عبثاً يحاول «فخامة المرشحون» من «القماشة الآذارية» ابتكار أسباب موجبة وسرد الموانع المطوّقة، وشرح الارتدادات اللاحقة، لترشّح سمير جعجع، ووضعها أمامه وأمام حلفائه الزرق، بغية ثنيه عن «منبر الرئاسة».. فالرجل ماضٍ في طريقه، على طريقة أنا أو لا أحد.
طبعاً هو ينفي ذلك. لكن من يترشّح مرة واثنتين وثلاثا، وهو يدرك سلفاً أنّ ترشيحه سيصطدم بحائط اسمنتيّ، مهما «عاند» في رأيه.. فلا يكون إلا معطلاً لغيره من التسميات. حتى لو ربط الانسحاب بوجود مرشح توافقي يتبنى برنامجه الانتخابي.
اعتقد رفاقه ـ المنافسون أنّ «حكيم معراب» سيدخل البرلمان بصفة مرشّح، لأسباب محددة: براءة ذمّة سياسية تسمح له أن يكون مرشحاً جدياً في العام 2020، والتسلل إلى مطبخ صناعة الرئيس، حتى لو بصفة مساعد طبّاخ. ما يعني أنّ طموحه قد لا يتعدى الدورتين، وفي أحسن الأحوال، ثلاث دورات، ليزيح من بعدها من الطريق، ويفسح المجال أمام الآخرين، ليبرموا دولاب الحظ.
حتى الآن، خضع البرلمان لثلاث «لاءات»، لكن ديك التسوية لم يصِحْ بعد. كما أنّ بال سمير جعجع لم يقصر. باقٍ على موقفه، ومتمسك بترشيحه إلى حين، لا يعرفه الآخرون.
كُثر يعتقدون أنّ الرجل لن يتخلى عن ترشيحه، ما دام ميشال عون يتسلق حبال الحوار مع سعد الحريري. في بال «القواتيين» أنّه حبل من «ورق سيجارة»، وفي حسابات «العونيين» هو من الألياف الصلبة. وحدها الأيام المقبلة ستثبت: أي من الروايتين هي الأصح. وبالانتظار، لن يسمح سمير جعجع لأي من الطامحين الآذاريين، بأن ينتقل إلى الواجهة، ليصير الرقم الأول. فهو بنظره، الأكثر كفاءة وقدرة على تنفيذ المهمة. حتى لو تعطّل النصاب لأشهر.
ولهذا تجاوز الرجل هواجسه الأمنية، التي حالت دون التحاقه بلقاء الأقطاب الذي عقد في بكركي، وجالس البطريرك الماروني بشارة الراعي وجهاً لوجه. اختار رئيس «القوات» التوقيت الذي يناسب أجندته، ليهدم بعضاً من الجبل الجليديّ المتسمّر بين معراب وبكركي. اليوم وليس الأمس، لأنها الفرصة المناسبة للإيقاع بعصفورين بحجر واحد:
أولاً الوقوف إلى جانب الكاردينال المنفعل في وجه الممانعين لزيارته إلى القدس، ليغفر جعجع بعض «خطاياه» مع بكركي. وثانياً غسل يديه من دماء تعطيل الاستحقاق، بفعل «تجميد» ترشيحه، في محاولة لرمي الكرة في ملعب الآخرين.
طبعاً، هو مدرك أنّ سيد الصرح مزعوج جداً من تطيير النصاب الرئاسي، ويردد ذلك أمام كل من يلتقيه، لأنه يفضّل الاحتكام إلى الصندوقة الانتخابية، بشكل عاجل وضروري، للتغلب على «غول الشغور» قبل أن يقترب من كرسي بعبدا. ولهذا يبارك حراك أمين الجميل الداعي لاستلحاق آخر فرصة متاحة أمام المسيحيين لإنقاذ الرئاسة، ويشجّع على كل قنوات الحوار إذا كانت ستؤدي إلى شيء من المرتجى.
ولهذا، قرر جعجع خوض حرب وقائية تقيه شرّ الاتهام بعرقلة الانتخابات، «رابطاً النزاع» ببرنامجه الانتخابي. فلا يرضى بتلسيم «الشعلة» إلى مرشح قادر على استقطاب التوافق، ويتحصّن بعباءة «أفكاره السياسية». أي ليكون قابلته القانونية. بينما اقترح الجميل التوافق على اسم من بين «الظهير الرباعي» بمعزل عن أفكار صاحب الحظ.
عملياً، لا رئيس «الكتائب» متفائل بالمسعى الذي يقوم به بين كبار الموارنة لجمعهم حول مائدة واحدة، ولا رئيس «القوات» متحمّس للانتقال إلى نادي «المرشحين السابقين» سريعاً، ولا حركة أهل البيت اللبناني، فيها بركة. وما الحديث عن لقاء جديد تحت سقف بكركي لاجتراح معجزة التوافق، إلا مزحة.
وكان جعجع استنكر إثر لقائه الراعي، الحملة التي يشنها البعض على الرحلة الرعوية للبطريرك الى الأراضي المقدسة في فلسطين المحتلة، منوهاً بالاتصال الهاتفي الذي أجراه الرئيس الفلسطيني محمود عباس بالراعي للترحيب بزيارته.
ونفى أن يكون الحديث مع البطريرك قد تطرق الى موضوع المبعدين قسراً الى اسرائيل، لكنه أشار إلى ان الراعي سيبحث هذا الملف خلال رحلته مع وفدٍ من هؤلاء المبعدين.
وأكد أنّه ليس مرشحاً تصادمياً، مستهجناً التعطيل الذي يمارسه الفريق الآخر للعملية الانتخابية. وقال: «إن ترشيحي للرئاسة حق طبيعي، وأنا لست من جماعة «أنا أو لا أحد»، ومستعد لمناقشة أي طرح يؤدي الى رئيس جدّي وضمن المواصفات المقبولة، لكن شرط ان يتبنى ما ورد في البرنامج الرئاسي الذي اعلنته، وإذا كان مرشحاً جدياً فأنا معه».
وأملَ ان يتمكن الراعي «من إقناع مقاطعي جلسات الانتخاب بالحضور الى مجلس النواب، وأن يقول لهم ان هذا لم يكن الاتفاق الذي حصل في ما بيننا هنا في بكركي كي نتمكن من الوصول الى انتخابات رئاسية كما يجب ان تكون».
ورأى أنه «من حق كل مواطن لبناني ان يترشح للانتخابات الرئاسية، لكن من غير المقبول ان يتعدى فريق 8 آذار على الجميع»، مستغرباً كيف أن فريق 8 آذار يرى ترشحه للرئاسة بمثابة تحدٍّ، «فأنا اطرح الأمور مثلما أراها ولا اسعى الى تدوير الزوايا او الى التصادم مع أحد».
وشدد على ان «البطريرك الراعي لم ولن يتدخل بأي اسم من الأسماء، وكل همه هو حصول الاستحقاق الرئاسي».