خصوصاً ان التأزم الحاد قد أفرز واقعياً على الأرض استقطابات حادة تستنفر وتكتّل طوائف أو مذاهب بأكملها ضد بعضها البعض.

اسم جان عبيد هو من بين الأسماء المطروحة لتبؤ سدة الرئاسة في هذا الظرف الدقيق والحساس الذي يمر فيه لبنان والمنطقة العربية بأسرها واسمه مطروح جدياً مع اسماء قليلة جداً في الأوساط والدوائر السياسية والدبلوماسية وعواصم القرار، لذلك فإنه يتعرض للمحاربة ويواجه محاولات التشويش والتشويه والنيل من سمعته. هذا ما حصل اخيراً بشكل مفتعل وفظ ومكشوف الغايات والأهداف عندما جرى تلفيق وفبركة تقرير صحفي يحكي عنه وعن اتصالات مزعومة له مع السفارة السورية في بيروت حيث أعيد توزيع تقرير ثانٍ منذ يومين ايضاً مفبرك ولا يمت إلى الحقيقة بصلة وكان هناك من انتظر هذه اللحظة ليشوه اسمه وتاريخه .

من نقاط الضعف الأساسية لـ «جان عبيد «ان هناك تفاوتاً واختلافاً بين ما هو عليه فعلاً وواقعاً وبين الصورة المرتسمة في أذهان الناس والانطباع المكوّن عنه. وهذا يمكن ان يكون في جزء منه تقصيراً واهمالاً منه وهو يتحمل مسؤولياته لأنه لا يعير الدعاية السياسية والتسويق الاعلامي أهمية موازية ومكملة للعلاقات والصداقات السياسية والاجتماعية وهذا خطأ كبير في هذا العصر المبني على الدعاية والاعلام بشكل اساسي .

ان السبب الفعلي والأهم لهذه الحملات الموسمية يرتبط ببعض من يخاصمه ويعتبره مصدر تهديد ومنافسة له ويغار من حركته وحيويته وقدراته، فيبادر إلى ممارسة «القنص» السياسي ضده بأسلوب يغلب عليه التجني والافتراء وقلة الاخلاق، لاعتقاده انه «الحلقة الأضعف»بين المرشحين الرئاسيين ويسهل التصويب عليه لأنه مكشوف سياسياً وليس محسوباً على فريق أو حزب أو مرجعية…

في السابق جرى تشويه لصورته بسبب علاقته مع دمشق وما يزال البعض يعزف على هذا الوتر من خلال هذه التقارير المفبركة والمعروفة المصدر. والآن يجري تشويه واقعه المسيحي بالقول ان نقطة ضعفه الأساسية هي في ان لا حيثية تمثيلية وشعبية له وانه ابعد من أن يكون عن «الرئيس القوي» الذي يتطلع إليه المسيحيون. ولكن هؤلاء يغفلون عن قصد أو غير قصد ان جان عبيد له حيثية شعبية وطنية بدليل انه ترشح مستقلاً في آخر انتخابات جرت العام 2009 ونال منفرداً 33 ألف صوت عن مقعد طرابلس الماروني مع انه كان محاصراً من حيتان السلطة والمال، ويغفلون ان الرئيس القوي لا يكون قوياً في «عضلاته الشعبية» وانما في قدراته العقلية وحكمته وامتلاكه حسّ ومواصفات «رجل الدولة». 

وفي استحقاق العام 2014 وأكثر من أي استحقاق آخر سيكون الرئيس التوافقي هو الرئيس القوي. هذا ما قاله البطريرك مار بشارة بطرس الراعي… 

في الختام هل يكون جان عبيد رئيساً للجمهورية؟

لننتظر … فالأيام المقبلة والظرف السياسي سيجيباننا على ذلك.